نصف العرب.. في المدن
مقالة
د. علي فاعور، في جريدة السفير، الخميس بتاريخ 6 حزيران 1996، وذلك لمناسبة مؤتمر
قمة المدن في اسطنبول عام 1996.
الدكتورعلي
فاعور،عضو الوفد الرسمي إلى مؤتمر قمة المدن، ومستشار لدى مركز الأمم المتحدة للمستوطنات
البشرية عام 1996.
يبدو
لنا اليوم ونحن في مواجهة التغيرات المتسارعة ان المغامرة البشرية في هذا الكون لا
زالت حديثة جدا بالمقارنة مع عمر الأرض، ونحن نقف اليوم امام اعتاب مرحلة جديدة حافلة بالمفاجات، ومن منا لا يدرك المخاطر
الناجمة عن تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العالم في بعض مناطقه
وابرزها تزايد عدد الفقراء وانتشار المجاعة ....
بل من منا لا يدرك الاخطار البيئية التي
تواجه الارض وهي تجري في رحلتها الكونية التي بدأت منذ أكثر من اربعة مليارات سنة حيث تكون النظام
الشمسي وفيه الارض التي كانت دون غطاء جوي ودون مياه، ثم تكونت القارات بعد عمليات
زحف واسعة وتكوّنت الحياة العضوية على الارض، ثم ظهر الانسان منذ حوالي ثلاثة
مليارات سنة.
اما رحلة الانسان العاقل على هذا الكوكب فقد بدأت منذ ٤٠ الف سنة تقريبا حيث بدأ
التكاثر البشري
وتوسع الانتشار السكاني.
فمنذ حوالي مليون سنة، في العصر الحجري القديم،
كان عدد سكان العالم يساوي مدينة صغيرة الحجم
يسكنها ١٠٠ الف ساكن. ثم بلغ العدد ٢٥٠ مليون نسمة في بداية عصرالميلاد. اما رحلة
المليارات فقد بدأت عام ۱۸۰٧ حيث بلغ عدد السكان مليار نسمة تقريبا، ثم ٢ مليار عام ١٩٣٠، و ٣
مليار عام ١٩٦٠ و ٤ مليار عام ١٩٧٥ ثم ٥ مليار عام ١٩٨٧، ومن المتوقع أن يبلغ هذا الرقم
٦.٣ مليار عام ٢٠٠٠. أما مساحة اليابسة فهي لا زالت على حالها : ١٣٥ مليون كلم ؟ (مساحة الكرة
الارضية ٥١٠ ملايين كلم (٢) والكثافة السكانية ٤٠ نسمة في الكلم ؟ .
ويبلغ
عدد سكان العالم اليوم حوالى ٥.٧ مليار نسمة ١.٢ يتوزعون بين مليار. ساكن في
الدول المتطورة و4,5 مليار في الدول النامية، وقد بلغت الزيادة السنوية المجمل
سكان العالم ٨٨ مليون نسمة عام ١٩٩٤، منهم ٧٩ مليونا في الدول النامية.
وهكذا وصل نمو سكان العالم الى مستوى أعلى مما كان عليه في أي وقت مضى،
واستنادا الى اسقاطات هيئة الامم المتحدة يرجح أن تبقى الزيادات السكانية السنوية اقرب الى ٩٠ مليون
نسمة حتى عام ٢٠١٥ ، وبينما استغرق تزايد سكان العالم من مليار الى مليارين ١٢٣
سنة، تتابعت زيادات المليارت فيما بعد بشكل اسرع
، ٣٣ سنة، و ١٤ سنة و ١٣ سنة على التوالي، ويتوقع الا يستغرق الانتقال الجاري حاليا من المليار الخامس الى السادس
سوى ١١ سنة، وذلك حتى عام ١٩٩٨، حيث سيتجاوز عدد سكان العالم ستة مليارات نسمة.
