Thursday, December 28, 2023

"تمركز السكان والطوائف في لبنان وتأثيره في اللامركزية"، دراسة للدكتور علي فاعور، المركز اللبناني للدراسات، عام 1996.

 

تمركز السكان والطوائف في لبنان وتأثيره في اللامركزية

 دراسة للدكتور علي فاعور منشورة في كتاب عن المركز اللبناني للدراسات، "اللامركزية الادارية في لبنان،

الاشكالية والتطبيق"، ص. ص: 235-250. عام 1996.

 


تمهيد :

لا بد في البدء من توضيح المنهج الذي اعتمدته في كتابة هذه الدراسة، وذلك لسببين :

      الأول يعود إلى خصوصية البحث في مسألة حساسة تتناول : تمركز السكان والطوائف وتأثيرها في اللامركزية في لبنان، وخصوصاً أننا نكاد نخرج بسلام بعد المحنة - المأساة التي عشناها طوال ستة عشر عاماً، كما أن الحديث عن الطوائف بالأرقام يثير قضايا ديمغرافية وسياسية وإنمائية متنوّعة.

     والثاني لأن البحث في التوزيعات الديمغرافية، وبطريقة علمية، يتطلب توافر الأرقام، فكيف ذلك في ظل الحال عندنا، حيث لم يبق في العالم اليوم سوى ثلاث دول لم تقم بتعداد سكانها ، وهذه الدول هي كوريا الشمالية وعُمان ولبنان ؛ وبينما يفترض أن تكون كوريا الشمالية وعُمان قد أجرتا أخيراً تعداداً سكانياً، فإن لبنان سينفرد بين دول العالم ليصبح الدولة الوحيدة التي ليس لديها تعداد سكاني، حتى إننا لا نكاد نعرف أعداد المسجلين (والمهاجرين) أو المقيمين في المدن والقرى، ولا أعمارهم أو توزيعاتهم الاجتماعية والاقتصادية .

       وكل هذا لأننا نخشى معرفة التوزيع الطائفي ولا نريده؛ علماً أن التعداد السكاني يمكن أن يهمل الطائفة كما يحدث في الدول المتقدمة، حيث يمنع ذكر الطائفة في التعدادات .

        إن التعامل مع هذا الواقع يستوجب اعتماد التقديرات، أو القيام ببعض المسوحات العينية في أماكن محددة، وهذا ما ستحاول ترتيبه وإيضاحه وتقديمه في هذه الدراسة.

       واجه لبنان منذ إعلان الاستقلال أزمات مصيرية وتحديات كبيرة، كان أبرزها الحرب الأخيرة التي استوطنت طوال ستة عشر عاماً، والتي أدت إلى إنهيار مؤسسات الدولة أمام الدويلات والكانتونات الطائفية التي حاولت جاهدة إنهاء مشروع الدولة لتثبيت أقدامها دون أن تنجح بإلغائها نتيجة التوازنات الإقليمية والدولية التي سمحت بلعبة الميليشيات دون أن تسقط الخطوط الحمر التي شكلت ضوابط لا يمكن تجاوزها.

       وبعد نزاع مرير ومعاناة طويلة، وفي ظل التوازنات الدولية تم إحياء فكرة الدولة وعودة هكذا المؤسسات بعد نجاح إتفاقية الطائف ، في إرساء مباديء جديدة للوفاق الوطني وإعادة تنظيم الكيان اللبناني.

      ومنذ إعلان دولة لبنان الكبير، وبالرغم من صغر مساحة هذه الدولة ( ١٠٤52 كلم ٢ ) فهي لم تتمكن - ولم تنجح - في الربط بين المناطق الجغرافية، خصوصاً بين الأطراف والمركز مما أدى الى تفاوت شاسع في توزيع الموارد على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، ثم قيام التناقضات وتفجير الصراع مع بداية الحرب.

      والذين لا يحسنون قراءة الجغرافيا يصورون أن إندلاع الحرب سببه صراع الطوائف في لبنان (الناجم عن التنوع الطائفي )، وهي ذات المؤامرة التي حركتها الأيدي الأجنبية في السابق للحفاظ على مصالحها في لبنان.

     لقد تبين أن التنوع الطائفي هو ركيزة ازدهار لبنان وعلامة بارزة في تفرده وتفوقه. كما ثبت أن التفاوت الاجتماعي الاقتصادي، قد أدى الى بروز خطوط تماس إنمائية باعدت بين المناطق وهذا التفاوت تمثل بإهمال الأطراف وتهميش دورها، مما أدى الى اختلال بارز في التوازن تسبب بحركة نزوح سكانية وموجات هجرة كثيفة من المناطق المحرومة الى المناطق التي تمركزت فيها الخدمات، وهي التي أدت الى إفراغ الأرياف من سكانها.

 فالنزوح السكاني هو حركة احتجاج واسعة ضد التمييز القائم بين المناطق الجغرافية، حيث تمركزت الخدمات والمؤسسات الصناعية في بيروت ومناطق الجبل القريبة، بينما افتقرت الأرياف لهذه الخدمات وتزايد الحرمان في الأطراف البعيدة والقرى الصغيرة، مما أدى الى موجات بشرية متلاحقة انطلقت من الريف والقرى الصغيرة نحو المدن، فنشأت الضواحي وتكوّن حزام البؤس حول العاصمة.

١ - التوزيعات السكانية والتركيب الطائفي

       تتفاوت التقديرات المتعلقة بتوزيعات السكان والطوائف في لبنان، وذلك لارتباطها بأسس البنية السياسية والإدارية التي تعتمد الطائفية في توزيع المراكز والحصص. كما تختلف التوزيعات السكانية حسب مصادر الدراسة المعتمدة، ونظراً لعدم توفر المسوحات والبيانات الحديثة..  وهكذا يبرز التفاوت الكبير بين إحصاءات السكان المسجلين حسب وثائق النفوس، وتقديرات السكان المقيمين حسب المناطق وارتباطها بتوزيع الطوائف في لبنان.

      ويبلغ إجمالي عدد السكان المسجلين في لبنان ٥.٦ مليون نسمة تقريباً ، بينما يُقدر عدد السكان المقيمين بحوالي ٣.٥ مليون نسمة بحيث يرتفع متوسط الكثافة السكانية الى ٣٢٥نسمة / كلم ٢ . فما هي الخلاصة التي نستنتجها من قراءة التوزيعات السكانية...  وما هو مدى إرتباطها بالتركيب الطائفي في لبنان؟


       إن قراءة دقيقة للتوزيعات المكانية للطوائف تبرز أهمية التمييز بين إحصاءات السكان المسجلين، وواقع توزيع السكان المقيمين في لبنان، خصوصاً وأن المبادئء المعتمدة في تقسيم البلاد الى محافظات وأقضية ثم توزيع المراكز الادارية فيها على الطوائف، لازالت ترتكز الى سجلات المقيمين وفق التعداد السكاني الذي أجري عام ١٩٣٢، حيث يتم حساب عدد السكان وتنظيم وثائق القيد وتسجيل الولادات والوفيات في هذه السجلات رغم مرور أكثر من ٦٠ سنة على إنشائها.


