السكان في الشريط الحدودي المحتل 1994
إذا كان افراغ
لبنان من السكان نتيجة موجات الهجرة المغادرة واستنزاف الموارد البشرية ، قد بلغ
اليوم مرحلة الخطر الحقيقي ، خصوصا بعد سبعة عشر عاما من النزاعات المتواصلة ،
فالبارز أن تغيرات واسع وعميقة ، قد حدثت في المدن كما في الأرياف وعلى مختلف
المستويات الاجتماعية والديموغرافية والإقتصادية . واذا كانت كسوة السابقة للحرب (
قبل ۱۹۷5 ) قد عرفت موجات نزوح
كثيفة من من الأرياف إلى المدن الكبری ، خصوصا العاصمة بيروت ، فقد أدت الأحداث
المتواصلة ، وموجات العنف المتلاحقة في بيروت إلى نشوء حركة نزوح مضاد بإتجاه
الأرياف والقرى ، ما أدى إلى تحولات واسعة في التوزيعات المكانية للسكان .
وبينما كانت المحددات الاقتصادية الاجتماعية هي التي
تتحكم في التحرکات السكانية في السابق ، فقد أحدثت الحرب تبدلات قسرية ومفاجئة ،
عرفتها الأرياف وبعض المناطق فيما بعد ، خصوصا في الأماكن التي كانت مسرحاً للنزاعات
والتقاتل بين الأطراف المتصارعة .
ويلاحظ أن
الهجرات السكانية المتواصلة قد ترافقت في الأرياف مع تحولات في التركيب
الديموغرافي والأقتصادي ، أدت بدورها الى تغيرات في أوضاع البيئة الطبيعية
المسيطرة . وقد بلغت هذه التغيرات مداها في مناطق الجنوب اللبناني ، التي تمثل
أنموذجا لعمليات الأفراغ السكاني التي ترافقت مع إهمال الأرض ، والتحول عن الزراعة
الى النزوح والهجرة . . .
ولما كان
يستحيل في بحث موجز دراسة مختلف هذه التغيرات ، فسوف نتناول بالتحديد مسألة الافراغ السكاني والآثار السلبية
الناجمة عنها ، خصو صا وأنها قد بلغت اليوم ، مرحلة الخطر الحقيقي في الجنوب اللبناني
. لهذا فهي تعتبر أساس المعالجة ، لأن الأنسان
هو المحرك الرئيسي في عملية التنمية .
ونظراً لتنوع الآثار السلبية فسوف نركز على
التحولات الديمغرافية المتسارعة في المناطق الريفية وذلك لارتباطها في المحيط الجغرافي
، ومدى تأثرها في أوضاع القرى التي يواجه سكانها اليوم مشاكل متنوعة ، خصوصا في
قرى المنطقة الحدودية المحتلة التي تعيش منذ أكثر من عشر سنوات حالة إنقطاع عن بقية الأماكن اللبنانية .
ولتحديد الاطار العام للبحث ، فسوف نتناول دراسة
النقاط التالية :
١- لبنان : القدر عن
الزراعة والأرض إلى التجارة والهجرة .
۲- الجنوب لبناني :
ملامح جغرافية عامة .
۳- مراحل افراغ القرى
الجنوبية من السكان .
٤- التحولات الديمغرافية
في القرى الجنوبية .
٥- إستنتاجات وإقتراحات .
1-
التحولات الريفية في لبنان
من الزراعة والأرض إلى التجارة والهجرة .
يلاحظ أن السياسة الإنمائية المعتمد والتمييز
الحاصل بين المدن والأرياف ، كانت في أساس التحولات الريفية المتسارعة في لبنان ،
الذي يمثل وضعاً فريداً في العلاقات بين العناصر الجغرافية الطبيعية والاقتصادية
والإجتماعية ، وقد نجم عن هذا الوضع خصائص فريدة في التوزيعات السكانية حيث تعاني الأحياء الفقيرة
في ضواحي بيروت من إكتظاظ حاد ، بينما تعاني بعض القرى النائية وقد أفرغت من
سكانها، وتزداد أهمية المسألة الإنمائية في
بلد صغير المساحة کلبنان (10,400 كلم ۲ )، يتميز بوجود المناطق الجافة ، حيث تغطي الصخور الكلسية
حوالي ثلث المساحة الإجمالية بالإضافة الى طبيعة
البلاد الجبلية بحيث تمثل الأراضي المرتفعة فوق ۱۰۰۰ مترا ثلث مساحة لبنان
(3,200 کلم ۲تقريباً) ، في حين تعلو
الجبال إلى حوالي 3000 متراً. كما أن ۷۸
في المائة من المساحة الأجمالية تقع فوق مستوى ۵۰۰ مترا . أما البارز في هذا
التوزيع للتضاريس فهو أن حوالي 90 في المائة من مساحة لبنان تقع فوق مستوى ۲۰ ۲ متراً. بحيث أن ۱۰ في
المائة فقط من هذه المساحة تمثل
المناطق الساحلية التي يعيش فيها أكثر من ثلاث أرباع سكان لبنان .