وقد تزايد عدد سكان العالم بمعدل ١.٧ في المئة
في السنة خلال الفترة بين ۱۹۸۵ - ۱۹۹۰ ، غير انه من المتوقع ان ينخفض خلال العقود التالية ليصل الى واحد في
المئة فقط في السنة بحلول الفترة ۲۰۰۰ - ٢٠٢٥ . فمنذ بداية التسعينيات يتزايد
سكان العالم بمعدل ٩٠ مليون نسمة كل عام، بحيث تبلغ في عام هذه الزيادة حوالي
مليار ساكن تضاف الى كوكب الأرض خلال عقد التسعينات.
كما
تشير التقديرات الى انه بين ۱۹۹٥ و ۲۰۱۰ يتوقع ان يتزيد سكان المناطق الأكثر نموا بما بما يقارب 120
مليون نسمة، بينما سيزيد سكان المناطق الأقل نموا بما قدره ۱.۷۲۷ مليارنسمة. ومع ذلك فإن تحقيق
استقرار في نمو السكان خلال والعشرين سوف يتطلب تنفيذ جميع السياسات والتوصيات الواردة في خطة العمل
الدولية.
وسوف
يكون لعدد سكان المدن اكبر اثر على التنمية في القرن الحادي والعشرين، فعدد سكان
المدن يبلغ اليوم ٢٠٦ مليار نسمة،
ويوجد ۱.۷ مليار نسمة
منهم في البلدان النامية وفي خلال عشر سنوات سيعيش أكثر من نصف سكان العالم في المدن. وسيكون كثيرون من سكان
الحضر الجدد لا سيما النساء واطفالهن من بين اشد سكان العالم فقرا . .
وتعيش نسبة عالية من سكان المدن في
المدن الضخمة ففي عام ١٩٥٠ كانت هناك ۸۳ مدينة، أو منظومة مدن يتجاوز عدد سكان كل منها
مليون نسمة، وكان ٣٤ منها في البلدان النامية، أما الآن فقد اصبح هناك أكثر من ۲۸٠ مدينة أو منظومة مدن بهذا الحجم،
ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد تقريبا بحلول عام ٢٠١٥ . وفي عام ١٩٥٠ ايضا كانت اكبر مدينة في العالم
نيويورك، وهي وحدها التي يوجد فيها أكثر ١٤ ١٠ من ملايين نسمة، أما الآن فهناك 14
مدينة من اكبر المدن يعيش في كل منها اكثر من ١٠ ملايين نسمة، وأصبح يعيش في
أكبرها وهي مدينة طوكيو، ٢٦.٥ مليون نسمة.
وفي مواجهة هذه الزيادة السكانية في المدن
الكبرى، تعترض مسيرة التنمية الانسانية ثلاثة تحديات اساسية تتمثل بانتشار الفقر
والنمو السكاني المتسارع وتدهور البيئة وهي قد باتت تشكل خطرا يهدد النمو
الاقتصادي والسلام والاستقرار بين الامم، مما دفع الدول لتنسيق الجهود وتكثيف التعاون
خلال عقد التسعينيات من هذا القرن وذلك بهدف وضع السياسات والبرامج لتوفير
الرفاهية للناس.
لماذا التركيز على التحوّل الحضري ؟ . أدت
الزيادة السكانية المتصاعدة في المدن الى تزايد الاهتمام بدراسة العمران، خصوصا مع
تفاقم المشكلات الناجمة عن التحضر. فمنذ حوالي قرنين من الزمن، وفي عام ١٨٠٠ ، كان
عدد سكان المدن يبلغ حوالى ٢٩ مليون نسمة، يمثلون ٣٪ فقط من مجمل سكان العالم، وفي
عام ١٨٥٠ ارتفعت نسبة التحضر الى 6,4% لتصل في عام ۱۹۰۰ الى 13,6% حيث بلغ عدد سكان المدن
٢٢٤ مليون نسمة. اما في عام ١٩٥٠ فقد بلغت نسبة التحضر 28,2% وزاد عدد سكان المدن على ۷۰۰ مليون ساكن.