          بل إن التوزيعات السكانية كما هي الآن على الأرض أو توزيعات السكان المقيمين ، تبدو مغايرة كلياً لمثيلتها على الورق في السجلات أو توزيعات السكان المسجلين، وهذا التفاوت يبرز من خلال التمركز السكاني في بيروت، فبينما تشير توزيعات السكان المسجلين الى وجود 13% من السكان في محافظة بيروت و ۲۷ في جبل لبنان، نجد أن توزيعات المقيمين تؤكد أن بيروت الكبرى وحدها تضم اليوم أكثر من نصف سكان لبنان.. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد الى ٧٠% تقريباً في عام ۲۰۰۰. كذلك الحال بالنسبة للجنوب اللبناني والذي يضم اليوم فقط  16% من سكان لبنان المقيمين، بينما يضم ٢٣٪ من السكان المسجلين ( الجدول رقم (۱).

 التوزيعات الطائفية حسب المحافظات والأقضية:

         تختلف التوزيعات المكانية للطوائف على الأرض عن مثيلتها في سجلات المقيمين، وذلك نتيجة التحركات السكانية المتسارعة عبر موجات النزوح التي أدت الى نشوء المدن وتضخم عدد سكانها تضم المدن اليوم ۸۳٪ من سكان لبنان تقريباً )، بينما يتم إفراغ الأرياف والقرى الصغيرة.

         فالطوائف التي كانت متمركزة في الأرياف النائية ) وغالبية سكانها من الشيعة ) نزحت الى ضواحي المدن (خصوصاً بيروت وغالبية سكانها من المسلمين السنة ( ٤١ )، والمسيحيين الأرثوذكس (۱۳) فتكونت الضاحية الجنوبية كمدينة ثانية - للنازحين والمهاجرين - تجاور العاصمة وتكاد تضاهيها من حيث ثقلها الديموغرافي.، والذي يراقب النمو العمراني القائم وبوتيرة متصاعدة حاليا، يكاد يشهد ولادة ضاحية ثانية في أطراف الضاحية ، مما سيؤدي الى إنفجار سكاني لا يمكن السيطرة عليه.

       يضاف الى هذه التغيرات التحوّلات الناجمة عن الحرب وما رافقها من تهجير بين المناطق وهجرة أدت الى إنحسار المجال الجغرافي لبعض الطوائف ( تهجير المسيحيين من الجبل الى ضاحية بيروت الشرقية مثلاً ) ثم إعادة تمركزها وفق خريطة سكانية جديدة ترتسم فيها الخطوط الكبرى للتحركات السكانية خلال الحرب.






أما التوزيعات الكبرى للطوائف والتي يمكن إستخلاصها من إحصاءات السكان المسجلين ( ۱ )، حسب المحافظات والأقضية فهي تبرز ما يلي :

       

 - الشيعة : يتوزع الشيعة ( وحسب سجلات النفوس ) داخل لبنان في مناطق الأطراف البعيدة في الجنوب والبقاع، حيث يتمركز %٥٩٪ منهم في محافظتي الجنوب والنبطية، و ٢٥.٥٪ في البقاع، و ۸ في محافظة جبل لبنان، وه .٧٪ في محافظة بيروت. أما توزيعهم داخل الأقضية والمحافظات، وبالمقارنة مع بقية الطوائف فيلاحظ أنهم يمثلون ٦٧٪ من إجمالي المسجلين في الجنوب والنبطية، مقابل ٤١٪ في البقاع، أما في المدن الكبرى فهم يمثلون ١٤٪ في بيروت و ١٠٪ في صيدا...




       - السنة : يتمركز المسلمون السنة من حيث توزيعهم الجغرافي في المدن الثلاث الكبرى بيروت ٢٤، وطرابلس ١٩، وصيدا ٦، بالاضافة الى بعض الأقضية ، خصوصاً في عكار ١٤، البقاع الغربي وراشيا ، والشوف . أما توزيعهم حسب المحافظات : الشمال ٤٢.٥ ، بيروت ٢٤، جبل لبنان ٨.٥ البقاع ١٤، ثم الجنوب والنبطية ١٠.٥ أما توزيعهم بالنسبة لبقية الطوائف في المدن، فهم يمثلون ۸۲٪ من السكان المسجلين في مدينة صيدا، و ٨٤% في طرابلس، و ٤١ في مدينة بيروت ( المحافظة )..




       - الدروز : يتمركز %۷۷٪ من المسلمين الدروز في محافظة جبل لبنان ( عالية، الشوف بعيدا .. وقضاء حاصبيا ( ٧.٥ مع مرجعيون ( وراشيا ۱۲ ( مع البقاع الغربي ) .

( ۱ ) تقديرات أجراها المؤلف بناء على أرقام مأخوذة من لوائح قيد السكان المقيمين ، وفق سجلات النفوس، مع حساب المعدل الزيادة السكانية حسب الطوائف حتى عام ١٩٩٢.

       أما توزيعهم بالمقارنة مع بقية الطوائف فيلاحظ أنهم يمثلون ٤٦% تقريباً من السكان المسجلين في قضاء عالية، و ۲۹ في قضاء الشوف، و ١٦.٥٪ في قضاء بعبدا، و ١٨٪ في البقاع الغربي وراشيا، و %١٠.٥ في حاصبيا - مرجعيون ....


        - الموارنة : يتوزع المسيحيون الموارنة حسب سجلات النفوس بنسبة ٥١٪ في محافظة جبل لبنان، و ۲۸ في محافظة الشمال، و ٧ في محافظة البقاع، ٩.٥٪ في الجنوب... أما بالمقارنة مع بقية الطوائف فيلاحظ أنهم يتمركزون في أقضية كسروان ٩٢٪، جبيل ٧٦، المتن ٥٦ ، زغرتا ۸۹ بشري ۹۷ ، البترون ۷۳، جزین  73 في المائة....


       - الأرثوذكس : يتميز التوزيع النسبي لطائفة المسيحيين الأرثوذكس بتمركزهم في المدن الثلاث الكبرى، فهم يمثلون ۱۳٪ من سكان بيروت، و ١٠٪ من سكان طرابلس.

 

         أما توزيعهم الجغرافي فهو : ٤٠ في محافظة الشمال، و ۲۲٪ في جبل لبنان، و ١٩٪ في بيروت، و ١٢ في البقاع، و ٦ في محافظتي الجنوب والنبطية.. أما بالمقارنة مع بقية الطوائف فهم يمثلون ٥٩٪ من السكان المسجلين في قضاء الكورة، و٢٤٪ في عكار، وه.١٧ في البترون، و ١٥ في كل من قضائي عالية والمتن....

      - الكاثوليك : يتوزعون بنسبة %٣٦ في محافظة البقاع، (۲۰٪ في قضاء زحلة، و ٩ في قضائي بعلبك والهرمل ، و ٧ في البقاع الغربي وراشيا )، ثم ٢٥٪ في محافظة جبل لبنان ) الشوف % والمتن (۸)، ثم ١٢.٥% في بيروت.

      أما بالمقارنة مع بقية الطوائف، فهم يمثلون %٢٥ من السكان المسجلين في قضاء زحلة، و ١٧٪ في كل من قضائي صيدا وجزين، و ٩ في كل من قضائي الشوف والمتن . - الأرمن : يتوزع الأرمن بنسبة الثلثين تقريباً في بيروت ومحافظة جبل لبنان ( خصوصاً قضاء المتن، وهم يمثلون %۱۰٪ من المسجلين في قضاء زحلة، و ١٨٪ في بيروت، و ٦ في قضاء المتن...

           نستنتج من هذة التوزيعات أن الخريطة السكانية للطوائف ، لا زالت تؤكد - وبالرغم من التغيرات التي حصلت خلال الأحداث - تمركز الطوائف في بعض الأقضية والمحافظات، أما التحركات التي حصلت فهي بمثابة إمتداد لبعض الطوائف في الداخل، يقابله إنحسارعبر المجال الجغرافي لطوائف أخرى.

      لكن النتائج تشير كذلك الى بعض الأخطار الناجمة عن بروز الكانتونات الطائفية نتيجة الفرز السكاني الذي حصل في بعض المناطق، مما يستدعي إعادة المهجرين الى الأحياء والقرى التي تهجروا منها للحفاظ على صيغة العيش المشترك وصيانة الاختلاط بين الجماعات والطوائف....


 - تطبيق الامركزية الادارية :

إن اللامركزية الإدارية على ضوء هذه التوزيعات، والتي تتميز بعناوينها الكبرى، بتمركز الطوائف في بعض الأماكن، وبنتيجة ما أحدثته الحرب بالنسبة لإفراغ بعض المناطق المختلطة من سكانها، هذا الواقع يدفعنا للتدقيق والتمحص في تفسير الامركزية الإدارية، والتي نصت عليها إتفاقية الطائف بإيجاز شديد وتحت عنوان ( إصلاحات أخرى ، وذلك خشية التوسع في تغيير البنية خلال التطبيق فتتحول الى لامركزية سياسية، وتتعرقل عملية الانتقال الى الجمهورية الثانية.

       بوضوح أكثر إن محاولة تطبيق اللامركزية الادارية يمثل نقلة هامة وأساسية ، مما يستوجب بناء هيكلية جديدة على أساس وطني، خوفاً من هيمنة بعض الطوائف في مناطقها، إذ لا بد من توخي الحذر في عملية الإنتقال والتغيير، ذلك أن تكريس النهج الطائفي سيعيدنا حتماً الى أجواء النزاعات والمناطقية.

 

       إن نظام التقسيمات الادارية المعمول به حتى الآن سواءً بالنسبة لعدد المحافظات أو الأقضية بات بحاجة الى تعديل وذلك على ضوء التوجه المطلوب لبناء الدولة وتطبيق اللامركزية الادارية بحيث يتلاءم التوزيع الجديد مع حاجات السكان ويساعد في معالجة التفاوت الاجتماعي - الاقتصادي القائم بين المناطق في لبنان.

             بل إن حل المشكلات الناجمة عن التمركز السكاني في العاصمة يستوجب تحسين وتنظيم أوضاع الأرياف البعيدة والقرى الصغيرة مما يسهم في معالجة قضايا بعض الطوائف المتواجدة بغالبية في الأطراف، بحيث تلغى معادلة إرتباط التفاوت بتوزيعات الحصص بين الطوائف والمناطق الجغرافية، أو بين المدن والأرياف ، خصوصاً وأن التوزيعات السكانية الجديدة وما رافقها من تهجير وفرز طائفي خلال الحرب بات بحاجة الى محاولات لاعادة الاختلاط السكاني وتأمين الانصهار والتفاعل بين المناطق.

       إن تطبيق اللامركزية الادارية يمثل خطوة أساسية في إعادة التوازن والتخفيف من هيمنة العاصمة التي تمثل مركز القرار وعلى مختلف الأصعدة ، كما أن أية تقسيمات إدارية جديدة يجب أن ترتكز الى قاعدة جغرافية - لا طائفية - واضحة المعالم تأخذ بالاعتبار طبيعة لبنان وتركيبه الديموغرافي، ثم التوزيعات الجديدة للمقيمين في المدن والأرياف. كما أن بناء دولة حديثة يتطلب إعتماد قاعدة التنمية المتوازنة بين المناطق مما يحتم إعطاء الأولوية بعد الحرب في توفير الخدمات للمناطق الفقيرة، ثم إيجاد الحلول لمشكلات تقسيم الحصص بين الطوائف، وهي المسألة التي كان يتم إستغلالها دائما لإثارة الفتن في لبنان.

        نستخلص لتقديم خمسة إقتراحات لا بد منها لنجاح تطبيق اللامركزية الإدارية، وهي الآتية :

 

1.     أهمية وضرورة إجراء تعداد للسكان والمساكن في لبنان، لأن إعتماد قاعدة جغرافية - لا طائفية - في التقسيمان الإدارية الجديدة، يتطلب في الأساس تنظيم وتوزيع المساحات Organisation de l'espace)) على قاعدة التوزيعات السكانية الجديدة وذلك من خلال تنظيم عقلاني لا عشوائي .

 

2.     إعادة النظر في المنهج والقاعدة الإحصائية المعتمدة، والتي ترتكز إلى إحصاءات السكان المسجلين فقط، بحيث يسمح للسكان المقيمين المشاركة في إدارة شؤونهم وذلك خلال تشكيل اللجان في القرى والأحياء.

3.     إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الحالية، ووضع تقسيمات جديدة سواء بالنسبة للمحافظات أو الأقضية، تأخذ بالاعتبار التوزيعات الجغرافية للأراضي من الناحية الطبيعية وعلاقة القرى والمدن ببعضها، ثم توزيعات السكان وذلك لتفادي تكريس الطائفية، أو هيمنة الطائفة في بعض المناطق .

4.     أهمية وضرورة إعادة المهجرين ( الذين يمثلون حوالي ربع السكان ) الى الأحياء والقرى التي تهجروا منها، وذلك للحفاظ على صيغة العيش المشترك وتأمين الإنصهار الوطني، أي أن تطبيق اللامركزية الإدارية على مستوى الأقضية وما دون – كما تنص وثيقة الطائف - يتطلب في الأساس تنفيذ خطة إعادة المهجرين.

5.     إن نجاح تطبيق اللامركزية الإدارية، يتطلب وضع خطة للتنمية المتوازنة في مختلف المناطق، وذلك لإلغاء خطوط التماس الإنمائية ، التي كانت موجودة قبل الحرب، والتي تحركت عبرها موجات النزوح الريفي ، أي أن إلغاء خطوط التماس التي نشأت بين المناطق خلال الحرب يجب أن يقترن أيضاً بإلغاء خطوط التماس الإنمائية التي أدت الى قيام الحرب، وإعطاء أولوية لإنماء المناطق الفقيرة، حتى لا يلجأ الناس الى الطوائف لتأمين قضاياهم وحل مشاكلهم .

 









 





Monday, December 18, 2023

عامان على الاجتياح.. ثلث الوطن في القبضة الاسرائيلية دراسة للدكتور علي فاعور حول الأرض والانسان في جنوب لبنان، منشورة (عام 1984)، قبل نحو 40 سنة.

 

عامان على الاجتياح.. ثلث الوطن في القبضة الاسرائيلية

دراسة للدكتور علي فاعور.. منشورة قبل 40 سنة.

الأرض والانسان في جنوب لبنان: دراسة منشورة في جريدة السفير قبل 40 سنة..

 يوم الاثنين بتاريخ 4 حزيران 1984.

    


  قبل سنتين بالتمام والكمال ، بدأ تنفيذ المشروع الاسرائيلي لغزو لبنان ، بسلسلة عمليات عسكرية مهدت لاجتياح واسع استمر أكثر من أربعة أشهر ونصف..

     ففي الرابع من حزيران ۱۹۸۲ قامت اسرائيل بـ ١٤ غارة جوية على العاصمة بيروت وعشرات المدن والقرى الجنوبية، استكملتها في اليوم التالي بغارات مماثلة استهدفت ٥٥ قرية ومدينة..

وفي السادس من حزيران العام نفسه ، اقدمت اسرائيل على عملية عسكرية واسعة حشدت لها قوات كبيرة من البحر والبر والجو، وتمكنت من تطويق المدن الرئيسية الثلاث صور والنبطية وصيدا ، بعد معارك ضارية مع ما سمي في حينه القوات الوطنية اللبنانية - الفلسطينية المشتركة.

       وفي السابع من حزيران تقدمت قوات الاجتياح نحو النبطية واسقطتها فيما استمرت المواجهة في كل من صيدا وصور، وبعد أقل من ٢٤ ساعة شهد الخط الشمالي لنهر الأولي انزالا بحريا تقدم في اتجاه الساحل نحو الدامور، وحققت القوات الاسرائيلية تقدما مماثلا من جهة النبطية نحو جزين لتتمكن في الثامن من حزيران من احكام قبضتها على كامل الشوف.

      وفي التاسع من حزيران وصل الاجتياح الى خلدة التي شهدت ما اطلق عليه مصيدة الدبابات الاسرائيلية، ودارت في محاورها معارك ضارية اضطرت القوات الغازية الى استخدام الطيران فيها لضرب مواقع المقاومة التي فشلت محاولات الانزال البحري في ضربها.

      وفي العاشر من حزيران تقدم الاجتياح الى قضاء عاليه بعد معارك مع القوات السورية، وحقق في الحادي عشر من الشهر ذاته خطته القاضية بمحاصرة العاصمة بيروت من خلدة والجبل.

      

وقد عاشت بيروت في اعقاب ذلك أكثر من ٤٠ ساعة، وعلى فترات متقطعة من القصف البري والبحري والجوي الى ان وصلت قوات الاجتياح في الثالث عشر من حزيران الى القصر الجمهوري في بعبدا بقيادة وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك اربيل شارون...

     وافادت المعلومات في حينه ان شارون دخل القصر الجمهوري وطلب مقابلة الرئيس الياس سركيس الذي اضطر للانتقال الى منزله في الحازمية.

      ومن بعبدا تقدمت القوات الاسرائيلية الى المناطق الشرقية وضربت طوقا خانقا حول بيروت من جهة الحازمية والمتحف والمرفاً وخلدة، فيما كانت بوارجها البحرية لا تفارق الشاطيء المقابل للعاصمة وتقوم باعمال القصف المتواصل للاحياء الأهلة والمواقع العسكرية التي استحدثت للدفاع عن بيروت.

ترافق كل ذلك مع حشود اسرائيلية كثيفة تقدمت من القطاع الشرقي في الجنوب وعلى انقاض ما تبقى من قوات الطوارىء الدولية، في اتجاه البقاع الغربي وراشياء حيث استطاعت في خلال أيام قليلة من السيطرة على كامل قضاء راشيا وعلى جزء كبير من البقاع الغربي.



  وكان واضحا منذ اللحظة الأولى للاجتياح ان اسرائيل لا تريد ان تكتفي بشعار عمليتها وهو تأمين سلامة الجليل، وانما هي خططت سلفا للوصول إلى بيروت والسيطرة على نقاط استراتيجية في لبنان، كجبل الباروك، وبحيرة القرعون، فضلا عن نقاط تكتيكية لاستخدامها ورقة ضاغطة على الوضع الداخلي اللبناني كما حصل في حصار بيروت، وكما حصل في الجبل وما تبع ذلك من مجازر، رافقت كل خطوة من خطوات الاجتياح...

       الى ان سجل في الثامن عشر من أيلول العام ۱۹۸۲، دخول اسرائیل الى اول عاصمة عربية في التاريخ العربي - الاسرائيلي، وذلك بعد اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، وما سبقه من خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عن طريق البحر ومغادرة القوات السورية براً الى الجبل والبقاع

بعد ذلك خضع لبنان المقتضيات العصر الاسرائيلي ووقع حكم الرئيس امين الجميل وحكومة الرئيس شفيق الوزان على اتفاق السابع عشر من أيار ۱۹۸۳ مع اسرائيل، إلى ان كانت حرب الجبل واعلان اسرائيل عن انسحابها الى اقليم الخروب ثم الى نهر الأولي، حيث تمركزت على طول شريط امني يأكل أكثر من ثلث مساحة البلد.

       وفي الذكرى الثانية للاجتياح، نسجل ان اسرائيل تحتل حالياً من لبنان مساحة ۳۱۰۰ كلم2 من اصل ١٠٤٥٢ كلم2، وتخضع زهاء ربع سكان البلد لسلطاتها العسكرية (عدد سكان الجنوب والبقاع الغربي وراشيا زهاء ٥٤٨,٩١٦ نسمة من اصل ٢,٣٦٧,١٤١ نسمة حسب احصاء وزارة الداخلية عام ١٩٦٧). والخريطة المرفقة توضح خط الاحتلال القائم والخط الذي سبق لقوات الاجتياح ان وصلت اليه. اي حتى حدود بيروت باعتبار ان الوصول الى جبيل – البترون، لم يدون في اطار العمليات العسكرية للقوات الاسرائيلية، بقدر ما دون في سياق الترتيب الامني للوجود الاسرائيلي في لبنان.

 

الأرض والانسان في جنوب لبنان

·        خمس مساحة الوطن تتعرض لزحف الجفاف، والأطماع وتراجع الثروات..

·        القضم الصهيوني للأراضي بدأ عام 1892، وأخطار تتهدد مصادر المياه

       الجنوب قضية شعب وارض، قضية أرض اهملت منذ عشرات السنين بحجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية فيها، وقضية انسان حرم حقه كمواطن، قدم الموطن جهده وعرقه واثبت عبر السنوات الطويلة تعلقه بارضه ودفاعه عنها، قلم تقدم له الدولة ما يعينه على الصمود والاستقرار ويساعده في تأمين مقومات العيش والاستمرار..  الجنوب قضية ارض وسكان، أرض مهددة بالضياع، وانسان يقاوم للحفاظ على اصالته وهويته في وجه العدوان..

