Sunday, April 17, 2022

وأخيراً..يا بيروت..د. علي فاعور... بيروت مدينة متفرّدة عبر التاريخ..

 

بيروت مدينة متفرّدة عبر التاريخ..د. علي فاعور...
وأخيراً..يا بيروت..آلهةُ البحر الأزرق تسكنُ في عينيكِِ...




بيروت...


هذه المدينة الساحرة التي أحببت، المستلقية أمام هذا البحر الأزرق وهدير الأمواج، وهي عروس الشاطئ، تتنزه مع الصبايا أمام كورنيش البحر الطويل، يعجُ بالناس صباح مساء..ومراكبُ الصيادين.. والأسماك تغني.. وطيور النورس تلعبُ مع الريح فوق صخور المنارة والروشة وعين المريسة.....
وأخيراً..يا بيروت..
آلهةُ البحر الأزرق تسكنُ في عينيكِِ...
كلما نظرتُ إليها تغمرني أمواجُ البحرِ..
..فأغرق..
من كلمة ألقيتها عام 2009، في إفتتاح المؤتمر الدولي: "قراءات متعددة لمدينة بيروت" ، وفيما يلي النص الكامل :
كلمة الدكتورعلي فاعور عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية
في افتتاح المؤتمر الدولي "قراءات متعددة لمدينة بيروت"
الذي نظمه قسم اللغة الفرنسية وآدابها (بالتعاون مع قسم الفنون والآثار)
في كلية الآداب والعلوم الانسانية.
يوم الثلاثاء بتاريخ 28/4/2009
.....
بيروت مدينة الحياة والحب والجمال، لا مدينة الأحجار والباطون المسلح، وهي مدينة الشوارع الضيّقة الملتوية في الأسواق القديمة المسقوفة، والواجهات الخشبية الدافئة التي تلهم المخيلة وتجذب السواح في أزقة المدينة العتيقة، حيث تمتلئ المدينة بالحيوية وتعج بالحركة. كلها علامات مرئية ومحسوسة ومخفية أحياناً، تتجسد من خلال التمازج في تنظيم وتوزيع الأشكال والمساحات في المجال المديني..
بيروت ليست الأبراج العالية والواجهات الزجاجية الباردة والأشكال الهندسية ذات الزوايا القائمة.. وهي مدينة حيّة لا مدينة جامدة.. مدينةُ الشعراء لا مدينة صحراء... هي مدينة الإيحاءات والذاكرة حيث لكل إضافة علامة مميّزة في الشارعِ أو الساحة، وهي التي تلفتُ انتباهَ الناسِ وتشعرهم بوجودهم فيها..
إن عدم توفر شروط الحياة اللازمة في المدينة، ثم نسيان المدينة لطبيعتها الحقيقية وهدفها، يدفع الناس الى الابتعاد والهروب عنها، بل إن المشاهد المدينية الغنية بهذه العلامات الثقافية أو النفسية هي التي تزيد من ارتباط الناس بالمدينة وتساعد في رسم مستقبلها.. ذلك أن الانسان يتعامل مع المدينة بحواسهِ وأحلامهِ، وهو في الأساس يعيش فيها كشاعر...
بيروت ليست هذا الكورنيش الصخري المسلح بالباطون، الممتد ليحجب لون البحر ويشوه وجه المدينة اليوم حيث تتكاثر الأبنية المتعددة الطوابق لتغطي واجهة بيروت، فتمنعَ عنها هواءَ البحر وزرقةَ المياه..وبيروت ليست هذا الوسط التجاري بأبنيته العملاقة المتعددة الطوابق، ذات الواجهات الزجاجية الباردة، بل هي المدينة العتيقة بأسواقها القديمة، حيث الوسط الانساني الذي يعج بالناس والحياة... ذلك أن بناء مدينة وفق قوانين الهندسة المعمارية وحدها لايكفي، لأن المسألة لا تقتصر على البناء وفن العمارة، فالهندسة المعمارية كما يقول المهندس اليوناني الشهير أوبالينوس " ليست إلا شكلاً من أشكال محبة الناس"...
بل إن خلق مدينة يستوجب الاستعانة بقوانين علم النفس والتاريخ، وعلم الاجتماع والجغرافيا، وحتى الفلسفة والشعر والموسيقى...وذلك لتصميم الحدائق والساحات ووضع النصب والتماثيل، وتصميم برك المياه وتوزيع المقاعد للمتنزهين، واختيار أماكن المقاهي واللهو، لأنها ستكون أماكن تجمع للناس في المدينة.. ثم أليست دراسة المدينة هي معرفة كيف يجتمع الناس في الوسط الإنساني، وكيف يتعاملون؟ وما هي حدود البيئة الاجتماعية والمحددات التي تفرض نفسها في تركيب الوسط المديني؟
تبقى كلمة أخيرة لبيروت... هذه المدينة الساحرة التي أحببت، المستلقية أمام هذا البحر الأزرق وهدير الأمواج، وهي عروس الشاطئ، تتنزه مع الصبايا أمام كورنيش البحر الطويل، يعجُ بالناس صباح مساء..ومراكبُ الصيادين.. والأسماك تغني.. وطيور النورس تلعبُ مع الريح فوق صخور المنارة والروشة وعين المريسة.....
وأخيراً..يا بيروت..
آلهةُ البحر الأزرق تسكنُ في عينيكِِ...
كلما نظرتُ إليها تغمرني أمواجُ البحرِ..
..فأغرق..
بيروت حاضنة المدن وبوابة الشعر والفن ، ومدينة التعددية وعاصمة عالمية للكتاب والكتابة والابداع..

No comments: