Monday, October 30, 2023

الجغرافيا السياسية والمجتمع، دراسة د. علي فاعور حول أطلس العالم العربي للدكتور فيليب فارغ ورفيق بستاني. مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 7 - صيف 1991..


"بستاني وفارغ. "أطلس العالم العربي الجغرافيا - السياسية والمجتمع (بالفرنسية)

Atlas du monde arabe : géopolitique et société


             يتضمن هذا الأطلس عدة موضوعات تم تصنيفها وتوزيعها وفق أهميتها، ابتداء من العرض التاريخي حتى المسألة الفلسطينية، انتهاء بخلاصة عامة تعتبر بنك معلومات إحصائية موزعة بحسب الدول العربية. وهو يعتبر بانوراما تعرض بموضوعية الوقائع الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والثقافية، وبطريقة معبرة ناطقة ومشوقة.

إن الغاية المتوخاة من هذا الأطلس هي إبراز الوجه المستقبلي للعالم العربي، وكا يقول المؤلفان: إعطاء صورة جديدة لهذه المنطقة تبرز إمكاناتها ومواردها، وتزيل الغموض الذي يغطيها، كونها لا تنال من الاهتمام ما يتلاءم مع أهميتها ودورها.

وهي محاولة لا تهدف إلى التركيز على عناصر الوحدة فقط، بل تهدف أيضاً إلى اكتشاف عوامل التباعد والانقطاع.

أما من حيث المحتوى واختيار الموضوعات، فيتضمن الأطلس أحد عشر موضوعاً مختلفاً تم اختيارها بعناية، لكنها تتوزع من دون أرقام أو تبويب، حتى بالنسبة إلى النقاط الداخلية والخرائط التي جاءت مرفقة بالنصوص، ومن دون ترقيم للتمييز بين خريطة وأخرى. وهكذا، فإن منهجية التبويب والتوزيعات في الشكل والإطار العام، بحسب الفصول والأقسام، قد وُضعت بأسلوب خاص. ولولا أرقام الصفحات لما أمكن الرجوع إلى الأصل في أثناء التحليل. وعلى الرغم من الدقة والعناية في الرسم واعتماد وسائل كارتوغرافية مميزة، فالفراغ البارز هو عدم وجود مقياس (Echelle) في معظم الخرائط (مثلاً ص 10 – 11 و 44 و 72 – 73 و 86 و 106 ...).

بعد المقدمة والتمهيد يبدأ الأطلس بعرض أربع خرائط تاريخية تتناول الفتوحات العربية بحسب امتدادها ومراحلها، وهي تأتي كمدخل أولي للخرائط التي توزعت في الأقسام اللاحقة.

 مسألة الحدود

              من خلال الحدود في القسم الأول، حاول الأطلس الغوص إلى الجذور التاريخية لنشوء الدول العربية، إذ تبدو مشكلة الحدود العائق الرئيسي في وجه الوحدة العربية، حيث التناقض بين طروحات فكرة القومية العربية من المحيط إلى الخليج وبين واقع التجزئة القائم على الأرض. وقد خصّ الأطلس صفحات مكثفة (14 – 26) بالخرائط والنصوص لإبراز نقاط الضعف في الكيانات المتباعدة، وذلك منذ نشوئها وعبر مراحل تاريخية وفي أماكن جغرافية مختلفة، ابتداء من شمالي أفريقيا حتى الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية، ليختم هذه المداخلة الكارتوغرافية التاريخية بخريطة (ص 26) إجمالية تمثل الخطوط المتنازع في شأنها بين الدول الاستعمارية التي كانت تتقاسم المنطقة العربية، والتي ما زالت، بأساليب ووسائل مختلفة، تحول دون تحقيق رغبات الشعوب الطامحة إلى تحقيق فكرة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.

مسألة الأقليات

              يتناول الأطلس في القسم الثاني مسألة الأقليات، فيعالج فيها ثلاث نقاط تتوزع بين السلطة والأقليات، أهل الكتاب والعرب وغيرهم. ويتم التركيز على قراءة الماضي في مرآة التوزيعات الطائفية والعرقية، ذلك بأن النزاعات التي حدثت في شأن الخلافة، قد أدت إلى تقسيم الطائفة الإسلامية. ويورد الأطلس التوزيعات المذهبية للإسلام عبر مراحل زمنية، وفق تسلسلها. وتتركز الخرائط، في معظمها، على التوزيعات العددية والنسبية للطوائف، لكن النصوص المرافقة لها تثير الكثير من علامات الاستفهام، وخصوصاً في الحديث عن حكم الأقليات الدينية في بعض الدول العربية.

              كما يتضمن هذا القسم تحليلاً مفصلاً لنشأة المسيحية والتوزع الجغرافي للمسيحيين في الشرق العربي، إلى جانب تقديرات عددية للطوائف المسيحية على اختلافها. وهو يعتمد أربع خرائط مخصصة لتوزيع الأقباط في مصر، وانتشار المذاهب المسيحية، ثم هجرة اليهود إلى فلسطين بين سنة 1948 وسنة 1988، مع خريطة للتوزع الطائفي في لبنان. ويلاحظ، بالنسبة إلى حالة لبنان، أن التقديرات العددية قديمة وبعيدة عن الواقع.

              أما النقطة الأخيرة، فتتناول توزع الأقليات، إذ يلاحظ وجود ثلاث أقليات تتوزع منعزلة خلف السلاسل الجبلية (جبال أطلس في المغرب العربي، وجبال زغروس شمال العراق)، وفي المنطقة المدارية جنوبي السودان (النيل الأبيض وبحر الغزال).

وتبيّن الخرائط المرفقة توزع الأقليات غير العربية، بحسب الدول العربية: أماكن وجود الأكراد في العراق وإيران وتركيا (خ. ص 35)، والبربر في المغرب، ثم خريطة التوزع العرقي في جنوب السودان.

