خارطة لبنان الإقتصادية عام2020، بالأرقام

 

 

خارطة لبنان الإقتصادية عام2020، بالأرقام

من الإنهيار إلى بيروت مدينة منكوبة

الدكتور علي فاعور

أستاذ الجغرافية وعميد في الجامعة اللبنانية (سابقاً)

عضو المجلس الوطني للبحوث العلمية




مقدمة: من الفقر إلى حافة المجاعة


أولاً- أرقام الأزمة المعيشية مقلقة من الفقر إلى حافة المجاعة.........................................  6

 

ثانيا- الفقر يتوسع.. والمناطق الأكثر فقراً هي عكار وطرابلس ........................................... 9

 

ثالثا- نتائج كارثية:  التداعيات الإقتصادية والإجتماعية عام 2020. .................................  15

 

رابعاً- تأمين البدائل  لتفادي الإنهيارالإقتصادي والمالي، بلغة الأرقام..................................... 21

 

خامساً- لتفادي الإنهيار...ما هي مقومات الصمود؟........................................................ 23

 

خلاصة...ما هو النظام الجديد الذي سيُبنى على انقاض الانفجار الاجتماعي ؟  ....................... 25

الإنفجار الكبير 4 آب: بيروت مدينة منكوبة

 

هل تنهار دولة لبنان الكبير

Lebanon's economic map in 2020

From collapse to big explosion




لبنان أمام الإنهيارالإقتصادي، من الفقر إلى حافة المجاعة

 

"عندما لا نحارب الفقر والجهل، سنضطر يوماً لمحاربة الفقراء"..

 

مقدمة

بعد 100 عام على ولادة دولة لبنان الكبير (1 أيلول 1920)، وبدل أن تنمو الدولة ويتوسع دورها مع الإنتشار اللبناني حول العالم، ها هي اليوم قد بلغت حافة الإنهيار، ويبدو أن العام 2020 سوف يكون الاسوأ إقتصاديا وإجتماعياً وماليا منذ ثلاثة عقود، ذلك أن الأشهر الستة الأولى كانت حافلة بالمفاجآت التي عطلت الدورة الإقتصادية والمالية بفعل الإنكماش الحاد في بيئة الأعمال، وإرتفاع مديونية الدولة إلى أكثر من 91 مليار دولار[1]، وعجز الخزينة وإنخفاض الناتج المحلي إلى النمو السلبي، وذلك بعد أشهر معدودة على بدء الإنتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، ثم إنتشار فيروس كورونا وإعلان التعبئة العامة والحجر المنزلي منذ منتصف شهر آذار الماضي..  مما أدى إلى تفاقم المخاطر التي عطلت القطاع المصرفي المنهك لفقدان السيولة، ودفعت القطاع المالي إلى حافة "الإنهيار الكبير" نتيجة إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى مستويات قياسية (وصلت إلى مستوى 3600 ليرة يوم في 23 نيسان، ثم بلغت أقصاها نحو ستة آلاف ليرة في منتصف شهر حزيران 2020)، مما أدى إلى تزايد إنتشار البطالة بشكل مرعب وإرتفاع منسوب الفقر ليشمل شريحىة واسعة من الناس باتت تزيد على نصف سكان لبنان. فقد تراجعت القدرة على الصمود ومواجهة غلاء الأسعار الحاصل لدى معظم الأسر التي بات مدخولها لا يكفي الحد الأدنى لتأمين مستويات الأمن الغذائي.. من الرغيف والطعام الى الدواء والأغذية الضرورية للأطفال..

  ولمواجهة الأزمة التي عطلت دورة الحياة الإقتصادية، تحاول الحكومة حماية الأمن الاجتماعي من خلال تقديم معونات لدعم الأسر الأكثر فقرا.. بالإضافة الى الجهود التي تبذلها هيئات المجتمع المدني لتقديم مساعدات عينية وتموينية لتفادي الانهيار الإجتماعي.. لكن الواقع يؤكد أن الأزمة تتوسع نتيجة توقف معظم الشركات والمؤسسات والإدارات العامة، مما أدى إلى تزايد حدة البطالة بين الشباب.. وتزايد الأعباء المعيشية بالنسبة للأسر المتوسطة الدخل والتي فقدت مدخراتها وباتت تعيش دون خط الفقر، عاجزة عن توفير "السلة الغذائية" وشراء المواد الضرورية مثل الحبوب والأرز والبرغل والعدس.. وحليب الأطفال... تضاف إليها أكلاف الإيجارات واللباس والتعليم وغيرها.

 

1-    ما بعد كورونا، إنتفاضة الشباب في المرحلة الثانية

يذكر أنه منذ تفشي فيروس كورونا في 21 شباط الماضي في لبنان، وحنى منتصف شهر حزيران، فقد تم تسجيل 1644 مصاب، تتوزع بين 539 من الوافدين من بلدان الخارج، و 1105 إصابة لغير الوافدين، كما تم تسجيل 33 حالة وفاة (حنى تاريخ 24 حزيران 2020).ثم ارتفع إلى 1907 مصاب (601 بين الوافدين و 1306 للحالات المحلية بين المقيمين) ( حتى تاريخ 7 تموز 2020)[2].. وحتى بلغ 2334 إصابة يوم 12 تموز 2020، مما سيؤدي إلى إعادة البحث بالإقفال التام من جديد.

كما تم إغلاق المدارس والجامعات في 29 شباط، ثم إغلاق المطاعم والمراكز السياحية في 6 آذار، وإستمرت حال الإقفال حتى إعلان التعبئة العامة في 15 آذار، ثم إعلان حظر التجول ليلاً في 27 منه،  بحيث إستطاع لبنان السيطرة وحصر الوباء في مناطق جغرافية محددة بعد حالة الإستنفار العامة وتجهيز المستشفيات الحكومية، مما أدى إلى كبح الإنتشار المحلي وإستيعاب الأزمة وحصرها في دوائر مرسومة، لكن عودة المغتربين من الخارج أعادت فتح الأبواب أمام دخول العائدين عبر المطار إبتداء من 5 نيسان2020 تاريخ بدء عودة الوافدين عبر المطار، وحتى 16 حزيران حيث وصلت الدفعة السابعة من المغتربين، وسوف تتم إعادة فتح المطار أمام الرحلات الخاصة في 24 حزيران، ثم المباشرة بفتحه تدريجياً أمام الرحلات القادمة في بداية شهر تموز 2020، في حين أن الرحلات السياحية ستبدأ في 26 تموز، وتنطلق المرحلة الأولى من إعادة العمل، حيث تستأنف الرحلات الخاصة، في حين يعاود العمل بشكلٍ كامل في الأول من تموز بقدرة استيعابية 10 في المئة مع التأكيد على تطبيق الإجراءات الوقائية وإجراء الفحوصات للوافدين عند وصولهم، حيث من المتوقع إرتفاع أعداد الوافدين إلى لبنان بمعدل يصل إلى 20 ألف مسافر أسبوعياً خلال فصل الصيف، مما يساعد في إنعاش الوضع الإقتصادي، بعد إقفاله لنحو ثلاثة أشهر تنفيذاً لإجراءات التعبئة العامة في البلاد.

ومنذ إعادة فتح المطار، فقد بدأ تدفق العملة الصعبة بكميات كبيرة الى لبنان ، مما ساعد في دعم سعر صرف الليرة اللبنانية وارتفاعها الى حدود 7000 ليرة ، مقارنة مع مستويات قياسية بلغتها قبل أول تموز عند حوالى 10 آلاف ليرة مقابل الدولار.

وقد برزت بوادر إيجابية لعودة النشاط السياحي، فقد اعلنت الإمارات اعتبارا من يوم الثلاثاء في 7 تموز أنها ستسمح لمواطنيها بالسفر إلى لبنان بعد منع استمر ثلاث سنوات، وكانت الإمارات دعت في عام 2016 مع البحرين والكويت والسعودية رعاياها إلى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه.

 

     وخوفا من تفشي وباء كورونا فقد توقفت الإنتفاضة الشعبية، وتراجع الإهتمام بالأمور المعيشية والحياتية، بعد فرض إلتزام الحجر المنزلي وتطبيق التباعد الإجتماعي، ما أعاد للأحزاب والحكومة زمام المبادرة، حيث تمت إزالة خيّم المعتصمين من وسط المدينة، كما تم إتخاذ العديد من القرارات لا سيّما التعيينات الأخيرة التي تمت كسابقاتها على قاعدة المحاصصة الطائفية، وبالتفاهم الكامل بين الحكومة والأحزاب، ومن دون أية مواجهة مع مجموعات الإنتفاضة، ما يؤكد عودة الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى حافة الإنهيار للتنسيق فيما بينها والهيمنة الكاملة على الحكم، وذلك بعد التظاهرات الحزبية التي رفعت شعارات سياسية تتناقض مع البرامج التي طرحتها الإنتفاضة الشعبية منذ 17 تشرين الأول.

لكن مع بداية إنحسار فيروس كورونا وتخفيف إجراءات التعبئة العامة، عادت التحركات إلى الشارع وبدأت على الأرض مرحلة ما بعد كورونا، وذلك بعد 100 يوم على تشكيل "حكومة التحديات"، لتنفيذ وعودها في الإصلاح ومحاربة الفساد، وحتى تاريخ 12و 13 حزيران عندما خرج آلاف اللبنانيين للتظاهر في العاصمة بيروت والمدن الكبرى لا سيّما في طرابلس وصيدا، حيث إنطلقت الموجة الثانية من الإحتجاجات الشعبية بعد تفاقم غلاء المعيشة وإرتفاع أسعار الدولار وتردي الأوضاع الإقتصادية، وتحولت إلى مواجهات غاضبة مع القوى الأمنية أدت إلى اضرار جسيمة في المؤسسات التجارية والممتلكات الخاصة، وتحطيم واجهات المصارف (بخاصة في مدينة طرابلس) وبعض المحلات الكبرى في وسط العاصمة بيروت. وكان الصادم في هذه المرحلة تحرك مجموعات حزبية مدفوعة من متضررين من المسؤولين الذين لا يهمهم أن تنجح محاربة الفساد، حيث تم رفع شعارات سياسية بدلاً من العناوين الإجتماعية الإقتصادية التي رفعتها الإنتفاضة الأولى، وذلك لتشجيع الإنقسامات وتضييع الأهداف الكبرى، وتفكيك التحركات على الارض. وهذا ما دفع رئيس الحكومة للحديث عن الهجمة التخريبية ومحاولة إنقلاب (في 6 حزيران 2020)، وأن هناك من يعمل للإنقضاض على الإنتفاضة، وإسقاط الحكومة، بهدف العودة الى ما قبل 17 تشرين الأول.

وبعد نحو أسبوعين على فتح المطار، بتاريخ 17 تموز 2020، أشار وزير الأشغال العامة والنقل  إلى أنه "وصل إلى ​مطار بيروت الدولي​ منذ فتحه أكثر من 33 ألف وافد من الخارج إلى ​لبنان​، وإذا اعتبرنا أن كل شخص يحمل في يديه بمعدل 10 ألاف دولار، أي 200 مليون دولار بالأسبوع، مما يشير إلى أن هناك 800 مليون دولار أميركي في الشهر تدخل نقدا إلى لبنان عبر ​المطار​ بهذه الأرقام التي نسمح لها بالدخول، ولولا المضاربة بالسوق السوداء لكان وضعنا سليما، وهذا المبلغ الذي يدخل إلى لبنان شهريا يساهم في انخفاض سعر صرف ​الدولار​ في السوق السوداء".

 

2-                الأزمة الإقتصادية اللبنانية متفردة ولا مثيل لها

     تعتبر الأزمة الإقتصادية اللبنانية متفردة ولا مثيل لها، فهي من أسوأ الأزمات العالمية، وذلك نتيجة تداخل عدة عوامل، أهمها: إنتشار فساد الطبقة الحاكمة التي عطلت مؤسسات الرقابة ومنعت المحاسبة، وألغت وزارة التصميم العام، وحجمت دور مديرية الإحصاء المركزي، وتراكم الديون والإعتماد على الخارج، وجشع القطاع المصرفي الذي اساء الأمانة نتيجة التصرّف العشوائي بأموال المودعين، والهندسات المالية الفاشلة التي إعتمدها مصرف لبنان في الداخل دون تقدير العواقب الكارثية الناجمة عنها، مما أدى إلى توقف المصارف عن العمل وحجز أموال المودعين لديها.