      الجنوب قضية ارض تزيد مساحتها قليلاً عن خمس مساحة لبنان.. أرض أعطتها الطبيعة حقها في الحياة والتطور..  فهي تتميز بسهولها الساحلية – والداخلية- الخصية، والغنية بزراعة الحمضيات والموز، وطبيعة جبالها الخضراء ، وهضابها وأوديتها الخلابة ، حيث توجد الينابيع والمياه العذبة، ثم ملاءمة مناخها

للصحة والعمل بالإضافة لموانئها الطبيعية في الشاطيء..

 لكن هذه الأرض برغم شخصيتها الجغرافية المميزة، أهملت ولم تنل حقها من العناية نظراً لموقعها الجغرافي ومجاورتها لفلسطين المحتلة حيث لاسرائيل اطماعها التوسعية في السيطرة على الأرض والحياة..  وهكذا اهملت الأرض وتحولت مساحات واسعة فيها ( الهضاب الداخلية ) ، إلى أراض شبه صحراوية تغطيها النباتات الشوكية نظرا لقلة الامطار وعدم اعتماد مشروعات الري واستثمار الموارد المائية المتوافرة.

بل أن لبنان البلد الذي ميزته الطبيعة عن غيره من البلدان المجاورة، واطلق عليه اسم ، قصر الماء.. لبنان اليوم يواجه مشكلة التصحّر ، التي تدخل اليه من البوابات الواسعة في الجنوب والشرق والشمال حيث تتحوّل مساحات واسعة من الأراضي خصوصا في جنوب لبنان إلى صحاري نتيجة انتشار الجفاف، وقلة استخدام المياه التي تذهب هدراً إلى البحر....

      بنتيجة هذا الواقع تتدهور الزراعة التي تمثل المورد الرئيسي للجنوبيين، وتتراجع امام زحف الجفاف الواسع فلا تصمد سوى الزراعات المعيشية الفقيرة ( زراعة الحبوب والخضار)، المتمسكة في بطون الأودية وعلى السفوح، والباقية كمورد وحيد للصامدين في الأرض، باستثناء زراعة التبغ، التي تتعرض لازمة تصريف الانتاج باستمرار، ولا يستفيد منها سوى الملاكين الكبار، بينما بالمقابل تتكدّس الديون على كاهل الفلاح بالرغم من العمل المتواصل الذي يشارك فيه الأولاد...

 أن زراعة التبغ اليوم تمثل بواقعها ومشكلاتها عبنا تقبلا فرض بالمساوة على عائق الأسرة الجنوبية المرتبطة بأرضها والمناضلة التحصيل

لقمة العيش..

   مخاطر تتهدد الأرض والانسان

     هذا الجنوب، وبعد عشرات السنين من الاهمال . اصبحت له شخصيته الجغرافية المميزة، انه واقع طبيعي وبشري مختلف ، فبعد أن كان مصدراً للحبوب، والخضار و الحمضيات والموز والزيت، تحوّل الى تصدير القوى البشرية واليد العاملة الزاحفة من الأرياف الفقيرة والمدن الصغيرة نحو العاصمة بيروت والمدن الكبرى..

     انها هجرة العمل : هجرة المغامرين ما وراء البحار لتحصيل لقمة العيش ، يوم كانت الهجرة مغامرة في المجهول - هجرة الباحثين عن العمل في المدن لتعليم أولادهم وتحسين أوضاعهم املاً بالعودة إلى عالمهم الخاص .. عالم الجنوب المميّز، فليست الهجرة رغم مآسيها بمثابة انقطاع عن الأرض الأم، انها مرحلة مؤقتة يليها اتصال دائم بوسائل جديدة . وليست النهضة العمرانية في معظم المناطق الجنوبية، سوى حصيلة هذه المغامرة للنازحين عبر القرى والمدن والمهاجرين نحو القارات الخمس...

     ويتبيّن أن هذه التحركات السكانية الكثيفة والمتنوعة، قد أدت إلى افراغ مناطق واسعة من سكانها - خصوصاً القرى الصغيرة - وهكذا تزداد المخاطر على مستقبل الأرض حيث تسعى اسرائيل للسيطرة على مزيد من الأراضي والمياه بل أن سياسة "قضم الأرض" التي تعتمدها اسرائيل في المناطق الحدودية من الجنوب مستمرة منذ عشرات السنين.... واخطارها تتجاوز الأرض إلى الإنسان فيها ، فالأرض التي خسرت قدراتها البشرية الفاعلة تحوّلت الى موات في أماكن واسعة حيث تبرز السفوح الجبلية الجرداء والهضاب الكلسية المغطاة بالنباتات الشوكية .... اما الانسان الذي حُرم من العناية والعون فقد اضطر للنزوح والهجرة ، تاركاً الأهل، مسافراً وراء رزقه املاً بالنجاح.

     ونجد بالعودة لبعض الدراسات التاريخية، أن مطامع الصهيونية في جنوب لبنان تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، أي إلى ما قبل قيام دولة اسرائيل سنة ١٩٤٨ بعشرات السنين، حيث تم شراء أراض واسعة في سنه ۱۸۹۲، عند منابع المياه وفي المناطق التي تتداخل حدودها بين لبنان وفلسطين خصوصا في سهل الخيام والمطلة والمنارة، ذلك ان عدة قرى يصل عددها إلى ثلاثين قرية راجع الخريطة المرفقة) . واراضي واسعة ، كانت تابعة لجنوب لبنان ، ثم الحقت بفلسطين ايام الانتدابين الفرنسي والانكليزي على لبنان وسوريا وذلك بموجب اتفاق بين الدولتين عقد لأول مرة سنة ١٩٢٣،  وقد شمل هذا التعديل مساحات واسعة على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، بحيث تحوّلت عدة قرى ومزارع لبنانية إلى مستعمرات صهيونية...  ويلاحظ أن معظم هذه القرى تقع في منخفض سهل الحولة ، حيث توجد الأراضي المروية الخصبة، وذلك امتدادا من مستعمرة المطلّة حتى شمال بحيرة الحولة واهم القرى المنتشرة في هذه المنطقة المطلّة، أبل القمح، الخالصة، الناعمة، الذوق التحتاني، الذوق الفوقاني، الزوية، الخصاص، دفنة الدوارة الخ..

 وبعد أن فشلت الصهيونية بالحصول على موافقة الحلفاء يضم مناطق الليطاني وجنوب لبنان، والحاقها بفلسطين، لجات الى شراء الأراضي/ حيث باع بعض الملاكين الكبار أراضيهم، بينما رفض بعضهم الآخر، بالرغم من الاغراءات المادية  لصغار الملاكين الذين لا زالت لديهم سندات الملكية ( مثلاً سكان قرية هونين الواقعة بالقرب من قرية حولا، وقد كتب هيرتزل في مذكراته حول هذا الأمر.. هؤلاء الذين يتعلقون بالأرض هم عادة صغار الملاك، ان كبار الملاك  يغترون بالأسعار...