موضوع السكان

              أما القسم الثالث في لائحة الموضوعات فهو مخصص لموضوع السكان، ويبدو أنه أكثرها أهمية بالنسبة إلى المستقبل. ففي سنة 1900 كان عدد سكان الوطن العربي يبلغ 36 مليون نسمة، يمثلون أقل من نصف سكان الولايات المتحدة الأميركية، وخمس سكان السوق الأوروبية المشتركة (12 دولة)، ونحو 2,2% من سكان العالم. وخلال أقل من قرن، أصبح سكان الوطن العربي يشكلون 4% من سكان العالم. وتشير التقديرات المتوقعة خلال العقدين المقبلين إلى أن عدد سكان الوطن العربي سيفوق عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية وكذلك بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي، وحتى دول السوق الأوروبية المشتركة. وبحسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة سيبلغ عدد السكان العرب نحو نصف مليار نسمة قبل حلول سنة 2000.

              وما يمكن تسجيله أن خرائط هذا القسم تبدو مثيرة للاهتمام، سواء بالنسبة إلى المساحة الجغرافية (صفحة 39) أو بالنسبة إلى السكان في الدول العربية (صفحة 40)، الأمر الذي يبرز دينامية مميزة. فالسكان العرب يمثلون اليوم نحو 21% من إسلام العالم المنتشر في مناطق واسعة ممتدة في الشرق الأقصى وجاوه وأودية الغانج وبراهمابوترا والهندوس. كما يتوزع العرب بين 70% في المشرق و30% في المغرب، تفصل بينهما صحراء ليبيا.

              وتزداد أهمية التوزع المكاني للسكان قياساً بالمساحة؛ فالبحرين تمثل المرتبة الرابعة في العالم من حيث كثافة سكانها والأولى بين الدول العربية، يأتي بعدها جبل لبنان. والقمة الثانية في خريطة (صفحة 40) معبرة سهلة القراءة، يبرز فيها الوزن الديموغرافي لمصر التي تمثل وحدها نحو ربع سكان الوطن العربي.

              ويلاحظ، في تحليل النقطة الثالثة، أن "الولادات في انخفاض" نتيجة فعالية برامج تنظيم الأسرة في معظم الدول العربية. وتبرز هذه التحولات من خلال مقارنة لمتوسط عدد الأطفال بالنسبة إلى المرأة بين سنة 1950 وسنوات 1985 – 1990 (خريطة صفحة 42) حيث يتبين التحول الكبير في كل من مصر ولبنان وتونس والمغرب.

              وقد تضمن البحث إحصاءات ورسوماً بيانية مقارنة بين معدلات الإنجاب ثم الزواج والطلاق ونسبة العُزّاب. ويستدل من مقارنة مهمة للولادات في خمس دول عربية أن مصر قد حققت مستوى منخفضاً ثم عادت النسبة إلى الارتفاع.

              وتزداد أهمية خرائط هذا الأطلس (صفحة 44) في إبراز انخفاض معدل الخصوبة، وذلك من خلال قياس مؤشر ثابت هو متوسط عدد الأطفال للمرأة، بأربعة مؤشرات أساسية هي: وفيات الأطفال، ونسبة متابعة الإناث للدراسة، ومعدل النشاط الاقتصادي للإناث، والمشاركة في أداء فريضة الحج. كما تبين خريطة (صفحة 45) اختلال معدلات الخصوبة بين المدن والأرياف. وينتهي هذا القسم بنقطة مهمة تتناول تكاثر السكان الطبيعي (1985 – 1990)، إذ يلاحظ أن 43% من السكان هم دون سن 15 عاماً (وعددهم 92 مليون نسمة أو ما يعادل مرة ونصف المرة أكثر من السوق الأوروبية المشتركة)، بينما تمثل فئة العمر 65 عاماً فما فوق (7 ملايين نسمة) نحو ست مرات أقل من السوق الأوروبية المشتركة (44 مليون نسمة).

قضايا الزواج والصحة

ووفيات الأطفال والمرأة

              يتناول القسم الرابع بالتحليل والتمثيل الكارتوغرافي أربع نقاط رئيسية، تتوزع مترابطة، وهي: الزواج، والصحة، ووفيات الأطفال، والمرأة. ويلاحظ أن هذا الأطلس قد نجح – أو أنه انفرد – نجاحاً بارزاً في معالجة هذه الموضوعات استناداً إلى مؤشرات إحصائية اجتماعية، وديموغرافية، وصحية، حديثة. وتزداد أهمية هذه الخرائط والرسوم البيانية المرفقة بها، من خلال المقارنة عبر المجال الجغرافي، وهو ما يبرز أوجه التشابه والاختلاف بين الدول.

وإذا كان متوسط العمر عند الزواج الأول يختلف بين دولة وأخرى، فالبارز في معظم الدول العربية أن المرأة ما زالت تتزوج باكراً (دون 17 عاماً في عُمان واليمن الشمالية)، بينما يرتفع هذا المتوسط اليوم إلى ما فوق 23 عاماً في تونس ولبنان. أما بالنسبة إلى الرجل، فيلاحظ أن متوسط العمر عند الزواج الأول هو دون 22 عاماً في عُمان واليمن الشمالية، في مقابل أكثر من 27 عاماً في مصر وموريتانيا والسودان وتونس. كذلك نجد الاختلاف في نسبة الإناث المتزوجات في فئة العمر 15 – 19 عاماً؛ ففي حين تبلغ نسبة المتزوجات في هذه الفئة العمرية 5% في تونس، وأقل من 15% في لبنان والبحرين، ترتفع النسبة ذاتها إلى أكثر من 50% في دولة الإمارات العربية وعُمان واليمن الشمالية.

أما العلاقات الزوجية، فهي تزداد استقراراً إذ ينخفض معدل الطلاق بالتدريج في معظم الدول العربية، مع وجود تفاوت بارز بين دولة وأخرى؛ ففي حين لا تزال النسبة مرتفعة في عُمان واليمن والمغرب وموريتانيا وليبيا (تبلغ نسبة الطلاق 45 % في موريتانيا)، تنخفض هذه النسبة إلى أقل من 10% في معظم الدول العربية.