واذا كانت المدن تضم حاليا حوالي نصف
سكان العالم، فإن عدد سكان المدن في العالم يزداد بمعدل مليون نسمة كل اسبوع،
والتقديرات المستقبلية تؤكد ان أكثر من ثلثي البشر ۲۰۲٥. سيكونون من سكان المدن في العام
والبارز أن عدد سكان المدن قد تزايد بسرعة مذهلة خلال هذا القرن، وذلك على الشكل
الآتي:
في عام ١٩٤٠ ، كان فرد واحد من بين
كل ثمانية افراد يعيش في مركز حضري وفرد واحد من بين كل مئة فرد. يعيش في مدينة لا
يقل عدد سكانها عن مليون نسمة.
في عام 1960 ، كان فرد من
كل خمسة افراد يعيش في مركز حضري واصبح فرد واحد من كل ١٦ يعيش في مدينة لا يقل
عدد سكانها عن مليون نسمة.
وفي عام ۱۹۸۰ ، اصبح فرد واحد من كل ثلاثة افراد
١٠ يعيش في المدن وكذلك اصبح واحد من كل 10 افراد يعيش في مدينة لا يقل عدد
سكانها. عن مليون نسمة. أما في المنطقة العربية، فقد نمت المدن بسرعة مذهلة ايضا بينما
بالمقابل انخفض عدد سكان الأرياف، وذلك كما يأتي:
في منتصف القرن العشرين ومن بين كل اربعة افراد في المنطقة
العربية، كان الريف العربي يضم ثلاثة منهم، مقابل واحد
فقط يقيم في المدن أما اليوم ومن بين كل اثنين في المنطقة العربية يقيم واحد في المدن وآخر في الريف.
وفي نهاية هذا القرن ومن بين كل اربعة
افراد لن يبقى في الريف العربي سوى واحد فقط من مجمل سكانه مقابل ثلاثة في المدن
... وهكذا تنقلب المعادلة في نصف قرن. ومع بداية القرن الحادي والعشرين تبدأ صفحة
جديدة في تاريخ الاستيطان البشري للمنطقة العربية، حيث اصبحت المدن المكان المفضل لإقامة الناس.
وما لم تحدث متغيرات في الهياكل الاقتصادية ومعالجات تخطيطية شاملة، فإن القرى
العربية تسرع نحو الزوال لتفسح المجال امام م توسع المدن الجديدة والمبعثرة وزحف
المدن العملاقة المغلفة باحزمة البؤس. وفي غياب التخطيط الحضري في معظم المدن
العربية فإن المرحلة القادمة تخفي الكثير من المفاجآت وربما تمكنت موجات البؤس من
ازالة المدينة....
ويستنتج من التوزيعات السكانية ان المنطقة
العربية سائرة بسرعة في حركة التمدين، بحيث سيرتفع عدد سكان المدن في العالم
العربي من حوالي ۱۳۰ مليون نسمة
اليوم ، الى ١٥٦ مليونا عام ٢٠٠٠ ، ليبلغ ٣٣٦ مليونا عام ٢٠٢٥ يمثلون ٦٨% من مجمل
سكان العالم العربي. اما التوزيعات المكانية عبر المجال الجغرافي فهي ذات ملامح
خاصة تتميز باختلال التوازن، حيث تتوزع الشبكات المدينية في بقع تبدو متناثرة في
اطراف المنطقة العربية والهوامش الصحراوية.
باتجاه اسطنبول : القاهرة
وكوبنهاغن وبيجينغ
تمثل المؤتمرات الثلاثة حلقات في سلسلة من
ثمانية مؤتمرات تميز بها العقد الأخير من القرن العشرين، والذي يسمى "عقد
التنمية الاجتماعية"، وقد عقدت هذه المؤتمرات كما يأتي:
- عام ۱۹۹۰ : مؤتمر القمة العالمي من اجل الطفل في
نيويورك،
- عام ۱۹۹۲ : مؤتمر الامم المتحدة للبيئة والتنمية
(ريو دي جنيرو في البرازيل)،
- عام ۱۹۹۳ : المؤتمر العالمي لحقوق الانسان
فيينا في النمسا) ،
- عام ۱۹۹٤ : المؤتمر العالمي للتنمية المستدامة
للدول النامية الجزرية الصغيرة (بربادوس)
- عام ١٩٩٤ :
المؤتمر الدولي للسكان والتنمية القاهرة في مصر).