وقد بلغت مساحة الاراضي التي فقدها أبناء الجنوب اللبناني (سكان جبل عامل)، ما بين الحربين العالميتين، حوالي ٢٣ الف دونم من الأراضي الزراعية كذلك الخصبة، التي كانوا يمتلكونها ملكاً خاصاً. كذلك استولت اسرائیل بعد حرب عام ١٩٦٧، على عدة مزارع في سفوح جبل حرمون، مع مساحة واسعة من مزارع شبعا..

     كما سيطرت اسرائيل مؤخراً على مساحات واسعة من الأراضي، منها حوالي ١٥٠ دونما من خراج بلدة علما الشعب، و٥٠ دونما من بلدة عيتا الشعب، بالإضافة إلى اقتطاع اراضي سهلية خصبة، وواسعة في منطقة نهر الوزاني، ومزرعة الميسات  وسهول مزرعة العمرة ، هذا بالإضافة إلى اقتطاع ١٨٠٠ دونما من بلدة العديسة.. واقامة سياج في الجنوب  الشرقي من بلدة ميس الجبل، بالإضافة إلى اقتطاع مساحة من خراج حولا..

       هكذا يتبيّن، ومنذ ما قبل عام  ١٩٤٨،  حيث تم قيام دولة اسرائيل، ان أراضي جنوب لبنان تتعرض للقضم باستمرار، وتستفيد اسرائيل في محاولاتها من التناقضات السياسية الداخلية في لبنان وغياب القرار العربي ، بالإضافة لعدم تقيّدها بقرارات مجلس الأمن الدولي، وهيئة الامم المتحدة ، وهي لا تزال اليوم، وبعد الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان سنة ١٩٨٢، لا تزال تحتفظ بكامل جنوب لبنان مع مناطق واسعة في البقاع الغربي وراشيا، وهذا يتوافق مع ما جاء في مذكرة الحركة الصهيونية إلى مؤتمر السلام المنعقد في باريس سنة ١٩١٩.. ان حدود فلسطين تتبع الخطوط العامة الموضوعة كما يلي: " تبدأ من الشمال عند نقطة على البحر الأبيض المتوسط بالقرب من صيدا، وتتبع منابع المياه التي تنبع من سفوح جبال لبنان حتى جسر القرعون".

 هذا التحديد يؤكد المخاطر التي تتعرض لها المناطق الجنوبية، ويثبت أن أرض الجنوب بكاملها، مع مناطق واسعة في البقاع الغربي وراشيا ، تقع ضمن حدود المطامع الإسرائيلية.

المياه إلى البحر والأرض تشكو الجفاف

      وان كان لهذه الأرض الحق الطبيعي بان تروى من مياه انهارها وينابيعها (نهر الليطاني ونهر الحاصباني)، لكونها هي التي تمدّها بالمياه المخزونة في الطبقات الجوفية ، فقد حرمت من حقها ، مع أن مياه الليطاني تذهب هدراً إلى البحر، ومياه الحاصباني والوزاني محرّمة على أرض الجنوب، بينما هي تستخدم لري الأراضي في منخفض الحولة شمالي اسرائيل..

     وعندما أنشات الدولة سداً نهرياً صغيراً سنة ١٩٧٢ لتجميع المياه عند نهر الحاصباني بالقرب من بلدة الماري، ولمواجهة الجفاف الحاصل خلال أشهر الصيف، عارضت اسرائيل ذلك ودمرته كلياً اثناء ملاحقة المقاومة الفلسطينية... وفي تلك الفترة تحركت الشخصيات السياسية تطالب الدولة اللبنانية باستثمار مياه الحاصباني، ووضع المهندس البير نقّاش تصميماّ شاملاً الاستثمار المياه اللبنانية ، لكن المشروع لم ينفذ وما زالت مياه الحاصباني و الوزاني تهدر دون استغلال، بينما تجاورها مساحات واسعة من اراضي الوزاني والماري والوطى، التي تغطيها التربة البركانية الخصبة وهي بأمس الحاجة للمياه.

     بالمقابل وبعد ان أقدمت اسرائيل على احتلال مساحات واسعة من الأراضي في هذه المنطقة اقامت في النصف الثاني من سنة ١٩٨٠، شبكة مواصلات متطورة، تربط مزرعة الوزاني بالميسات، وهي أراضي

لبنانية.. حتى مستعمرة المطلة.

      وهكذا سيطرت اسرائيل على مساحة من الأراضي تتراوح بين ۷۰۰۰ -٧٥٠٠ دونم ، من الأراضي اللبنانية ، وهي تنفذ منذ مدة مشاريع الري الحديثة، بعد وضع التجهيزات اللازمة لها ، وذلك عند قرية الوزاني وقرية الغجر السورية المجاورة لها، حيث يتم سحب المياه السطحية والجوفية الى الاراضي المحتلة..

     هذه الخطوات التمهيدية، بالمقارنة مع ازمة المياه الخانقة التي تعيشها اسرائيل، توضح مدى الاخطار التي تتهدد الارض ومصادر المياه في الجنوب ، بدءاً - بالوزاني والحاصباني، وحتى مياه الليطاني ، بالاضافة للمياه الجوفية - خصوصا في سهل مرجعيون وبلدة الخيام - المخزّنة في الطبقات الصخرية ، والتي يعتمد عليها سكان القرى في حياتهم ونشاطاتهم...

لا يجب ان تذهب نقطة مياه واحدة الى البحر...

       هذا التحذير اطلقه المرحوم الشيخ موريس الجميل سنة ١٩٥١، في كتابه "التخطيط المتكامل لمياه لبنان|، وبعد مضي أكثر من ثلاثين سنة على هذه الدراسة ، ما زالت مياهنا تذهب هدراً إلى البحر، ولا نحسن استثمارها ، بينما ارضنا تشكو العطش واريافنا تتعرض للنزيف البشري المتواصل .. مشاكلنا يعرفها كل فرد، وكل واحد منا يحسن تعدادها... لكن كيف نحلها ؟ ما هي الوسائل ؟.. نحن نقترح بناء الاصلاح السياسي على اصلاح اجتماعي مشروط بدوره باقتصاد سياسي، نحن نقترح... قبل ان نعطي دندش حق الاقتراع الفردي والضمان الصحي ... ان نجرده من السلاح... باعطائه المياه والتراكتور والكهرباء... اي ان نعطيه العمل ووسائل العمل (۲) ..

     لكن للأسف ، وبعد حوالي ثلث قرن من الزمن على اقتراحات موريس الجميل تغيّرت معالم اريافنا وهضابنا وجبالنا . المعرّضة بمعظمها للجفاف وزحف الصحراء ، "بعد هذه السنوات الطوال حيث تتراكم المشاكل... لا دندش، ولا غيره في البقاع او الجنوب او عكار، اعطي المياه، او التراكتور ، أو العمل ، فكيف بوسائل العمل"...

ان اعطاء المياه واستصلاح الارض . ثم تأمين العمل للمقيمين في الارياف والمناطق الفقيرة ، هو السبيل الذي يكفل تثبيت السكان في قراهم ، ولا يتم هذا التوجه، سوى بالتخطيط الشامل المتكامل ..