يضاف إلى كل هذه الفوضى في الإقتصاد والمال، عدم كفاءة وأهلية المسؤولين في الحكم، الذين أفقروا ونهبوا الدولة من خلال توزيع الحصص على الطوائف والتوظيف العشوائي لإرضاء الأتباع والمحاسيب، وفشل الإدارة التي أخفت الإحصاءات الإقتصادية والإجتماعية لتزوير الحقائق والأرقام، والتستر على ملفات الفساد وحماية الفاسدين، مما أدى إلى تسارع التدهور المالي وإعتماد سياسة التسويف والمماطلة من قبل السلطات الحاكمة التي لم تبادر إلى الإصلاح والإنقاذ من خلال التهرب من المسؤوليات وعرقلة المحاولات الإنقاذية لمساعدة لبنان على النهوض، مما أوصل البلاد اليوم إلى حافة الإفلاس والفشل.

كما أن الحكومة والدولة بشكل أساسي، يجب أن تتحمل المسؤولية الكبيرة الناجمة عن الأنهيار الحاصل وذلك لسوء إدارتها وفشلها وفسادها، بخاصة بعد كل الاخفاقات الماضية من باريس 1 الى باريس 4 ، وكذلك بالنسبة لمسؤولية مصرف لبنان الذي إعتمد سياسة الهندسات المالية والتسليفات دون سقف، وكذلك المصارف التي لم تتخذ السياسات الملائمة لجهة الحفاط على حقوق المودعين.

لقد باتت المسؤولية مشتركة بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، ولكن لا يمكن إغفال دور القرار السياسي منذ 1990 وحتى اليوم، مما أدى إلى انهيار شامل، ناجم عن إنتشار الفساد وفقدان الارادة الحقيقية للاصلاح.

تعتبرالحالة اللبنانية فريدة نسبياً، لجهة حجم الودائع، وحجم الخسائر ونوعية الدين ومصادره، والقدرة على التعافي. هذا النموذج يؤكد انّ المعالجات الناجحة تنطلق دائماً من مبدأ مراعاة خصوصية كل حالة.  لكن المطلوب المباشرة بعملية الإنقاذ، حيث الأولوية لمحاربة الفساد، والبدء بتنفيذ الاصلاحات، ثم إسترجاع الثقة الداخلية والخارجية... هذه عوامل أساسية لتحقيق الانقاذ الاقتصادي.

لكنّ العقبة الكبرى تكمن في تحقيق الاصلاحات المطلوبة، والتي هي بحاجة إلى قرار سياسي غير متوفر حتى الآن، بما يضمن خفض منسوب الهدر والفساد في الدولة. والحقيقة الصعبة أن هناك محاولات لهدر الوقت والإدعاء بمحاربة الفساد كما يحصل في ملفات الندقيق في الأموال المهرّبة، وإسترجاع الأموال المنهوبة، حيث من يتولى المسؤولية المباشرة هو نفسه المرتكب أو تابع له يعمل على إخفاء الحقائق، بينما يرتفع منسوب القلق اليوم مع تدهور الأزمة الإقتصادية، بحيث أننا نتجه بسرعة نحو الإنهيار الكبير، عندما يشارف المخزون الإحتياطي في مصرف لبنان على النفاذ، مما يؤدي إلى إنهيار العملة وغلاء الأسعار وفقدان المواد الإستهلاكية الضرورية.

 

    لقد تركت الأزمة الاقتصادية والنقدية، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد حراك السابع عشر من تشرين  الأول 2019، آثاراً كبيرة على الواقع المعيشي والحياتي للبنانيين، ثم أتت أزمة فيروس ”كورونا“ لتفاقم الأزمة بشكل كبير جداً، فتوقفت معظم الأعمال والأنشطة الاقتصادية، ما أدّى إلى إقفال العديد من المؤسسات التجارية والصناعية والخدمية، وصرف عدد كبير من العمال من أعمالهم وخفض رواتب البعض الآخر.

 وهذا ما دفع وزارة المال لتعليق دفع مستحقات اليوروبوند وذلك للحفاظ على الاحتياطي النقدي بالدولار وحاجة الدولة له لمواجهة فيروس كورونا.

كما وافق البنك الدولي في 12 آذار 2020، الماضي على إعادة تخصيص 40 مليون دولار لتعزيز قدرة وزارة الصحة العامة، وذلك في إستجابة سريعة لتفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) في لبنان، عبر تجهيز المستشفيات الحكومية بعمليات شراء سريعة للمعدات والمستلزمات وزيادة قدرتها لمواجهة الأزمة.

وفي إطار "الحملة الوطنية للتكافل الاجتماعي"، عقد اجتماع في السرايا الحكومية في 25 آذار بين اللجنة الوزارية المعنية في الأزمة الحالية وممثلين للمجتمع الأهلي حيث تقرر صرف 18 مليار ليرة لشراء 100 ألف حصة غذائية وصحية، قيمة كل حصة 180 ألف ليرة، وذلك لتوزيعها على المناطق كافة، بالتنسيق مع البلديات والمخاتير.

وتعتبر الأزمة الإقتصادية المالية التي يعيشها لبنان منتصف عام 2020، بمثابة أزمة لم يعرفها لبنان في تاريخه الحديث، حيث وصلت الدولة إلى حافة الإنهيار بعد أن لامس سعر صرف الدولار خلال الأسبوع الأول من شهر تموز عتبة الـ 10 آلاف ليرة لبنانية، فضلاً عن تجاوز الدين العام أكثر من 170 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، بينما تتزايد موجات الهجرة إلى بلدان الإغتراب برغم الحواجز التي أثارها إنتشار فيروس كورونا،  وبعد فقدان الأمل في إسترجاع الدولة المخطوفة.

انّ ارتفاع  قيمة الدولار خلال الفترة الماضية كان، في جزء منه، ناجماً عن صراع سياسي حاد، وذلك في محاولة لإسقاط الحكومة، بحيث أن فشل مشروع تغيير الحكومة ربما يدفع البعض لتبديل حساباتهم  ورهاناتهم السياسية ، مما قد يساعد في تخفيف عملية التلاعب بالعملة الخضراء، يضاف إلى هذا تأثير التدابير التي إتخذتها الحكومة لدعم مشروع السلّة الغذائية والإستهلاكية لتخفيف حدة الطلب على الدولار، وكذلك فتح المطار وعودة النشاط الإقتصادي، وتأثير أموال المغتربين، تضاف إلى هذه العوامل أهمية المساعي الجارية لتشجيع عودة الدعم الكويتي والقطري، وبخاصة  مشروع تأمين النفط من العراق بأسعار منخفضة وخلال آجال طويلة مما قد يوفر على الدولة قرابة ملياري دولار سنوياً، وهذا ربما يساعد في تشجيع الحركة السياحية وإستعادة الدعم الخليجي وبالتالي تخفيف الجمود القائم وتشجيع اللبنانيين على مزيد من المشاركة لتحريك الأموال المجمدة لديهم في المنازل والبالغة نحو خمسة مليارات دولار..