ومن المؤكد
ان الموقع الجغرافي كان دائما العنصر
الرئيسي في إزدهار لبنان ونهضته ، ولكن الثابت ايضا ان هذا الازدهار قد إرتكز إلى
أهمية الموقع والتجارة والخدمات ، أكثر بكثير
من الموضع والزراعة والإنتاج ، بحيث تقدم الأول على حساب الثاني
وبفارق كبير . بل لقد تم إنشاء شبكة من العلاقات المكانية والاقتصادية بين لبنان ومحيطه والخارج ، وهي مورد رئيسي من موارد الثروة
ومحصلة جغرافية هامة تبيّن خلال الأحداث الأخيرة أنها غير مضمونة وغير ذلك كافية لوحدها . بل لقد جرى التحول
بسرعة بسرعة إلى مجتمع خدمات غير مستقر يرتكز إلى الاستهلاك ،
حيث نشأت الفروقات الاجتماعية والإقتصادية بين الأرياف الفقيرة المعزولة التي
أهملت باهمال الأرض والزراعة، والمدن التي ازدهرت فيها التجارة والخدمات ، مستفيدة
من إغراءات الموقع وتحول النظام الاقتصادي .
ومن
الطبيعي أن تتحرك موجات الهجرة والنزوح السكاني الى المدن الكبرى التي يعيش فيها
اليوم أكثر من ثلاثة ارباع سكان لبنان ، بل أن مدينة بيروت الكبرى تضم حوالي نصف
سكان لبنان ، وذلك على رقعة ضيقة من الأرض تقل مساحتهاعن واحد في المائة من مساحة
لبنان الإجمالية
إن التحولات الحالية المتسارعة في الأرياف هي حصيلة
التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين المناطق اللبنانية ، ثم الاختلاف في مفهوم
التنمية بحيث لا تتوافق الرؤية مع الواقع،
ولا تنسجم مع حاجات الافراد وتسعى لحل مشكلاتهم ، وفي لبنان لاتوجد فروقات بارزة
في توافر الموارد الطبيعية برغم التنوّع بين المناطق الجغرافية وطبيعة البلاد الجبلية
، وذلك الضيق رقعة الأراضي والتشابه في التكوين الطبيعي العام . بل يوجد إختلاف في
وسائل استخدام الانسان للارض ، وذلك وفق القدرات والامكانات المتوفرة لديه .. ففي
بعض المناطق حيث التربة خصبة تبدو الأراضي مهملة وتقتصر الزراعة على بعض المحاصيل الضرورية
لمعيشة السكان ، وفي مناطق أخرى ينتشر الجفاف ويعتمد السكان على بعض الزراعات
البعلية ، في حين تتفرض المياه في الطبقات الجوفية وتذهب مياه الأنهار هدرا إلى البحر .
أما الأرياف الجنوبية في لبنان ، والتي يجري فيها نهر الليطاني ، وهو نهر متفرد بين الأنهار
اللبنانية ، من حيث مجراه ومساحة حوضه البالغة حوالي ۲۸ في المائة من مساحة لبنان،
فأرضها اليوم تشكو الجفاف ، والهضاب فيها تتحول إلى حقول صخرية جرداء ، حيث يسيطر
الجفاف في أماكن واسع ، وتنتشبر الزراعات البعلية ، وتتعرض سفوح الجبال إلى إنجراف
التربة بعد تدهور الغطاء النباتي وبروز الأسطح الصخرية الجرداء . هذا بينما لا تصل
مياه الشرب الى العديد من القرى التي لا زال معظمها الى اليوم يستخدم البرك
الترابية في أوقات الجفاف .
على ضوء ما تقدم يمكن فهم التحولات الريفية الحالية
في لبنان ، ويبقى الجنوبقضية إنمائية في الأساس وحالة مميزة للتحولات الديموغرافية
والاجتماعية والإقتصادية، التي تختصر واقع الأطراف في لبنان وعلاقتتها بالمركز ،،
تضاف اليها خصوصية الموقع الجغرافي للجنوب حيث الإعتداءات المتكررة على أرضه
ومياهه .
۲ - الجنوب لبناني - ملامح جغرافية عامة
الجنوب قضية شعب وأرض ، أرض تزيد مساحتها قليلاً عن
خمس مساحة لبنان ، أهملت منذ عشرات السنين بحجة عدم إستقرار الأوضاع الأمنية فيها
، ولم تنل نصيبها من العناية نظراً لموقعها الجغرافي، وتكرار الإعتداءات
الإسرائيلية عليها، وقضية إنسان حُرم حقه كمواطن، قدم للوطن جهده وعرقه وأثبت عبر
السنوات الطوال تعلقه بأرضه ودفاعه عنها، فلم تقدم له الدولة ما يعينهعلى الصمود
والإستقرار، ويساعده في ـتأمين العيش الكريم.
No comments:
Post a Comment