كذلك يوجد تفاوت بارز في المستوى الصحي؛ ففي حين تتردى الأوضاع في الدول الفقيرة، وينخفض العمر المرتقب عند الولادة إلى ما بين 40 و 50 عاماً في اليمن وموريتانيا والصومال والسودان، حيث يوجد طبيب واحد لكل 10 آلاف أو 20 ألف شخص، يرتفع هذا المعدل إلى ما فوق 70 عاماً في الكويت ولبنان، حيث يوجد طبيب واحد لكل 600 شخص، وبين 65 و70 عاماً في سوريا والمملكة العربية السعودية والأردن وتونس.

كذلك يلاحظ ارتفاع في معدل وفيات الرضّع من الإناث قياساً بالذكور، إذ ينال الذكور عناية خاصة بينما تهمل الإناث. كما يسجل انخفاض في مستوى التغذية في الدول العربية الواقعة في المنطقة المدارية إلى الجنوب، وهي: موريتانيا والسودان والصومال واليمن.

وتؤكد خرائط الأطلس أيضاً أن العالم العربي قد قضى على انتشار الأمراض المعدية، باستثناء الملاريا التي ما زالت منحصرة في أماكن محددة جنوبي الصحراء، كذلك ما زالت المنطقة بمنأى تام عن وباء الإيدز (أو السيدا SIDA).

أما بالنسبة إلى وفيات الأطفال، فهي مرتفعة في الدول العربية الفقيرة الواقعة في المنطقة المدارية الجنوبية، مثل السودان واليمن والصومال، وموريتانيا، حيث تزيد نسبة وفيات الرضّع على مائة حالة في مقابل كل ألف مولود حي. ويلاحظ من إحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 1988، أن هذه النسبة تبلغ 39 في الألف في لبنان، و19 في الكويت، لكنها ترتفع إلى 47 في سوريا و83 في مصر و80 في المغرب و115 في اليمن العربية و107 في السودان و131 في الصومال. ومن خلال مقارنة الخرائط (صفحة 55) يتبين أن ارتفاع وفيات الرضّع مرتبط بارتفاع نسبة الأمية بين الإناث (15 عاماً فما فوق)، وخصوصاً في السودان واليمن والصومال وموريتانيا.

وينتهي هذا القسم بدراسة نادراً ما تطرقت الأطالس إليها، وتشمل أوضاع المرأة العربية التي تمثل، في رأي المؤلِّفيْن، "الوجه المخفي للعالم العربي"، حيث يسجل وجود تفاوت كبير بين الدول العربية؛ ذلك بأن أكثر من نصف هذه الدول لم يوقع اتفاقات هيئة الأمم المتحدة التي تصون حقوق المرأة. أما الدول الموقعة لهذه الاتفاقات بكاملها، فهي تونس واليمن الجنوبية، بينما لم توقع الدول البترولية أية اتفاقات (السعودية، والجزائر، ودولة الإمارات العربية، وعُمان، وقطر، والبحرين).

كما يسجل تمييز واضح في عدم المساواة بين الجنسين، وخصوصاً في التعليم؛ إذ يلاحظ أن عدد الإناث اللواتي يعرفن القراءة والكتابة يقل عن 40 بالنسبة إلى كل مائة من الذكور، في كل من الصومال واليمن وموريتانيا وليبيا. أما عدد الإناث اللواتي يتابعن الدراسة في مقابل كل مائة من الذكور في التعليم الثانوي، فهو يقل عن 60 في موريتانيا والصومال واليمن، الأمر الذي يبين التمييز الجاري بالنسبة إلى المرأة.

ونتيجة القيود المفروضة على المرأة في العالم العربي، تنخفض نسبة مشاركتها في النشاط الاقتصادي إلى 16%، كما يبلغ معدل النشاط الاقتصادي للإناث (15 عاماً فما فوق) أقل من 10% في كل من الجزائر وليبيا والسعودية واليمن العربية.

التعليم والثقافة

ووسائل الإعلام

في القسم الخامس، يخصص هذا الأطلس صفحات (60 – 64) للتعليم والثقافة ووسائل الإعلام. ويلاحظ بالنسبة إلى التعليم انخفاض نسبة التحاق المرأة بالدراسة، إذ ترتفع نسبة الأمية بين الإناث (15 عاماً فما فوق) إلى أكثر من 90% في الصومال والسودان واليمن وموريتانيا، بينما تنخفض هذه النسبة إلى ما دون 25% في لبنان. كما يسجل ارتفاع في معدل التسرب في المرحلة الابتدائية، وخصوصاً بالنسبة إلى الإناث. كما تبرز الخرائط (صفحة 61) وجود تفاوت كبير في الإنفاق على التعليم، فبينما تبلغ كلفة الإنفاق السنوية على الطالب في مصر 410 دولارات، ترتفع هذه التكلفة إلى 10 آلاف دولار في عمان والسعودية.

أما وسائل الإعلام، فهي في تطور بارز، وخصوصاً بالنسبة إلى الصحافة، في لبنان والسعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى البرامج المتلفزة. لكن معظم هذه البرامج مستورد من الخارج (73% في اليمن الجنوبية، و55% في تونس والجزائر، و35% في مصر، و33% في سوريا).

              يخصص الأطلس، في القسم السادس، مجالاً واسعاً لدراسة المدينة؛ فهي التي عرفت أهم التحولات نتيجة تزايد عدد سكانها. ففي حين كان عدد سكان المدن العربية يبلغ 3,5 ملايين نسمة سنة 1900، ارتفع هذا العدد اليوم إلى 106 ملايين ساكن يمثلون أكثر من نصف سكان الوطن العربي.

ويزداد عدد الوافدين إلى المدن في دول الخليج العربي، حيث من المتوقع أن تزيد نسبة التحضر على 80% سنة 2000 (بحيث أن ثلاثة من أصل كل أربعة سوف يقيمون في المدن). ويستدل من ثلاثة خرائط (صفحة 66) أن المنطقة العربية قد عرفت تحولاً سريعاً خلال أقل من نصف قرن، وقد عرفت موريتانيا والصومال والسودان زيادة كبيرة في عدد سكان المدن التي استقبلت آلاف النازحين نتيجة الجفاف الذي سيطر في الأرياف (هجرات أيكولوجية).