وفي نظرة سريعة حول حركة التبادل التجاري بين لبنان والعراق، يتبيّن أنها بالكامل لصالح لبنان، ما يتطلب المزيد من التوجيه لزيادة حجم الصادرات  وتنوّعها، فعلى سبيل المثال سجّلت صادرات لبنان الى العراق في العام 2015 حوالى 225 مليون دولار في مقابل استيراد بحوالى 3 ملايين دولار ونصف المليون فقط. مما يعني انّ الاسواق العراقية قادرة على استقطاب المزيد من المنتجات الصناعية والمحاصيل الزراعية.

 

3-                الأمن الغذائي مهدد: ولبنان معرض لخطر أزمة غذائية كبيرة

    يمر لبنان اليوم بأسوأ ازمة اقتصادية و مالية في تاريخه ، في سياقها تفاقمت حالات الفقر والبطالة والغلاء والجوع واقفال مئات المؤسسات والشركات التجارية والسياحية . وتشير التفديرات إلى أن مليوني لبناني فد باتوا اليوم علي ابواب الفقر والمجاعة تقترب، بينما تستمر السلطة الحاكمة بتجاهل قضايا اللبنانيين و فقرهم وجوعهم وتشردهم، وحجز أموالهم وجنى عمرهم في المصارف، بينما يبقى همهم الاساسي تأمين مصالحهم وتثبيت المحاصصة الطائفية وتقاسم المغانم .

كيف وصلنا إلى هنا؟ كتب رئيس الحكومة عن هذا الواقع في مفالة[3]  نشرتها "واشنطن بوست" ،مشيرا الى أنه "منذ أسابيع قليلة، شهد لبنان احتجاجاته الأولى على الجوع، لقد توقف الكثير من اللبنانيين عن شراء اللحوم[4] و​الفواكه​ والخضروات وقد يجدون صعوبة في تحمل نفقات ​الخبز​. كما حذرت منظمة "​هيومن رايتس ووتش​" و​البنك الدولي​ من أن أكثر من نصف الأسر اللبنانية قد لا تستطيع شراء الطعام بنهاية العام".

وسأل دياب: "كيف وصلنا إلى هنا؟.. لقد ضرب لبنان وشعبه أزمة ثلاثية. أولاً، نتيجة لسوء الإدارة السياسية و​الفساد​ على مدى عقود، موضحا أنه "ثانياً، يمر لبنان بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة قادت البلاد إلى التخلف عن سداد ديونها الخارجية، ويتوقع صندوق النقد الدولي​ (IMF) انخفاضا بنسبة 12 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للبنان هذا العام، فيما يفقد الناس وظائفهم  وتنخفض قيمة عملتنا الوطنية بسرعة كما زادت أسعار المواد الغذائية المستوردة بأكثر من الضعف منذ بداية العام" ، بحيث بات الانفجار الاجتماعي يقترب ، وثورة الجياع علي الابواب (بلغ الدولار عتبة 6500 ل.ل. في السوق السوداء يوم 24 حزيران)،  .

وفي 12 تموز عام 2020، نشرت صحيفة نيويورك تايمز لمراسليها من بيروت بن هوبارد وهويدا سعد تقريرا مفصلا عن الأزمة الاقتصادية في لبنان ،تناولت فيه الضائقة التي يعاني منها اللبنانيون على المستوى المعيشي في ظل انهيار سعر العملة اللبنانية وارتفاع اسعار السلع "كانت آثار الأزمة على فقراء البلاد حادة ، كما حدثت أربعة حالات انتحار مؤخراً خلال يومين ، وكلها مرتبطة بالأزمة الاقتصادية. الرجل الذي أطلق النار على نفسه في أحد الشوارع الأكثر شهرة في بيروت ترك وراءه لافتة مكتوبة بخط اليد مكتوب عليها "أنا لست كافر" ، وهو سطر من أغنية معروفة ، تكملتها "لكن الجوع كافر"[5].

وخلال زيارته بيروت، قال وزير الخارجية الفرنسي لودريان 23 تموز 2020، امام أحد الرؤساء الثلاثة الذين إلتقاهم: "وصلتم الى قعر الهاوية وخصوصاً في الملفين الاقتصادي والمالي. ماذا تنتظرون بعد؟". ودعاه الى الإسراع في الخروج من هذه الأنفاق.

  وبحسب الدولية للمعلومات يتبيّن خلال شهر أيار 2020، إستمرارأسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية بالارتفاع (65 سلعة)، في مقارنةً بين كلفة السلّة الغذائية والاستهلاكية لعائلة مؤلفة من 5 أفراد، فقد ارتفعت من نحو 450 ألف ليرة شهرياً في بداية شهر تشرين الثاني 2019 إلى 800 ألف ليرة في بداية شهر أيار 2020 أي بارتفاع مقداره 350 ألف ليرة ونسبته 77,7 في المائة، وهي وصلت في بداية حزيران إلى مليون ليرة أي بارتفاع مقداره 550 ألف ليرة ونسبته 122,2 في المائة. ويكون الارتفاع خلال شهر أيار قد بلغ 200 ألف ليرة ونسبته 25في المائة. مع الإشارة أن أسعار هذه السلع تختلف بين محل وآخر، وقد اعتمدنا السعر الأدنى لدى عدد من المحلات التجارية.

ونتيجة تردي أحوال المعيشة وغلاء الأسعار وإنخفاض القدرة الشرائية، يتزايد الخوف والقلق حيال الاستقرار الامني. ففي إحصاء للدولية للمعلومات حول المقارنة ما بين المرحلة الممتدة من شهر كانون الثاني وحتى شهر أيار من عامي 2019 و2020، يتبين انّ حوادث السرقة للافراد والمنازل ازدادت بنسبة 22 في المائة، وحوادث سرقة السيارات ارتفعت بنسبة 58 في المائة. امّا الاكثر خطورة فهي جرائم القتل التي ارتفعت بنسبة 124 في المائة.