   ولا بأس ان نعود الى دراسة السر الكسندر جيب وشركاه: "التطور الاقتصادي في لبنان"، المقدمة إلى الدولة اللبنانية سنة ١٩٤٨ حول تنظيم الاقتصاد اللبناني.. حيث يتبيّن ان بناء النشاطات الاقتصادية في لبنان ، يجب ان يعتمد التخطيط المتكامل لاستثمار المياه اللبنانية، وتركز الدراسة على التنبه لعدم كفاية المياه في المستقبل، وبالتالي الاستفادة من كل مصادر المياه الموجودة، فقد حرص الرومان في القديم على انشاء البرك الترابية، والخزانات الواسعة لحصر المياه في الشتاء والاستفادة منها خلال اشهر الجفاف...

وقد ورد في دراسة الكسندر جيب : "سنحاول جذب الانتباه نحو حقيقة ناصعة : يتزايد سكان لبنان بسرعة فائقة ، واذا لم يعاود اللبنانيون - كما في نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن - سلوك طريق الهجرة... سيصبح عدد سكان لبنان مليونين وربع المليون نسمة باقل من ٢٥ سنة، ويخشى مع هذه الزيادة ارتفاع مستوى المعيشة وعدم كفاية المياه ، خصوصاً مياه الشرب" ..... ..

     يلاحظ انه بالرغم من استمرار حركة الهجرة ، وتزايد عدد المهاجرين الى الخارج، فمعظم المناطق بحاجة للمياه، بل لقد بدا لبنان يشكو من نقص المياه . فالقرى الجنوبية مثلا تواجه العطش بوسائل تقليدية، وحتى مدينة بيروت فهي تغتسل بالمياه المالحة من الآبار، ولا تزال البرك الترابية القديمة والآبار الجوفية، الوسيلة الوحيدة لمواجهة الجفاف في قرى جنوب لبنان، بل ان قلة كميات الامطار الهاطلة في مناطق الجنوب سنة ۱۹۷۹، وبالتالي عدم سقوط الثلج،  أديا الى جفاف الينابيع، وانخفاض مستوى المياه الجوفية ، مما أوجد قرى عديدة موزعة في اقضية صور وبنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون تشكو العطش..

 وقد تبيّن من خلال دراسة صادرة عن محافظة لبنان الجنوبي (11/5/1979 ) ان القرى العطشى في الجنوب تقسم الى ثلاثة مجموعات، حسب مصادر المياه التي تموّنها، وهذه المصادر هي ثلاثة : مياه راس العين، ومشروع مياه جبل عامل، ثم مشروع مياه شبعا وحاصبيا ..

      وللتخفيف من حدة ازمة النقص في المياه... وتداركا لما قد ينتج عنها من مضاعفات خاصة بالنسبة لمياه الشرب، فقد جرى تامين المياه بواسطة الصهاريج ال حوالي ٨٥ قرية، قدر عدد سكانها المقيمين – حسب الدراسة المذكورة - بحوالي ۱۰۳ آلاف نسمة..

       هذا نموذج للواقع الذي تعيشه القرى الجنوبية التي تتعرض باستمرار لازمة توفر المياه ، بينما يقضي الجفاف في بعض السنوات على المحاصيل الزراعية بالاضافة لتدهور تربية الماشية حيث لا تتوفر المراعي لنقص المياه....

طبيعة مميّزة وملامح جغرافية خاصة

    تشكلت الجبال اللبنانية من الصخور التي ترسبت في البحار عبر الحقبات الجيولوجية المتتابعة، وهي تنتمي الى الجوراسية والطباشيرية . ويلاحظ من الدراسة الاقليمية للمناطق اللبنانية ، أن التكوين الجيولوجي في جنوب لبنان متميّز عن المنطقتين الشمالية والوسطى في لبنان . حيث تتكوّن الطبقات الجيولوجية الجوفية في معظم مناطق الجنوب من تكوينات كلسية وكلسية دلغانية متشققة بفعل التآكل، وانحسار الغطاء النباتي وانجراف التربة ، بحيث تتسرب داخلها مياه الامطار بسهولة . بينما بالمقابل . ورغم التشابه في التكوين الجيولوجي العام توجد في بقية المناطق اللبنانية طبقات دلغانية مانعة لتسرب المياه التي تتجمع في خزانات باطنية، مما يسمح بتشكل الينابيع والانهار الدائمة التصريف، التي تسيل فوق سطح الأرض طيلة اشهر السنة..

       هذا التفاوت في تكوين الطبقات الجيولوجية وتتابعها يعطي جنوب لبنان شخصية جغرافية مميزة ، فبالرغم من كونه امتدادا للسفوح الغربية في سلسلة الجبال الغنية بالمياه . الا انه يختلف عنها وذلك أن توزيع الامطار يختلف من الشمال إلى الجنوب . وذلك نتيجة لتكوين سلسلة الجبال الغربية وامتدادها كحاجز يقف في وجه الرياح الجنوبية الغربية ، القادمة عبر البحر المتوسط والتي تسقط حمولتها من المياه،  فوق الجبال المرتفعة في القسم الشمالي ( يصل ارتفاع اعلى قمة في جبل المكمل الى ۳۰۸۰ مترا في القرنة السوداء )..

    بينما تقل الامطار في القسم الجنوبي من السلسلة الغربية، وباستثناء بعض المناطق في مرتفعات نيحا والريحان، يتراوح ارتفاع الجبال في القسم الجنوبي من السلسلة الغربية بين ٥٢٠ - ۸۵۰ مترا (اراضي ممتدة في اقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا وجزين ) . وهذا الارتفاع لا يشكل حاجزا كافياً بوجه الرياح التي تعبر برطوبتها الهضاب الساحلية ( دون ٥٠٠ مترا ارتفاع )، وتجتاز التلال الغربية في اقضية صيدا والنبطية وصور حتى تبلغ المنطقة الجبلية والسفوح الجنوبية الغربية في جبال حرمون، حيث تسقط حمولتها من الامطار (بحيث يبلغ متوسط كمية المطر السنوي أكثر من١٠٠٠ مم )...

     وبنتيجة هذا التفاوت في الارتفاعات فان كمية المطر السنوية ترتفع تدريجياً في جنوب لبنان، كلما اتجهنا من الساحل نحو الداخل حيث يبلغ المتوسط السنوي حوالي ٦٥٠ مم في منطقة الساحل، ويزداد إلى ٧٥٠ مم في منطقة الهضبات، والى اكثر من 1100 مم في المناطق الجبلية، خاصة مرتفعات نيحا وجزين وجبل حرمون ( انظر الخريطة المرفقة )..

        كما يلاحظ أن هذا المتوسط يرتفع كلما اتجهنا من الجنوب الى الشمال على طول الساحل اللبناني وذلك كالاتي : صور : ٦٣٦ مم ، صيدا : ٦٦٠ مم ، بيروت : ٨٨٧ مم ، وطرابلس : ٩٣٠ مم.