الزراعة

              يتركز البحث في القسم السابع على الزراعة، وذلك في دراسة غنية بالخرائط والإحصاءات الحديثة. فالعالم العربي يستورد اليوم نحو نصف استهلاكه الغذائي، بل إن أكثر من نصف واردات العالم الثالث الغذائية يذهب إلى الدول العربية التي يتزايد اعتمادها على الخارج، وخصوصاً بالنسبة إلى استيراد الحبوب والقمح، الأمر الذي يثير مخاطر كثيرة بالنسبة إلى مسألة الأمن الغذائي، وخصوصاً بالنسبة إلى دول مصر والسودان والمغرب والجزائر، التي تحولت من مخازن للغلال إلى الاعتماد على الخارج. ويحتوي الأطلس (صفحة 76) على خريطة تبين انحسار الأراضي الزراعية إلى رقعة ضيقة من الأراضي، تبدو محدودة أمام سيطرة الصحراء، وتنحصر في أحواض الأنهر والسواحل.

وبعد عرض مراحل الإصلاح الزراعي في الفترة 1952 – 1970، التي تم فيها تأميم الأراضي وتوزيعها على المزارعين والفلاحين، تميز خرائط الأطلس بطريقة سهلة القراءة بين أربع مناطق زراعية رئيسية هي: المغرب العربي، والهلال الخصيب، وشبه الجزيرة العربية، وحوض النيل. وتعالج هذه الخرائط مسألة الاكتفاء الذاتي في الغذاء حتى سنة 2000، فيتبين أن العراق هو الدولة الوحيدة التي تستطيع تأمين الكفاية بالاعتماد على نفسها، وذلك بفضل مشاريع الري. لكن الأمل يبقى في استثمار المساحات الصحراوية الشاسعة التي تشكل خزان المستقبل.

وهكذا تكتسب خرائط الأطلس (صفحة 79) الخاصة بمشاريع الري المخططة لسنة 2000 أهمية استثنائية، وخصوصاً في السودان والجزائر والمغرب والعراق واليمن ومصر.

أما النقطة الأخيرة في موضوع الزراعة، فتتركز على الأمن الغذائي. إذ يلاحظ اعتماد العالم العربي على الخارج. فهو يشكل سوقاً استهلاكية بالنسبة إلى الدول الغربية، وتزداد هذه العلاقة بدول السوق الأوروبية المشتركة، بينما يلاحظ أن المغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي تحقق ربحاً في تجارتها مع السوق، إذ يصدر إليها منتوجات زراعية بقيمة 600 مليون دولار، ويستورد بضائع بقيمة 100 مليون دولار (سنة 1987).

البترول والصناعة

              يحتوي القسم الثامن على خرائط تعرض الوقائع التي رافقت اكتشاف البترول في المنطقة العربية وعبر مراحل زمنية مختلفة، مع التشديد على دور الدول المصدرة للبترول، ثم الأزمات التي رافقت ارتفاع أسعاره وتأثير ذلك في السوق العالمية، مبيناً تراجع عائدات العالم العربي بسبب انخفاض أسعار النفط بين سنة 1980 (18 مليون دولار) وسنة 1987 (58 مليار دولار). ويتبين من الاحتياط العالمي للنفط الخام (نهاية سنة 1980) أن احتياط العالم العربي يبلغ 600 مليار برميل، في مقابل 44 مليار برميل في أميركا الشمالية و122 مليار برميل في أميركا الجنوبية و78 مليار برميل في أوروبا.

أما بالنسبة إلى إنتاج البترول (خريطة صفحة 76)، فقد بلغ إنتاج العالم العربي 767 مليون طن سنة 1989 (أما الاستهلاك فلا يزيد على 184 مليون طن). كما أنه ينتج نحو 10% من إنتاج العالم من الغاز الطبيعي. وتبين الخرائط أيضاً أن صادرات العالم العربي من النفط تتوزع بين 21% إلى أميركا الشمالية، و37% إلى السوق الأوروبية المشتركة، و31% إلى اليابان ودول جنوب شرقي آسيا، و11% إلى دول العالم الثالث (وبينها الدول العربية غير المنتجة للنفط).

كما خصّص الأطلس خرائط مفصلة لأماكن الإنتاج وتوزيع حقول النفط والغاز الطبيعي في معظم الدول العربية. هذا بالإضافة إلى توزيع عائدات النفط ومساهمتها في الدخل الوطني، والمساعدات التي تقدمها الدول النفطية إلى جيرانها العرب في إطار التضامن العربي.

أما الصناعة، فهي تمثل مورداً ضئيلاً في معظم الدول العربية؛ إذ تساهم بنحو 6,7% في سوريا، و9,4% في السودان، و14% في تونس، و17,2% في المغرب، و5,3% في ليبيا، و 7,3% في الكويت، و13,1% في لبنان، و12,5% في الأردن، و9,1% في العراق، و15,2% في مصر.

ويخصّص معظم الإنتاج الصناعي للاستهلاك الداخلي. وفي حين تغطي الصناعات الوطنية أكثر من نصف الاستهلاك في سوريا ومصر، يلاحظ أن الدول الغنية بالبترول تنتج أقل من ربع حاجتها من الصناعات. كما يزداد الاهتمام بقطاع البناء الذي يستوعب نسبة كبيرة من اليد العاملة. ويلاحظ أن القطاع غير المنظم، أو ما يعرف بالقطاع الهامشي، هو الذي يجذب اليد العاملة، إذ تزدهر الصناعات الحرفية في كل من المغرب والجزائر وتونس ومصر.

التكامل الإقليمي

لكن، ما هو مستقبل العمل العربي المشترك؟ وهل توجد أمة عربية واحدة، أم 22 أمة؟

يعرض الأطلس، في القسم التاسع (صفحة 98)، محاولات الوحدة العربية ابتداء من سنة 1945، تاريخ إنشاء جامعة الدول العربية، إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر سنة 1958، ثم انهيارها بعد ذلك بثلاثة أعوام. ويتبين من إحدى الخرائط في الأطلس أهمية التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي.

ويستنتج من الخرائط المخصصة لتمثيل التجارة الدولية، أن صادرات المنطقة العربية تكاد تقتصر على البترول، وأن اليابان هي الدولة الوحيدة التي تشتري من العالم العربي أكثر مما تبيعه. بينما يحقق الميزان التجاري عجزاً كبيراً مع السوق الأوروبية المشتركة يبلغ 12 مليار دولار. كما يلاحظ (خريطة صفحة 100) أن الميزان التجاري خاسر في معظم الدول العربية، باستثناء الدول النفطية، مثل الكويت والسعودية ودولة الإمارات العربية وقطر وليبيا.

ويحتوي الأطلس أيضاً على خرائط للتبادل التجاري مع السوق الأوروبية المشتركة واليابان والاتحاد السوفياتي، بما في ذلك التبادل التجاري داخل المنطقة العربية. وفي نهاية هذا القسم، توجد خرائط مفصّلة ومهمة للهجرة الدولية، بما في ذلك الدول المرسلة والدول المستقبلة للعمالة العربية، وذلك بما يتلاءم مع عدد المهاجرين، إذ يتبين أن مصر هي الدولة العربية الأولى بالنسبة إلى عدد المهاجرين البالغ نحو مليوني نسمة سنة 1989، يليها المغرب والجزائر واليمن العربية والأردن ولبنان وسوريا.

ويلاحظ أن توزع الهجرات السكانية المغادرة يقسّم العالم العربي إلى كتلتين منفصلتين، هما المغرب والمشرق، تفصل ليبيا بينهما. وبينما يتميز المشرق بانتقال العمال نحو دول الخليج العربي، يلاحظ أن الهجرة المغربية تتم إلى خارج المنطقة العربية، وخصوصاً إلى أوروبا. كما يواجه العمال العرب اليوم منافسة حادة من الوافدين الآسيويين الذين يتدفقون بغزارة نحو الدول الغنية بالنفط (خريطة صفحة 103). ويعتبر لبنان نموذجاً مميزاً في مجال التحركات السكانية، إذ يزيد عدد المهاجرين (منذ سنة 1975) على نصف مليون نسمة، اتجه أكثر من نصفهم نحو الدول العربية. ويشير التوزع الجغرافي إلى أن عدد اللبنانيين المقيمين في الخارج يزيد على مليوني نسمة.

أما الانتشار العربي في العالم، فيشير إلى وجود مليوني عربي في فرنسا، معظمهم من الجزائر والمغرب وتونس، و1,400,000 في إيران، و 700 ألف في الولايات المتحدة الأميركية، و670 ألفاً في تركيا، و220,100 في أستراليا، و210 آلاف في بريطانيا، و200 ألف في أفريقيا الغربية.

الدولة

              في الحديث عن الدولة، في القسم العاشر، تقدم الخرائط إحصاءات غزيرة جداً تتعلق بواردات الدولة وقضايا الميزانية المخصصة للتعليم والصحة والإنفاق العسكري (ص 111) والتسلح، مع تحديد قيمة الديون المستحقة، والتي تتضخم على الرغم من المساعدات الإنمائية التي يتلقاها بعض الدول العربية ( ص 110). كما تتناول الخرائط توزع الأسلحة الثقيلة في معظم الدول العربية، مع كشف مفصّل بقيمة مبيعات الأسلحة والمعونات التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية إلى إسرائيل وبعض الدول العربية. كما توجد في نهاية هذا القسم خرائط للأوضاع السياسية وحرية الصحافة ومشاركة المرأة في السلطة (ص 114 – 115) وتوزع الأحزاب الدينية.

القضية الفلسطينية

              يورد القسم الحادي عشر دراسة كارتوغرافية تحليلية لقضية فلسطين؛ فهي القضية المحورية التي يجمع العرب عليها ابتداء من الجزائر إلى عدن ومن الرباط حتى بغداد. وتقدم الدراسة إحصاءات عن انتشار الفلسطينيين في العالم حتى سنة 1990، إذ يبلغ عدد المقيمين في الضفة الغربية (ص 118) مليوناً و104 آلاف نسمة، في مقابل مليون و559 ألف نسمة في الأردن و613 ألف نسمة في غزة و591 ألف نسمة في لبنان.

ويتضمن هذا القسم خرائط مفصلة عن أوضاع الفلسطينيين، وخصوصاً في الضفة الغربية، حيث استولت إسرائيل على مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين؟ لكن البارز، بعد تهجير الفلسطينيين، هو محافظتهم على شخصيتهم المستقلة وثقافتهم. وعلى الرغم من المآسي التي رافقت عمليات التهجير والترحيل، فقد تمكن الفلسطينيون من القضاء على الأمية وتحقيق مستوى علمي يفوق المستوى السائد في معظم الدول التي استقبلتهم (خريطة صفحة 119).

أما توزع الفلسطينيين بحسب النشاط الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، فهو كالتالي: 435 ألفاً في قطاع الخدمات، و408 آلاف في مجالي الصناعة والبناء، و 215 ألفاً في التجارة والنقل، و106 آلاف في مختلف مجالات الزراعة. ويتضمن الأطلس خرائط تمثل توزع القوى العاملة الفلسطينية بحسب الدول المستقبلة وبالنسبة إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة.

وتبين إحدى الخرائط (صفحة 120) توزع السكان العرب في فلسطين قياساً بغيرهم، إذ تحاول إسرائيل مواجهة "القنبلة الديموغرافية" التي تخيفها والناجمة عن التفوق العددي والمستمر في التكاثر السكاني الذي ما زال يمثل السلاح الرئيسي والحاسم في يد الفلسطينيين.

خلاصة عامة

              هذه بإيجاز أبرز النقاط التي يطرحها "أطلس العالم العربي: الجغرافيا – السياسة والمجتمع". ومهما حاولنا حصر الموضوع في صفحات، فقد جاءت هذه القراءة سريعة لا تكاد تغطي سوى القليل من النقاط التي تضمنتها الدراسة، ذلك بأن أطلساً في هذا المحتوى وهذه الغزارة من المعلومات والإحصاءات لا يمكن قراءته بهذه السرعة.