وفي عودة سريعة إلى إحصاءات جرائم السلب والنشل والسرقة التي حصلت في شهر حزيران، ولغاية منتصف تموز من العام الماضي، تبين أنها سجلت وقوع 280 عملية، وهو رقم يقلّ أو يزيد بقليل عن الأعوام التي سبقت، ولكنّ الأمر الذي يدعو الى الحذر الشديد، في الوقت الراهن، هو ارتفاع العدد الى ما نسبته حوالى مئة في المئة، بحيث حصلت، اعتبارًا من أول حزيران ولغاية منتصف تموز من العام الحالي، 514 عملية سلب ونشل وسرقة، على جميع الاراضي اللبنانية، 

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث، فقد خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءا من رواتبهم حيث أكدت إحصاءات قوى الأمن الداخلي ارتفاع معدلات الجرائم بشكل كبير وبخاصة القتل والسرقة في العام 2020  مقارنة بالأعوام الماضية، وربطت الجهات الأمنية ذلك بتدهور الوضع بارتفاع معدلات الفقر والبطالة[6]...

المعيشة في بيروت عام 2020: المدينة ال 45 الأكثر غلاء في العالم والرابعة في المنطقة العربية.

يتبيّن بحسب الدراسة السنوية حول كلفة المعيشة في 209 مدينة في العالم، والتي أجرتها شركة الاستشارات العالميةMercer ، وبحسب تقرير بنك بيبلوس[7]، ان مدينة بيروت قد جاءت في المرتبة 45 عالميًا وفي المرتبة الرابعة بين 17 مدينة عربية شملها التقرير للعام 2020.

 وقد صُنّفت بيروت بالمدينة الـ13 الأكثر غلاءً بين 51 مدينة في 40 دولة ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع المشمولة في المسح. وكانت بيروت المدينة الـ53 الأكثر غلاءً في العالم والمدينة الرابعة الأكثر غلاءً في المنطقة العربية في مسح العام 2019.

وتقوم هذه الدراسة بمقارنة كلفة 200 سلعة في كلّ مدينة شملها المسح. تشمل المقارنة كلفة السكن، والطعام، والملبس، والسلع المنزلية بالإضافة إلى المواصلات والترفيه. وصُنفت المدن بناءً على مسح أجرته الشركة في آذار 2020.

نداء الأمم المتحدة: 482 مليون دولار لدعم الصحة والأسر الضعيفة في لبنان

·        بعد الإطلاق العالمي لتحديث خطة الاستجابة الإنسانية العالمية، يوم 16 تموز 2020.. يُطلق المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان ومنسق الشؤون الإنسانية بالإنابة إلى جانب منظمات الأمم المتحدة ومنظمات غير الحكومية الشريكة تحديثا لنداء الطوارئ للبنان، على مبدأ النظام الصحي الواحد لجميع المقيمين في لبنان، وذلك للحصول على 482 مليون دولار أمريكي لحماية حياة الناس الذين هم الأكثر عرضة للخطر في لبنان بسبب تفشي فيروس كورونا، ويسعى النداء للحصول على تمويل لمساعدة الأسر الأكثر فقراً للتأقلم والتعامل مع الأزمة المتفاقمة”.

·        وذلك من أجل شراء أسرة لوحدات العناية المركزة، وأجهزة تنفّس صناعية ومعدات الحماية الشخصية، بالإضافة إلى تحديث عشرة مختبرات تابعة للمستشفيات العامة ومواصلة توزيع لوازم النظافة الصحية. وصيانة مراكز العزل للاستجابة لازياد عدد الإصابات، وتعزيز التوعية حول فيروس كورونا لجميع السكان، بما في ذلك عاملات المنازل ومكتومي القيد.
كما سيُقدّم نداء الطوارئ الدعم لما يُقارب 89,000 أسرة من خلال المساعدات الغذائية والنقدية، بالإضافة إلى استفادة 40,000 أسرة بشكل غير مباشر من الدعم المقدم لـ40 بلدية لتطوير الصناعات الصغيرة لإنتاج الأقنعة والمواد المتعلقة بفيروس كورونا.

وعلى مستوى دولي فقد حذر كبير مسؤولي الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة​، ​ من أن "جائحة "​ كوفيد 19" والركود الناجم عنها سيساهمان في أول زيادة في معدل الفقر العالمي منذ ثلاثة عقود، مما يدفع 265 مليون شخص إلى المجاعة، بحلول نهاية العام الحالي".

أولاً- أرقام الأزمة المعيشية مقلقة، من الفقر إلى حافة المجاعة..

 

   أما بخصوص التداعيات الإقتصادية الناجمة عن الإقفال وتوقف الأعمال والحركة التجارية والكساد الحاصل، فيتبيّن من تقديرات أولية أن حجم الخسائر في الإقتصاد  تتراوح بين 100 و 150 مليون دولار يومياً، تضاف إليها الخسائر الفادحة التي تلحق بالقطاع السياحي وقطاع التجارة والأعمال والقطاع الصناعي، والتي تقدر بنحو 100 مليون دولار، وهذا ما سيؤدي إلى خسارة الوظائف وإرتفاع  نسبة البطالة، وقد برزت هذه الخسائر واضحة في العاصمة بيروت التي تؤمن وحدها أكثر من ثلثي الحركة الإقتصادية، حيث ادى الإقفال إلى خسائر جسيمة في الحركة السياحية، والتي تضم الفنادق والمطاعم والمقاهي الليلية (اكثر من 2200 مطعم ومقهى أصيبت بخسائر فادحة) والتي قامت بصرف معظم موظفيها، وخفض رواتب البعض الآخر.  مما  دفع الدولة للإسراع  بتنظيم عودة الحركة الإقتصادية لتفادي  الخسائر الجسيمة، فقد كشف مدير عام شركة طيران الشرق الأوسط ''الميدل إيست'' أن الخسارة اليومية لوقف الأعمال "توازي 35 مليون دولار في الشهر، ولكن الشركة ليست بحاجة إلى مساعدة من الدولة وقادرة أن تستمر بقدراتها الذاتية".

 

يضاف إلى هذا تكلفة المعيشة المرتفعة  في بيروت، ويحسب مؤشر كلفة المعيشة تأتي بيروت في المرتبة السادسة بين مدن الشرق الأوسط وفي المرتبة 121 بين مدن العالم (وعددها 331 مدينة في 227 بلدا حول العالم)، ويقارن أسعار وتكاليف المعيشة بين دول العالم بالاعتماد على أسعار الطعام (الحليب والدجاج والخبز والأرز...) والمسكن (الشقق المفروشة وخدمة الانترنت...) والملابس (جينز والحذاء الرياضي...) ووسائل النقل (تاكسي وسيرفيس...) ..