       وبسبب الارتفاعات القليلة في مناطق جنوب لبنان فان الثلوج تظهر نادرة جدا ، كما تقل الامطار، وبالتالي تنخفض كمية المياه الجوفية اما مياه الامطار المتسربة داخل الطبقات في جوف الأرض، فيتسرب قسم منها باتجاه منخفض الحولة ، وقسم آخر قليل يبرز في مجاري الأدوية العميقة خاصة مجرى نهر الليطاني، وهو النهر الرئيسي الذي يخترق الجبال والهضاب في جنوب لبنان متجهاً نحو الساحل، حيث تقتصر فائدته حالياً على ري السهول الممتدة في الحوض الاسفل، ويتبيّن من دراسة الخصائص المائية  ان نهر الليطاني يتمتع بتغذية مهمة  طيلة أربع أو خمسة شهور من السنة، والمهم أن حوض النهر مكوّن من طبقات صخرية كلسية متشققة تنساب اليها المياه الشتوية الغزيرة وتتجمع فيها لتغذي النهر تدريجياً طيلة السنة، وخصوصاً في فترة الجفاف وانحباس الامطار، ولولا هذه الميّزة لكان نهر الليطاني بالرغم من أهمية ينابيعة - أشبه بالانهار الموسمية، التي تتوقف عن الجريان خلال توقف التغذية من الامطار..

       وهكذا توفرت لنهر الليطاني خصائص ميّزته عن غيره من الانهار ، بحيث يمكن استثمار مياهه طيلة ايام السنة لإمداد المناطق الآهلة بمياه الشرب، بالإضافة إلى ري مساحات واسعة من الاراضي ولتوليد الطاقة الكهربائية على نطاق واسع..

      وللاسف أن مشاريع الليطاني لري الأراضي في جنوب لبنان لم تنفذ ( انظر الخريطة )  بالرغم من كثرة الدراسات التي اعدتها مصلحة الليطاني حيث قدرت كلفة المرحلة الأولى من المشروع بحوالي ١٨٦٠ مليون ليرة لبنانية؟...

      لقد توقف التنفيذ دائما امام الظروف الاستثنائية في جنوب لبنان، وفي كل مرة كانت الدولة تؤكد على بده التنفيذ بمجرد استتباب الأوضاع الأمنية في المنطقة، ولا زال الوضع ينتظر منذ سنة ١٩٦٦، حيث صدر قرار مجلس الوزراء ( بتاريخ ١٩٦٦/٩/٧) يقضي باعداد دراسة مفصّلة حول مشروع ري اراضي لبنان الجنوبي من مياه الليطاني بواسطة قناة على منسوب ۸۰۰ مترا، تمر بواسطتها مع مياه الري، كمية مياه الشرب لمنطقة جبل عامل وجوارها ، وقد بيّنت هذه الدراسة امكانية ري 10 الاف هكتار في المرحلة الأولى،  كما تبيّن من الدراسة التي أجرتها بعثة الامم المتحدة بالاشتراك مع مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، أن منطقة الجنوب تحتوي على اكثر من 50 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة والقابلة للري.

        ومع مرور الزمن، وتعدد الدراسات دون تنفيذ مشاريع في الأراضي ، ونظرا لطبيعة البلاد الطوبوغرافية في جنوب لبنان حيث تقل الامطار . ويسيطر الجفاف بالإضافة لتدهور الأوضاع الامنية بنتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ومصادرتها الاراضي، فقد تحوّلت مناطق جنوب لبنان إلى مصدرة للقوى البشرية الزاحفة إلى المدن، خصوصا العاصمة بيروت، التي تستقبل سنويا آلاف النازحين الجدد والمهجرين، وحيث يعيش فيها أكثر من ربع مليون جنوبي ، غالبيتهم من سكان الأرياف الفقيرة في جنوب لبنان...

التنمية العادلة هي المدخل

   

   نستنتج ان التخطيط المتكامل لاستثمار الموارد المانية ياتي في أولويات العمل للتنمية الشاملة المتكاملة في لبنان، بل أن بناء القرى الصغيرة وتحسين الأوضاع الحياتية والمعيشية في الأرياف سوف يؤدي إلى تعديل الاختلال في التوزيع الجغرافي للسكان... ان انعاش القرية وتدعيم اسس الحياة فيها يتم بالتوزيع العادل للخدمات على مختلف المناطق الجغرافية، وهذا سوف يؤدي بدوره للتخفيف من جاذبية  اضواء

المدينة .

     وهكذا فإن المدخل الأساسي للتنمية العادلة، يتم بتأمين ايصال الخدمات على اختلافها وتنوعها للسكان في قراهم واريافهم ، وذلك بمساعدتهم على تأمين العمل والصحة والتعليم، وكل ما يضمن تثبيتهم في اماكن

تواجدهم...

     

  لقد تركز اهتمام الدولة منذ زمن في مساحات صغيرة من المدن ( لا تزيد مساحتها على 3 بالمئة من مسلحة لبنان الاجمالية ) ، تدور في فلك العاصمة بيروت، التي هيّمنت بتعدد وظائفها على سائر المناطق اللبنانية حيث تمركزت فيها الخدمات على رغم اختلافها وتنوّعها - بل القد امتلكت هذه المدن - المنتشرة كبقع صغيرة في لبنان، مع المناطق المجاورة لها ، امتلكت مركزية القرار في مختلف الميادين الإدارية والاجتماعية والاقتصادية....

   

 فهي توزع اشعاعها، وتفرض جاذبيتها على الأرياف والقرى الصغيرة، القريبة والبعيدة عنها...

    

 وهكذا تكثفّت التحركات السكانية، وتزايد عدد الوافدين إلى المدن ، بحيث أن هجرة العمل في الداخل والخارج، ادت إلى النزيف البشري المتواصل - من جنوب لبنان - وكانت سبباّ رئيسيا للاختلال البارز في التوزيع الجغرافي للسكان، حيث يتمركز اليوم في العاصمة بيروت حوالي نصف سكان لبنان - وذلك في مساحة من الأرض تقل عن واحد في المئة من مجمل مساحة لبنان..

-------------------------

هوامش

(۱) راجع كتاب، جنوب لبنان ماساة وصمود ، دراسة وثائقية نشرت في اطار الحملة الاعلامية العالمية لنصرة جنوب لبنان - بيروت - لبنان ۱۹۸۱ .

(۲) راجع المزيد من التفاصيل الدراسة العامة للمرحوم الشيخ موريس الجميل حول ، "التخطيط المتكامل المياه لبنان" - بيروت سنة ١٩٥١ - صفحة ( ٢ )

(3) تم تأسيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بموجب قرار اتخذ في مجلس الوزراء بتاريخ  5 تشرين الأول عام 1966...

 

 (4)محاضرة القاها المهندس بهاء الدين البساط وزير الموارد المائية والكهربائية في الجمعية اللبنانية لادارة الاعمال تاريخ ۱۹۸۳/۲/۸ صفحة 6.

 (5) لمزيد من التفاصيل تقرير فني اقتصادي اقتصادي . حول ري الجنوب، وزارة الموارد المائية والكهربائية في عهد الوزير المهندس جعفر شرف الدين..