- عام ۱۹۹۵ : مؤتمر القمة العالمي للتنمية
الاجتماعية ( كوبنهاغن في الدانمرك)،
- عام 1995:
مؤتمر الامم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجزمين، القاهرة في مصر..
- عام ۱۹۹۵ : : المؤتمر العالمي الرابع للمرأة ( بيجينغ -
الصين).
ويلاحظ ان الهدف الاساسي من هذه المؤتمرات
هو الحفاظ على كوكب الأرض من المخاطر البيئية التي باتت تهدد مصير الانسان،
والتخطيط للمستقبل المشترك. وقد حدد هذا الهدف بشكل واضح في مؤتمر الامم المتحدة
المعني بالبيئة والتنمية، والذي انعقد عام
۱۹۹۲ بعنوان «قمة
الارض» وذلك كما يلي:
..".. ان
الهدف الرئيسي من هذه القمة هو ارساء الاساس للمشاركة على الصعيد العالمي بين
البلدان النامية والمتقدمة صناعيا.. تستند الى الحاجة المتبادلة اجة المتبادلة والمصالح المشتركة، من اجل ضمان مستقبل هذا الكوكب ...
اننا نحتاج الى العثور على توازن قابل للحياة وعادل بين البيئة والتنمية"..
(موريس سترونغ، الامين العام لمؤتمر الامم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية).
أما الاهداف التي وضعتها بقية
المؤتمرات فقد تناولت ایجاد التشريعات والقوانين التي تحفظ تطبيق معايير حقوق الانسان والحد من انتشار الجريمة والعنف والعنف و وافساح المجال
لتمكين المرأة وصيانة الاسرة ونشر التعليم ورفع المستوى الصحي، وهذا ثم الالتزام
يتطلب بوضع بذل جهود القضايا المعالجة الاجتماعية قضايا السامي في قلب التنمية،
وهذا ينطلب يذل جهود لكواجهة قضايا اساسية منها: الفقر والبطالة والتفكك
الاجتماعي..
أدى التدهور الخطير للاوضاع المعيشية في
المدن، خصوصا في الدول النامية الى حث الحكومات للطلب من هيئة الامم المتحدة
القيام بعقد مؤتمر ثان الدراسة اوضاع المستوطنات البشرية. وسيركز مؤتمر القمة
المعني بالمدن في اسطنبول على الناس وعلاقتهم بالبيئة والعمران. وهوا المؤتمر
الثاني الذي تدعو اليه الجمعية العامة للامم المتحدة، وذلك بعد مرورعشرين عاما على
انعقاد المؤتمر الأول في فانكوفر بكندا في حزيران عام ١٩٧٦ ، والذي نجم عنه نشوء
مركز الامم المتحدة للمستوطنات البشرية. أما مؤتمر الموئل الثاني فسيتناول كيفية
ادارة التحول الحضري والازمات الناشئة في المدن على نطاق العالم، ثم تحسين البيئة
المعيشية للناس، خصوصا لفقراء المدن، كما انه سيناقش
موضوعين : التنمية البشرية المتواصلة للمستوطنات البشرية في عالم يزداد في سكان المدن
الكبرى ثم توفير المأوى المناسب للجميع.
-
وضع التحول الحضري في قمة جدول اعمال
التنمية الدولية والوطنية.
-
تشجيع وتطوير سياسات حضرية
واستراتيجيات جديدة للادارة الحضرية والتنمية السكانية.
-
السعي للتعاون والتنسيق في مجال
مواجهة المشكلات البيئية الحضرية.
-
تشجيع مشاركة القطاع الخاص، ثم ايجاد
وتشجيع الفرص الاستثمارية الجديدة في مجال الهياكل الاساسية والخدمات.
No comments:
Post a Comment