 

1-                برنامج الغذاء العالمي: مليون لبناني تحت خط الفقر

      حذر ممثل المدير القطري لبرنامج الغذاء العالمي في لبنان ، من أن مليون لبناني معرضين لأن يصبحوا تحت خط الفقر الغذائي خلال العام الحالي، مشيراً إلى أن البرنامج يستعد لتقديم مساعدة غذائية طارئة لدعم 50 ألف أسرة لبنانية معرضة لتداعيات الأزمات الاقتصادية. وأوضح أنه "استناداً إلى توقعات بالنمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي للفرد للعام 2020، يقدر البنك الدولي أن معدل انتشار الفقر في لبنان سيرتفع من 37 في المئة عام 2019، إلى 45 في المئة عام 2020، ومن المتوقع أن يؤثر الفقر المدقع (المعروف أيضًا باسم فقر الغذاء) على 22 في المئة من السكان، مقارنة بـ16 في المئة عام 2019".

وأضاف، بحسب التقديرات: " يمكن أن يكون في لبنان ما يصل إلى 335 ألف أسرة لبنانية فقيرة في عام 2020، بما في ذلك 163000 أسرة (ما يقرب من مليون فرد) تحت خط الفقر الغذائي".

وأشار إلى أن "برنامج الغذاء العالمي يستعد لتقديم مساعدات غذائية طارئة لدعم 50 ألف أسرة لبنانية معرضة للتأثر بالأزمات الاقتصادية وأزمة كوفيد-19 بالتعاون مع عدة جهات فاعلة. وسيتم تنسيق المساعدة مع خطط وسياسات المساعدة الاجتماعية للحكومة اللبنانية". .. أما بالنسبة للاجئين السوريين فأن "برنامج الغذاء العالمي يستعد أيضاً لوضع مخزون غذائي عيني مسبق للاجئين في حالة منعت إجراءات الإغلاق بسبب كوفيد-19 تأمين المساعدة الإنسانية المنتظمة القائمة على توفير النقد من خلال أجهزة الصراف الآلي أو المتاجر المتخصصة".

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع برنامج الأغذية العالمي، الخميس 17 ايلول، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال: "نشكر البرنامج على الهبة التي قدمها الى لبنان وهي ١٢٠٠٠ طن من الطحين، ولنتأكد من وصول الهبة الى اللبنانيين اصدرنا قراراً برفع وزن ربطة الخبز من ٩٠٠ غ إلى كيلو لمدة ٦٢ يوماً، وتعميم ينظم آلية توزيع الطحين الى الأفران."

وبتاريخ 10 تموز 2020، حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من أن لبنان يواجه اليوم أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، بحيث بات الوضع يخرج بسرعة عن السيطرة،  وقالت في الجمعية العامة "إن بعض اللبنانيين الأكثر ضعفا يواجهون خطر الموت بسبب هذه الأزمة، علينا التحرك فورا قبل فوات الأوان"...وللأسف أن يتحول لبنان إلى انموذج عالمي للدول الفاشلة حيث تفاقمت معدلات الفقر، وبات هم المواطن البحث عن لقمة العيش .

كما عادت وتزايدت المخاوف من التفشي الوبائي نتيجة الإصابات المتزايدة بفيروس كورونا بعد تسجيل العدد الأعلى للاصابات في لبنان في نهاية شهر تموز، والذي بلغ 182 اصابة، وذلك منذ 21 شباط الماضي تاريخ تسجيل أول إصابة في لبنان ، بحيث  يعود لبنان من الخميس 30 تموز، وعشية عيد الأضحى الى مرحلة الإقفال العام ضمن شروط جديدة لمنع التصاعد المقلق للتفشي الوبائي.

بعد شهر تقريبا من الإغلاق، وبحسب إستطلاعات "هيومن رايتس ووتش "[8] ، فقد سبّب غياب أي استجابة واضحة، وفي الوقت المناسب، ومنسقة من جانب الحكومة إلى جوع العديد من العائلات وعجزها عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما فيها الإيجار ففي 15 مارس/آذار 2020، حثت الحكومة الناس على البقاء في منازلهم، في إغلاق مستمر حتى 26 أبريل/نيسان على الأقل، و في 1 أبريل/نيسان، أعلن مجلس الوزراء نيته توزيع 400 ألف ليرة، أي (حوالي 150 دولار بحسب سعر الصرف الحالي في السوق)، على الأسر الأكثر فقرا، لكنها لم تقدم تفاصيل وافية. قبل ذلك بأسبوع، تعهدت بتقديم 75 مليار ليرة كمساعدات غذائية وصحية، دون تفاصيل.

من جهتها، قالت الباحثة الأولى في الفقر واللامساواة في هيومن رايتس ووتش، لينا زيميت: "أدى الإغلاق الهادف إلى إبطاء انتشار فيروس كورونا إلى تفاقم الفقر والصعوبات الاقتصادية المتفشية في لبنان قبل وصول الفيروس. خسر عديدون دخلهم، وقد يعجز أكثر من نصف السكان عن شراء غذائهم وحاجياتهم الأساسية إذا لم تتدخل الحكومة..... الناس في لبنان يكافحون وهم على حافة الهاوية.... وينبغي للحكومة أن تطور بسرعة برنامج مساعدات يحمي حقوق الناس، ويؤمن لهم الموارد التي يحتاجون إليها في هذه الأزمة من أجل البقاء".

 

2-                الدولية للمعلومات: ماذا لو بلغ عدد العاطلين عن العمل مليوناً؟

أدت الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة في لبنان، ثم إنتشار فيروس كورونا، إلى تراجع النمو الإقتصادي وإنتشار البطالة بين اللبنانيين، وكذلك بالنسبة للمغتربين في الخارج، مما أدى إلى تراجع التحويلات، وعودة آلاف اللبنانيين ممن فقدوا أعمالهم،  ويتبيّن بحسب “الدولية للمعلومات” أن الصورة سوداوية وتنذر بتوقف نحو مليون عاطل عن العمل، وهو رقم كارثي في بلد صغير المساحة كلبنان، مما يقتضي دق ناقوس الخطر. وتوضح الدراسة أنه “لا تتوافر أرقام رسمية حول أعداد العاطلين عن العمل ونسبة البطالة في لبنان وذلك على رغم أهمية هذا الأمر كمؤشر اقتصادي واجتماعي، فنسبة البطالة التي أعلنتها إدارة الإحصاء المركزي بعد مسح بالعيّنات جرى بين نيسان 2018 وآذار 2019 هي 11,6 في المائة. لكنّ الواقع هو خلاف ذلك، اذ تشير استطلاعات “الدولية للمعلومات” الى أن عدد العاطلين عن العمل قبل 17 تشرين الأول 2019 كان نحو 350 ألفاً، أي بنسبة 25 في المائة من حجم القوى العاملة، ونتيجة حالة الشلل التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019 والتي زادت حدةً مع تفشي وباء كورونا، فقد صُرف من العمل نحو 80 ألفاً ليرتفع العدد الإجمالي إلى 430 ألفاً، أي ما نسبته 32 في المائة. ولكنّ المؤشرات والأوضاع الاقتصادية التي يعيشها لبنان ومعظم دول العالم تشير إلى إمكان ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل في الأشهر المقبلة إلى نحو مليون عاطل عن العمل بحسب السيناريو الأسوأ، أي بنسبة 65 في المائة" ويبقى هذا الرقم بمثابة تقديرات تستوجب التحرك لتفادي الأسوأ. أما المؤشرات التي تدفع الى هذا الاحتمال فهي كثيرة من أبرزها:

·        احتمال أن يُصرف نحو 10 آلاف – 15 ألف أستاذ وموظف في المدارس الخاصة نتيجة عدم قدرة الأهالي أو امتناعهم عن تسديد الأقساط المتوجبة عليهم.

·        إقفال عدد من المطاعم والفنادق والمؤسسات السياحية نتيجة عدم القدرة على تحمّل ارتفاع الأعباء وتراجع المداخيل، وهذا الامر قد يصيب نحو 50 ألف عامل.

·        إقفال عدد من المؤسسات التجارية الصغيرة التي تبيع الألبسة والاحذية وسلعاً غير أساسية بسبب تراجع حركة البيع، وهذا الأمر قد يصرف 20 -25 ألف عامل.

في السنوات الثلاث الماضية كانت الهجرة والسفر يحدّان من ارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وهذا الباب قد أوصد في وجه اللبنانيين بشكل كبير، وتالياً فان نحو 50 -60 ألفاً سينضمون الى العاطلين عن العمل، وهذا الرقم يشتمل على نحو 30 ألفاً من المتخرجين الجامعيين الجدد. يُضاف إلى كل هذا عودة نحو 200 ألف لبناني من بلدان افريقيا ودول الخليج وأوروبا، بعدما فقدوا وظائفهم نتيجة التراجع الاقتصادي بسبب أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط في دول الخليج. ثم توقع فقدان نحو 100 -150 ألفاً وظائفهم من قطاعات مختلفة بفعل تقليص الأعمال والمشاريع ولا سيما في قطاع البناء والمقاولات، في الاعلام والصحافة، في النقل، وكذلك في المصارف (حيث يعمل 26 ألف موظف).

 

3-                الكساد والبطالة..أرقام صادمة وخسارة 220,000 وظيفة.

تعتبر الأزمات التي يواجهها لبنان اليوم، لا سابقة لها، ولم تحصل خلال السنوات ال 25 الماضية...

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قبل أشهر من ظهور تهديد فيروس كورونا، توقع "البنك الدولي" ارتفاع نسبة نسبة سكان لبنان تحت خط الفقر من 30 في المائة إلى 50 في المائة، وتتركز الأسر الأكثر فقرا في المقام الأول في غير المنظم، حيث أن نحو 80 في المائة من العمال الفقراء يعملون في القطان الهامشي، وفي أعمال موسمية وغير منظمة، وبأجور أقل أو قريبة من عتبة الفقر، ما يجعلهم عرضة بشكل خاص للصدمات المالية.

كما تؤكد مصادر وزارة العمل تزايد عدد الشركات التي تقدمت بطلبات تشاور لإنهاء عقود عمالها، ليرتفع العدد الـى 350 طلباً، وأكثر من 6500 عامل تمّ تسريحهم. ومن المتوقع أيضاً، أن يرتفع عدد الذين توقفت أعمالهم، نتيجة إقفال المؤسسات التجارية والسياحية وبعض الصناعات، بما قد يزيد نسبة عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 65 في المائة من القوى العاملة في البلاد التي تبلغ نحو مليون و794 ألف عامل (حسب إحصاء سابق للإحصاء المركزي اللبناني صدر أواخر 2019)، وذلك بالتزامن مع عودة نحو 200 ألف عامل لبناني يعملون في الخارج بعد أن فقدوا وظائفهم[9].

 

ويتبين بحسب دراسة نفذتها شركة أبحاث متخصصة (InfoPro).أن العدد الإجمالي للوظائف المفقودة قد بلغ 220،000 وظيفة، وكانت النتائج صادمة، فقد تم تخفيض الرواتب بنسبة 40 في المائة في الشركات الخاصة .. كما ان 12في المائة من الشركات توقفت عن العمل..

وقد تم تنفيذ الإستطلاع على مرحلتين حول عدد الوظائف المفقودة خلال فترة الإنتفاضة منذ 17 تشرين أول، فقد أظهر استطلاع أول أجرته شركة InfoPro Research خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 أن عشرة بالمائة من الشركات قد توقفت عن العمل مؤقتًا أو دائمًا منذ 17 تشرين أول/ أكتوبر. وقد تأثرت معظم الشركات في قطاع الخدمات الذي خسر 73 في المئة من حركة الأعمال في المتوسط. وأن أكثر من 160،000 شخص تم تسريحهم من وظائفهم.

كما تم الانتهاء من المسح الثاني خلال الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2020 مع نفس العينة. التي شملت نحو 300 شركة موزعة في مناطق مختلفة ومتنوعة من حيث الحجم والقطاعات، حيث زاد عدد المسرحين من العمل بنحو 60,000 شخص، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 220,000 وظيفة. وقد تبين خلال تلك الفترة أن ثلث جميع الشركات قد خفضت القوى العاملة لديها بنسبة 60 في المئة. كذلك جاءت النتيجة أن نصف الشركات التي شملها الاستطلاع خفضت الرواتب لدى موظفيها بأكثر من 40 في المئة.

لقد بدأت أزمة هشاشة القطاع الخاص والأعمال منذ بداية عام 2019 ، حيث قلصت الشركات من النفقات العامة وعدد الموظفين ، وخفضت الرواتب. لكن وبحلول 17 تشرين أول/أكتوبر ، كانت معظم الشركات قد استنفدت بالفعل احتياطياتها ، وفقد الكثير منها قدرتها على مقاومة الأزمة ، وهذا لم يحصل في حالات الطوارئ الأمنية أو الاقتصادية السابقة خلال السنوات الـ 25 الماضية.