              وفي النهاية، ماذا نستنتج؟ وهل حقق الأطلس غايته في إبراز الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للوطن العربي؟ وهل تساهم هذه المحاولة في توضيح الصورة المستقبلية لمنطقة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية؟

              - لقد تناول هذا الأطلس الوطن العربي، مبيناً نقاط القوة ونقاط الضعف، وأماكن الانقطاع ووسائل الاتصال، وذلك قياساً بالدول الكبرى والعالم، إذ أصبح في الإمكان تحديد الأبعاد الكاملة لموقع الوطن العربي في العالم.

              - إنه ليس أطلساً بالمفهوم الكلاسيكي المعروف، بل هو قراءة سياسية اجتماعية اقتصادية موسعة وشاملة، استُخدمت فيها الخرائط بكفاءة عالية بهدف إبراز بعض النقاط الأساسية التي تتوفر في شأنها الإحصاءات. وهو أيضاً أطلس متخصص، يعالج الظاهرة بأبعادها الكارتوغرافية كافة.

              - إن هذا الأطلس محاولة جدية، جمعت بين التحليل والتمثيل الخرائطي. وهو يطرح قضايا مهمة وحساسة، مبرزاً بعض جوانبها بطريقة كارتوغرافية واضحة وموجزة تبسط الأمور أمام القارىء، لكنها تسلط الضوء على جوانب محددة في الصورة لكثافة الموضوعات التي تراكمت أحياناً إلى درجة الغموض (في بعض النقاط).

              - إنه أطلس جديد من حيث الموضوعات والمحتوى. وهو يكاد ينفرد بين الأطالس، وخصوصاً بالنسبة إلى معالجة القضايا الديموغرافية والاجتماعية. كما أنه يبرز المنطقة العربية، بمواردها البشرية والاقتصادية، وحدة متكاملة في مواجهة العالم، بحيث نشعر بأننا "الولايات العربية المتحدة" – على الرغم من التفاوت بين المناطق الجغرافية – وأمام الولايات المتحدة الأميركية والسوق الأوروبية المشتركة.. وغير ذلك من الدول والقارات.

 

 السيرة الشخصية  د. علي فاعور
أستاذ الجغرافيا في الجامعة اللبنانية 

د.علي فاعور: أستاذ الجغرافيا, الجامعة اللبنانية

Tuesday, October 17, 2023

خطة لبنان لتأمين اقامة النازحين السوريين

 

 خطة لبنان لتأمين اقامة النازحين السوريين

النقص في التمويل الدولي، والخسائر بالمليارات


د. علي فاعور، رئيس مركز السكان والتنمية.                    

مقالة منشورة في جريدة اللواء 25 آب عام 2023.


الاستجابة الانسانية لمواجهة أزمة اللاجئين

            لمواجهة تداعيات أزمة النازحين السوريين، فقد أطلقت الحكومة اللبنانية "خطة لبنان للاستجابة للأزمة"، بمثابة برنامج مشترك بين الحكومة اللبنانية وشركائها الدوليين والمحليين، ويتمّ تنفيذه بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية ومشاركة كلّ من مفوضية شؤون اللاجئين التي تتولى قيادة مكوّن الاستجابة الانسانية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومع العديد من الجهات الانسانية الدولية، وتضمّ قائمة الشركاء في هذه الخطة (قرابة 160 شريكاً) ، وزارات لبنانية إلى جانب وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية محلية ودولية.

      ولمواجهة تداعيات أزمة النازحين فقد تم أطلاق مبادرة "خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2015-2016"، ثم بعدها "خطّة لبنان للاستجابة للأزمة 2017-2020"، وكذلك خطة الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار التي تم إطلاقها في عام 2020 لتوفير المزيد من التمويل للبنان في أعقاب تفجير مرفأ بيروت،  ثم خطة الاستجابة للطوارئ، التي تم إطلاقها في شهر آب من العام 2021، كما تم إطلاق نداء منقّح لخطة الاستجابة للطوارئ لتلبية الاحتياجات حتى نهاية عام 2022. 

      وفي 20 حزيران 2022، تم اطلاق "خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023" ، بدعوة من وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من  المجتمع الدولي المساعدة لإعادة النازحين السوريين، والا فسيعمل لبنان "على اخراج السوريين بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية.. ذلك أنه وعلى مدى السنوات الـ11 الماضية، فقد تحمل لبنان عبئا ضاغطاً لا يحتمل بسبب وجود أكثر من 1.7 مليون نازح سوري ولاجئ فلسطيني يعيشون في جميع أنحاء البلاد، اي في 97 في المائة من البلديات في كل لبنان "..

         وتعمل  الخطة التي يتم تطبيقها اليوم لمساعدة 3.2 مليون شخص في البلاد عام 2023، والهدف هو تقديم الدعم إلى 1.5 مليون لبناني و1.5 مليون نازح سوري وأكثر من 209,000 لاجئ فلسطيني.

        ويتفرّع من الخطة الرئيسية خطط الاستجابة القطاعية التي تشمل: الإعانات الأساسية، التعليم، الطاقة، المأكل، الأمن الغذائي والزراعة، الصحة، سبل العيش، الحماية، المأوى، الاستقرار الاجتماعي والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية..

       بحيث يتم تنفيذ عملية دمج واسعة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والصحية،  وذلك باعتماد مختلف وسائل المساعدة النقدية متعددة الأغراض منذ عام 2013، من خلال النقد وبطاقات الصراف الآلي لتعزيز قدرة العائلات على تغطية احتياجاتها الأساسية، مثل الايجار والغذاء والأدوية وتقليل تعرضهم للاستغلال.

 

  

مشروع إغاثة الأطفال السوريين

        مع استمرار تدهور الوضع في لبنان، ولمواجهة أعباء النزوح السوري الطويل الأمد، ما ادى الى تزايد الولادات وعدد الأطفال لدى النازحين السوريين،  فقد تم أنشاء   "مشروع إغاثة الأطفال السوريين" استجابة لأزمة اللاجئين الحالية،  ولضمان حصول هؤلاء الأطفال على الرعاية الطبية الأساسية، وغيرها من المساعدات اللازمة لعيش حياة أفضل.

       هكذا تتم رعاية اللاجئين الى جانب الفقراء على عاتق البلدان النامية، وهذا يشبه على المستوى الدولي، ما حصل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، حيث تم تأسيس صندوق إغاثة أطفال فلسطين (PCRF) في عام 1992 في الولايات المتحدة، لتقديم رعاية طبية مجانية للأولاد والبنات العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط  المصابين بأمراض خطيرة والتي لا يمكن توفيرها في بلدانهم الأصلية..

       وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فان أقل من نصف الأطفال اللاجئين في سن الدخول إلى المدرسة في لبنان ملتحقون بالتعليم الرسمي عام 2021..  حيث "يستضيف لبنان 660 ألف طفل سوري لاجئ في سن المدرسة، لكن بحسب  تقييم الامم المتحدة فان 30 في المائة منهم، أي 200 ألف طفل،  لم يذهبوا إلى المدرسة قط، وأن 60 في المائة منهم  لم يتسجّلوا في المدارس خلال السنوات الأخيرة"... كما ترى المنظمة  انه "على وزارة التربية  تغيير السياسات التي تمنع أطفال اللاجئين من الوصول إلى التعليم... بسبب التدابير التي تشترط حصولهم على سجلات تعليمية مُصدَّقة، وإقامة قانونية في لبنان، وغيرها من الوثائق الرسمية التي لا يستطيع معظم السوريين الحصول عليها".

        أما حول الأمية والتسرّب المدرسي وعمل الاطفال،  فترتفع نسبة الامية بين الأطفال اللبنانيين في المناطق الفقيرة المكتظة بالسكان، حيث ترتفع الامية في محافظتي الشمال وعكار لتبلغ 8 في المائة، بينما هي 5.6 في المائة في بيروت، لكن نسبة الامية تصل الى أكثر من 20 في المائة في بعض أحياء طرابلس، مثل القبة، والتبانة، وبعض أحياء المدينة القديمة، وضواحي المدن الفقيرة التي تستضيف السوريين..

  انتشار ظاهرة عمل الأطفال في الشوارع

      أظهر تقييم أجرته "اليونيسف" بالنسبة لعمالة الاطفال اللاجئين في عام 2021، أنّ نسبة الأسر التي أرسلت أطفالها للعمل في لبنان، قد ارتفعت إلى 12 في المئة في تشرين الأول 2021. اما بالنسبة للأسر اللبنانية، فقد ارتفعت  هذه النسبة خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى 7 في المئة. 

    وترتفع نسبة عمل الأطفال لدى الأسر اللبنانية في المناطق الفقيرة، حيث أن نسبة الامية بين الاطفال دون سنّ 18 عاماً هي 13 في المائة في لبنان عام 2017..

      كما تزداد نسب الأطفال العاملين في مختلف القطاعات، وبخاصة في الزراعة، وأعمال البناء، وتقديم الخدمات في الأبنية، بالاضافة الى تزايد انتشار الاطفال في الشوارع، أو في محلات تصليح دواليب السيارات، أو في المتاجر والمحلات المنتشرة في الاسواق، أو خدمات المطاعم، وغيرها  لجهة انشاء محلات تجارية صغيرة، و"دكاكين" لبيع الخضار والفاكهة بين الاحياء في المدن (شارع الاوزاعي في الضاحية الجنوبية لبيروت).. بينما تشير بعض التقديرات الى ان عدد الاطفال العاملين في لبنان بات يزيد على 100 ألف طفل.

        ويتبيّن بحسب الدراسة التي أعدتها وزارة العمل اللبنانية، حول  "الأطفال المتواجدون والعاملون في الشوارع في لبنان" عام 2015،  بالتعاون مع "منظمة العمل الدولية"، و"اليونسيف" و"جمعية إنقاذ الأطفال"، فنجد أن "73 في المائة من أطفال الشوارع هم سوريون، و10 في المائة لبنانيون، و8 في المائة من الفلسطينيين. أما الباقون فهم من الأقليات ومعدومي الجنسية".. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها، حيث تم "تقدير عدد الأطفال (المشردين) الذين يعيشون ويعملون في الشوارع بـ"1510 منتشرين في 18 منطقة لبنانية شملتها عينة البحث".

 

     وقد "شكّل الأطفال المنخرطون في التسوّل، غالبية بين الأطفال العاملين في الشوارع، بنسبة  43 في المائة، يليهم الأطفال الذين يعملون كباعة متجولين ونسبتهم 37 في المائة، كما أظهرت النتائج أيضاً، تركّز التسوّل خارج المراكز المدينية الرئيسية، بحيث تشمل ظاهرة التسوّل في البقاع  47 في المائة بين الاطفال العاملين، وفي عكار 37 في المائة...كما أن أكثر من ثلثي الأطفال العاملين في الشوارع هم من الذكور.

    ويتركّز عمل الأطفال في شوارع  المدن الكبرى، خصوصاً في منطقتي بيروت الكبرى وطرابلس.

 وقد سجل في الأولى أعلى نسبة من الأطفال في الشوارع، وهي تتوزع على ثلاثة أحياء: الحمرا، طريق الجديدة، المتحف.

 

الفجوة في التمويل والخسائر يتحملها لبنان

            بالنسبة الى متطلبات التمويل،  يتبيّن بحسب الأرقام الرسمية التي تعلنها المفوضية العليا للاجئين حتى تاريخ 31 كانون اول عام 2022، وجود فجوة كبيرة بين التمويل المطلوب مقارنة بالتمويل المحصّل، ذلك أن مجمل متطلبات التمويل المخصص لتغطية حاجات اللاجئين السوريين في لبنان، قد بلغت للفترة بين 2012 و نهاية 2022، ما مجموعه:  21.7 مليار دولار (لمدة 11 سنة)، بينما نجد ان مجمل الاموال المدفوعة قد بلغت 11.2 مليار دولار (51.6 في المائة)، بحيث بلغت  قيمة الفجوة المالية: 10.5 مليار دولار.. أما الجهات المانحة الرئيسية للأموال، فتشمل بحسب المفوضية 11 دولة أوروبية مع الولايات المتحدة الامريكية والجهات المانحة الخاصة...  

 

      كما يلاحظ على امتداد السنوات ال12 الماضية، أن الفجوة المالية كانت تتزايد نتيجة النقص في التمويل المدفوع من الدول المانحة، والذي بلغ نحو 10 في المائة عام 2012، ثم 47.5 في المائة عام 2014، ليرتفع الى 52.2 في المائة عام 2018، ويبلغ 63.4 في المائة ،أي ما يوازي 2 مليار و 28 مليون دولار لعام 2022 فقط (الشكل المرفق).

    

الكلفة المالية التي يتحملها الاقتصاد اللبناني

      لقد خلّف النزاع في سوريا آثارا ً كارثية على النمو الاجتماعي  والاقتصادي في لبنان، ما أدى  إلى تفاقم حدة الفقر وتدهور الأوضاع الأمنية، وفي هذا الاطار، يمكن التمييز بين نوعين من الكلفة المالية على الاقتصاد اللبناني، المباشرة وغير المباشرة، بحيث أن كلفة النزوح  لغاية العام 2018 بحسب تقرير البنك الدولي، كانت تُناهز الـ18 مليار دولار أميركي وتتركّز في قطاعات الصحة والتربية والطاقة والمياه والزراعة والبيئة، لناحية النفايات الصلبة والصرف الصحي وغيرها، ما أدى الى تدهور الوضع الصحي والتعليمي، واقفال العديد من المدارس ابوابها، وتردي نوعية الخدمات العامة..

       وذلك دون احتساب الأكلاف غير المباشرة أمنياً وتجارياً واجتماعياً بالاضافة الى الخسائر الهائلة على القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الخدمات والتجارة والسياحة، وعلى خزينة الدولة نتيجة تراجع النمو.... بحيث  أن الاقتصاد اللبناني يحتاج إلى توفير مزيد ّ من الوظائف تعادل ستة أضعاف المقدار المتوفر حالياً كي يتمكن من استيعاب الأزمة.

      وهذا الرقم يعادل تقريباً تقديرات الأمن العام ووزارة المال التي تحدّثت عن خسائر مترتبة على لبنان تفوق ال 46 مليار دولار حتى العام 2018 نتيجة النزوح السوري،  في المقابل، لم يتخطَّ إجمالي مساهمة المجتمع الدولي في استجابته لأزمة النزوح السوري مبلغ 12 مليار دولار في 12 عاماً. وهو ما يجعل من لبنان "الدولة المانحة" الأكبر في استجابته لأزمة النزوح السوري.

         في مواجهة تداعيات الأزمة الضخمة والنقص الكبير في التمويل وتزايد التوترات والنزاعات، وبينما يتحمل لبنان العبء الأكبر، لا زالت المفوضية تحذّر النازحين من مخاطر العودة، وهي تعلن بالمقابل، أن الهدف من كل هذا هو "الحفاظ على حماية وكرامة اللاجئين أثناء بقائهم في المنفى المؤقت في لبنان"..  فهي قد أنشأت 79 مركزا مجتمعياً، مع 153 مجموعة مجتمعية موزعة في جميع انحاء لبنان، لتقديم المشورة بشأن تصميم الأنشطة والبرامج حول دعم اللاجئين...

 

الخلاصة

     

  لقد ألقى المجتمع الدولي وبخاصة بلدان الاتحاد الاوروبي، بكامل أعباء أزمة النازحين السوريين على عاتق لبنان، الذي بات يعتبر اليوم بمثابة مخيّم كبير لإقامة النازحين واللاجئين والمهاجرين من البلدان المجاورة، وذلك برغم التداعيات الخطيرة الناجمة عن الاختلال الديموغرافي والخطر الذي يشكله على تفكك البنية السكانية، بعدما بات أكثر من نصف سكانه من اللاجئين والمكتومين وطالبي اللجوء من جنسيات مختلفة، وممن يقيمون ويعملون بطرق غير شرعية،  حيث تنتشر مئات المخيمات العشوائية ، بينما يهاجر اللبناني للبحث عن وطن في الخارج. 

       لهذا كله.. يواجه النازحون السوريون حالياً في لبنان مجموعة من العوائق والتحديات المرتبطة أساساً بضعف آفاق الاندماج في المجتمع المضيف، المكوّن من الفئات المهمّشة والفقيرة في الأحياء المكتظة، والذي بات اليوم على شفير الانهيار بعد أن فقد القدرة على الاستيعاب، نظرا للأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، وهذا "ما يُعرّض الاستقرار العام لخطر العنف والاضطرابات ويُغذّي خطاب الكراهية حيث ثبت بنتيجة الاستطلاعات أن 61% من التوترات بين المجتمع النازح والمٌضيف ناتج عن التنافس على الوظائف لا سيّما الأقل مهارة" (بحسب ورقة عمل أقرها مجلس الوزراء لتنظيم إدارة ملف النازحين السوريين في لبنان).

 وكذلك بالنسبة الى ازدياد المخاوف محلياً من امكانية تأثر النسيج الاجتماعي للدولة وتغيّر التوازن الطائفي بها، جراء تكاثر أعداد النازحين السوريين، في مقابل تراجع معدل الولادات لدى اللبنانيين وتنافص عددهم. كل هذه العوامل ادت الى تنامي المشاعر المعادية للاجئين، وتضييق آفاق استقرا رهم في لبنان، مما أدى الى تزايد طلبات اللجوء لدى المفوضية، ومحاولات الهجرة غير النظامية عبر الحدود،  وهجرة القوارب في البحر سعياً لطلب اللجوء والاستقرار في الخارج.

 (يتبع في مقالة لاحقة: مخاطر الاقامة الطويلة للنازحين في لبنان).