لقد مددت الحكومة مهل دفع الضرائب وبعض الخدمات، لكنها لم تمدّد مثلا دفع الإيجار السكني أو التجاري، أو متوجبات الرهن العقاري، ولم تمنع قرارالإخلاء من المساكن طيلة فترة التعبئة العامة. بينما كان المطلوب تقديم إعفاءات من الرسوم المتوجبة لمساعدة الأسر الضعيفة، حيث يمكن لهذه الإعفاءات أن تساعد في تخفيف حدة الأزمة المعيشية دون أن تتحمل الدولة نفقات كبيرة، فقد وافق البنك الدولي على تقديم 40 مليون دولارلتعزيز إمكانات الرعاية الصحية لمواجهة الأعباء الناجمة عن تفشي وباء كورونا.

 

4-                توقعات البنك الدولي بين عامي 2017 و 2020

      تشير توقعات البنك الدولي إلى إن عدد الفقراء قد تجاوز ثلث السكان قبل تفشي وباء كورونا وفرض حالة التعبئة العامة،  اما اليوم فقد إرتفعت هذه النسبة إلى أكثر من 50 في المائة، نتيجة تفاقم الآزمة المعيشية وإرتفاع معدل البطالة بشكل حاد، بحيث أن رواتب غالبية اللبنانيين لم تعد تكفي لتأمين الحد الادنى من المستلزمات الضرورية في سلة غذائية شهرية تضاف إليها أكلاف اللباس والتعليم والتنقل والإيجارات السكنية..  وبحسب مساعدات الهيئة العليا للإغاثة للآسر الأكثر فقراً، فقد تزايدت نسبة الأسر الفقيرة من  22 في المائة عام 2018، لتبلغ أكثر من 50 في المائة عام 2020، أي ما يوازي 130 الف عائلة تعيش تحت خط الفقر، بعدما كان العدد السابق لا يتجاوز 44 ألف عائلة.

وبحسب تقرير البنك الدولي عام 2016، كان هناك 1,5 مليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر،يضاف إليهم 1,5 مليون من النازحين السوريين من الفئات الضعيفة، بالإضافة إلى 320,000 لاجئ فلسطيني يعيشون في فقر مدقع ويواجهون أزمة معيشية قاسية[10].

أما تقرير البنك الدولي الصادر في العام 2017 حول طرابلس[11]، وتحت عنوان “فرص العمل لشمال لبنان”، فيبيّن أن مناطق الشمال تضم الاكثرية المطلقة من عدد الفقراء في لبنان، ما يعادل نحو 290 الفا،ً أو ما نسبته 36 في المئة من عدد اللبنانيين، وهو معدل أعلى بكثير من المعدل الوطني. ويلفت التقرير إلى أن نحو 90 في المئة من العاملين في العاصمة الثانية، يعملون في قطاع غير رسمي (أو غير قانوني). وهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، ويشكّلون نحو 38 في المئة من القوة العمرية العاملة من سكان طرابلس.
 
كما أظهرت دراسة International Poverty Center[12] حول النمو وتوزيع الدخل في لبنان أن الفقر ترتفع نسبته في مدينة طرابلس لتشمل 57 في المائة من مجمل سكانها. وفي دراسة أعدتها “اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” (الإسكوا) بالتعاون مع “برنامج الامم المتحدة الإنمائي” ووزارة الشؤون الاجتماعية، عام 2015، للبحث في مستويات المعيشة لعاصمة الشمال طرابلس، فقد ظهرت أرقام مروعة عن حجم الفقر داخل أحياء المدينة وأزقّتها. وبحسب دراسة الاسكوا فقد تخطت نسبة الذين يعيشون ضمن ظروف صعبة، 75 في المائة من عدد سكان مدينة طرابلس الذين يبلغ تعدادهم نحو 600 الف نسمة، حيث ترتفع النسبة إلى 90 في المائة في بعض الأحياء، مثل باب التبانة وحي التنك ومنطقة السويقة، بالاضافة إلى أن نحو 23 في المائة من السكان يقبعون تحت خط الفقر حيث يبلغ دخلهم اليومي أقل من دولارين. وتعتبر باب التبانة أكثر المناطق في طرابلس فقراً ضمن مؤشر الحرمان بنسبة 91 في المائة استناداً إلى تقرير الألفية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

يضاف إلى هذا تزايد الطلب على الخدمات العامة، بعد مضي نحو تسع سنوات على الأزمة السورية، مع تزايد عدد النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكذلك نتيجة تراجع المساعدات الدولية من الدول المانحة، بالإضافة إلى الخسائر المباشرة الناجمة عن التدهور البيئي.

 

5-                المديرية العامة لإدارة الإحصاء المركزي

يُظهر مسح القوى العاملة والأوضاع المعيشية[13] الذي أصدرته المديرية العامة لإدارة الإحصاء المركزي في نهاية 2019، أن معدّل البطالة في لبنان يبلغ 11.4 في المئة، في حين تتخطّى هذه النسبة الـ 35% بين الشباب من حمَلة الشهادات الجامعية. إذ لا يستوعب سوق العمل أكثر من 4 آلاف فرصة عمل سنوياً، فيما يصل عدد خرّيجي الجامعات إلى نحو 36 ألفاً سنوياً. والمؤكّد أن هذه المعدلات زادت في الأشهر الأخيرة، بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول المنصرم، وما رافقها وتبعها من إغلاق لمؤسّسات بالجملة وصرف لآلاف الموظفين، واقتطاعات كبيرة من رواتب من بقوا في وظائفهم.

6-    المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق

أجرت مديرية الإحصاء واستطلاعات الرأي في المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق[14] استطلاعاً (نيسان 2020) يكشف عن تداعيات أوليّة للأزمة الإقتصادية وما تلاها من إقفال بسبب وباء «كورونا». حيث تبيّن أن 30,8 في المائة من المؤسسات صرفت عمّالها، و10,8في المائة خفضت عددهم. كذلك تبيّن أن أكثر من 33 في المائة من العاملين في القطاع الخاص انقطع راتبهم بالكامل و22في المائة خُفضت رواتبهم مع إبقاء نفس عدد ساعات العمل، و13في المائة خُفضت رواتبهم مقابل خفض عدد ساعات عملهم، مقابل 31,5 في المائة لم تمسّ رواتبهم. وعلى ضفّة المؤسسات، كشف الاستطلاع[15] أن مردود المؤسسات بدأ ينخفض، إذ إن أكثر من 51  في المائة انخفض مردودهم المالي بنسبة 50  في المائة وما دون، مقابل 49 في المائة انخفض مردودهم بأكثر من 50 في المائة.

 

No comments: