Tuesday, March 5, 2024

العوائق التي تمنع عودة النازحين الى سوريا ‏ معارضة المجتمع الدولي، وعودة النازحين بعيدة جداً..‏ محاضرة د. علي فاعور في ندوة المهرجان اللبناني للكتاب- انطلياس في 7 آذار 2024.

 

العوائق التي تمنع عودة النازحين الى سوريا ‏

معارضة المجتمع الدولي، وعودة النازحين بعيدة جداً..‏


ندوة في المهرجان اللبناني للكتاب- انطلياس 2024
......... بعنوان:" لبنان بين النزوح واللجوء، الاطر الكيانية والسياسات الوقائية"

محاضرة د. علي فاعور .‏
يوم الخميس في 7 آذار الساعة 4 بعد الظهر..

العوائق التي تمنع عودة النازحين الى سوريا

معارضة المجتمع الدولي، وتوقعات العودة بعيدة جداً.[1]

 د. علي فاعور: أستاذ الجغرافيا في الجامعة اللبنانية، وعضو المجلس الوطني للبحوث العلمية

   مقدمة 

        السؤال الذي يطرح نفسة اليوم في لبنان، وبعد مرور 13 سنة على بداية الأزمة السورية، وعلى ضوء الازمات التي يعانيها لبنان.... هل سيعود اللاجئون الى سوريا؟ وكيف يمكن إعادتهم الى ديارهم؟


     وبينما تعمل منظمات المجتمع الدولي على إدماج النازحين في لبنان، بالتعاون مع الهيئات والجمعيات المحلية... يتبيّن أن المجتمعات المُضيفة والفقيرة، قد فقدت القدرة على الاستيعاب والتحمّل، مما بات يستدعي البحث عن وسائل وحلول عاجلة، فإما اعادة النازحين الى سوريا، أو اعادة توطينهم في بلد ثالث على قاعدة تقاسم المسؤولية الدولية.. وذلك لحماية لبنان وتفادي حدوث الانفجار الاجتماعي القادم.

اولا- النزوح الطويل الأمد.. لماذا تتأخر عودة النازحين ؟

1- عودة اللاجئين مرتبطة باعمار المدن

    صدر تقرير عن البنك الدولي حول سوريا عام 2016،  يؤكد أن "السلام وإعادة الإعمار وجهان لعملة واحدة"[2] ، كما أعلن الرئيس السوري بشار الأسد حزيران 2023، أن "العودة مرتبطة بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن وتأهيل المرافق الخدمية"..

   بالمقابل فقد أظهرت تقديرات الأمم المتحدة "ان تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار، بينما بحسب تقديرات الجامعة العربية، فان "عملية إعادة اعمار المدن المدمرة في سوريا تُقدر بحوالي 900 مليار دولار".. وهى تُعتبر الفاتورة الأكبر في التاريخ الحديث لإعادة اعمار دولة مدمرة..

2- عودة اللاجئين مرتبطة بالحل السياسي  في سوريا

       قبل انعقاد مؤتمر بروكسيل عام 2017، أعلن الاتحاد الاوروبي عن خطة لإعادة إعمار سوريا، لكنه ربط ذلك بعملية  "انتقال سياسي حقيقي"،  ثم صدر قرار تصويت البرلمان الاوروبي  (في 12 تموز 2023)، بعدم الموافقة على عودة النازحين السوريين الى بلدهم، والمطالبة بحمايتهم في لبنان..

      وهذا ما أكد عليه الموقف الاميركي (منتصف شباط 2024)،  من خلال  تجديد الحصار  على سوريا، واصدار قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023"، وهذا التوجه لا يتطابق مع الموقف القُبرصي الأخير، حول  "اقتراح تعيين سوريا أو أجزاء منها مناطق آمنة، ما يسمح بإعادة السوريين إلى هناك"... بحيث يمكن وقف موجات الهجرة غير الشرعية عبر القوارب في البحر الى قبرص.

3- تراجع الدعم المالي للمانحين

     خلال المؤتمر الدولي السابع "مؤتمر المانحين الدوليين لسوريا" (حزيران 2023)، والذي انعقد في بروكسيل،  فقد اشتكى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الإغاثة في حالات الطوارئ ومفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي  من تراجع الدعم المالي والنقص في الأموال المخصصة للاجئين والدول المضيفة لهم، بحيث أن خطة المساعدات لسوريا والبالغة (5 مليار يورو)، كانت مموّلة بنسبة 11 في المائة فقط، أما الخطة المقترحة لمساعدة  الدول المستقبلة للاجئين، والتي تبلغ 5.3 مليار يورو فمموّلة بنسبة 10 في المائة فقط.

        كما واجه لبنان في المؤتمر السنوي للأمم المتحدة في نيويورك (ايلول 2023)، معارضة المجتمع الدولي وعدم الموافقة على عودة النازحين قبل الحل السياسي.

     لا بد من الاشارة أيضاً، الى أن أموال القروض والهبات التي كان حصل عليها لبنان من الدول المانحة، ومنها "أموال سيدر" عام 2018، كانت مشروطة بالتزام الانفاق على النزوح السوري..

وفي نهاية آذار2021، وخلال انعقاد مؤتمر “بروكسيل الافتراضي الخامس”، أعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ان لبنان قد  تحمّل كلفة قاربت 46.5 مليار دولار من جراء أزمة اللاجئين السوريين، وهي قد تجاوزت اليوم ال 50 مليار دولار... وهي تكاليف ضخمة توازي أكثر من عشرة أضعاف المساعدات الدولية..

 ثانيا-  الأسس والقوانين التي تضمن  حق السيادة الوطنية للدولة

       أمام هذا الواقع الصعب، لا بد للحكومة المسارعة قبل انفجار الأزمة، لوضع خطة متكاملة لرفع الحصار الجائر المفروض على لبنان واللبنانيين، وذلك باعتماد القوانين الدولية، والتي تكفل الحق السيادي للدول في ادارة الهجرة، وفق الآتي:

1. الاتفاقية الخاصة باللاجئين 1951، وحق السيادة الوطنية للدولة.

حول ترحيل  الذين يدخلون بطرق غير شرعية: يلاحظ أنه "ليس في أي من أحكام هذه الاتفاقية ما يمنع دولة متعاقدة، في زمن الحرب أو في غيره من الظروف الخطيرة والاستثنائية، من أن تتخذ مؤقتا من التدابير، بحق شخص معين، ما تعتبره أساسياً لأمنها القومي"..

2.  قانون تنظيم الدخول والاقامة في لبنان لعام 1962. 

الذي نصّ "على صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام"... كذلك بالنسبة لمعاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان"

3.  مذكرة التفاهم التي صدرت عام 2003 بين المفوضية ووزارة الداخلية والامن العام

وفق "مذكرة التفاهم" لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان كلاجئين، ذلك أن لبنان لم يوقع على اتفاقية اللاجئين العالمية في العام 1951، وبروتوكول العام 1967 التابع لها؛ ، كما ورد فيها أن عبارة "طالب لجوء" تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان"..

4. قرارالمجلس الأعلى للدفاع 2019

اتخذ المجلس بتاريخ 15/4/2019، عدداً من القرارات تشمل "ترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان عبر ممرات التهريب، ودون المرور بالمعابر الرسمية" 

      أن القوانين التي تضمن حق السيادة الوطنية للدولة، موجودة وشاملة، يبقى أن المشكلة تكمن في الانقسامات الداخلية القائمة وعدم المقدرة على تطبيق القوانين... وهذا ما أكده رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي (20/6/2022) خلال: إطلاق "خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022 – 2023، حيث طالب المجتمع الدولي بالتعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم والا فسوف يعمل لبنان على "إخراج السوريين بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم"...

ثالثا- المجتمع الدولي يضغط  لدمج النازحين و"تجنيسهم" في لبنان

      بعد قرار الحكومة اللبنانية وقف استقبال النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية عام 2014، والطلب الى المفوضية العليا للاجئين، بوقف تسجيل الوافدين الجدد، وطوال السنوات العشر الماضية، فقد استمرت الضغوط الدولية بتعطيل كافة المحاولات التي اعتمدتها السلطة الحاكمة، لتنظيم اعادة النازحين السوريين الى ديارهم، وذلك وفق الآتي:

1- مؤتمر برلين 2014: محاولة إرغام لبنان على توقيع اتفاقية اللاجئين

         عقد المؤتمر بمشاركة ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، والمانيا والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية، حيث أكد لبنان أنه فقد القدرة على الاستيعاب،  وبات على حافة الانفجار...   لكن البارز خلال المؤتمر هو تزايد الضغط على لبنان من أجل التوقيع على اتفاقية جنيف المتعلقة باللاجئين، والتي من شأنها أن تجعله "بلد لجوء"، بحيث يتم إصدار وثيقة ملزمة دولياً، على أن تصدر لاحقاً ببيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي...

     لكن لبنان أكد موقفه الرافض أنه  لم يوقع... ولن يوقّع على اتفاقية اللاجئين....

2- اجتماع الأمم المتحدة (الدورة 71) في نيويورك عام 2016

       قبل الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، فقد زار أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بيروت عام 2016، (أثناء الفراغ الرئاسي في لبنان)، يرافقه رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية، حيث طالب بدمج النازحين وتجنيسهم، كما تضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي  مون المطالبة بدمج اللاجئين في البلدان المضيفة، و"منحهمِ وضعاً قانونيّاً يُتيح لهم الفرصةَ ليُصبِحوا مواطنين بالتجنُّس"، على أن تتم مساعدة لبنان..  كذلك فقد تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تسهيل دمج اللاجئين وتوطينهم في البلدان المضيفة...

      ولمواجهة الضغوط الدولية، فقد اجتمعت الحكومة اللبنانية في ايار 2016، وأصدر مجلس الوزراء ولأول مرة  بياناً بالإجماع، يؤكد رفض توطين النازحين...

3- اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك عام 2017 .. وخطاب الرئيس الأمريكي ترامب :

      ورد في خطاب الرئيس الميركي، قوله «ندعم إعادة توطين اللاجئين في أقرب مكان من بلادهم».

حيث صدرت على الفور توصية اتخذها المجلس النيابي في جلسته التشريعية (20 أيلول 2017)،  تؤكد ما ورد في مقدمة الدستور اللبناني لجهة رفض التوطين.  

كما تضمّنت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أنه "لا توطين للاجئ أو النازح، مهما كان الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود لنا..وليس لغيرنا".

4- مؤتمرات "دعم مستقبل سوريا والمنطقة»

      لقد تم تجميع النازحين داخل سوريا وفي الدول المجاورة لحماية أوروبا، حيث انعقدت عدة مؤتمرات: الكويت (2013-2015)، لندن (2016)، برلين.. كما انعقدت سلسلة مؤتمرات في بروكسيل منذ 2017، حول دعم مستقبل سوريا، حتى المؤتمر الدولي السابع 2023.. ، حيث كان يتم التركيز على دمج النازحين "توطين مقنّع"، والربط  بين العودة والحل السياسي واعادة الاعمار، كما حصل عام 2018، ما أدى رفض رئيس الجمهورية والمجلس النيابي، ووزير خارجية لبنان.

      لقد تم تنفيذ مشروع الإدارة المتكاملة للحدود لمحاصرة اللاجئين في لبنان، ومنعهم من عبور البحر المتوسط نحو أوروبا.. وذلك بحسب ما أعلنه رئيس الخبراء في المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة " فيل جونسون" عام 2016، ان:  "الاتحاد الأوروبي يعتبر لبنان خط دفاع، ويمكننا القول إنّ حدوده قد تكون بداية حدود الاتحاد الأوروبي".

5- متابعة ملف النازحين في مجلس النواب

اجتمعت لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي في 19أيلول 2023، ناقشت خلالها موضوع النازحين السوريين..ولكن دون التوصل الى نتيجة لتضارب المواقف..

كما عقد اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين 10 كانون الثاني 2024، لدراسة مشروع قانون “تنظيم الإقامة المؤقتة وترحيل النازحين السوريّين في لبنان». ثم سافر وفد اللجنة الى الخارج لمقابلة مسؤولين في الاتحاد الاوروبي..

وقد اجتمعت لجنة الشؤون الخارجية النيابية مع مديرة منظمة الأونروا في لبنان (شباط 2024)، لمناقشة مسألة توقف الدعم  من الدول المانحة للاجئين الفلسطينيين، حيث تبيّن أن نحو 19 دولة تدرس مسالة وقف الدعم.. الذي يُقدم للمخيّمات الفلسطينية في لبنان (الدعم المالي المخصص لمساعدة 12 مخيّم فلسطيني في لبنان يبلغ 160 مليون دولار سنوياً)..

     وبحسب نتائج كافة الاجتماعات التي حصلت في مجلس النواب، فقد تبيّن.(بحسب محاضر مجلس النواب تاريخ 19/9/2023)، أنه "منذ العام 2011 لم يتم التقدم في معالجة هذا الملف مما يدعو الى التشاؤم، فالانقسام السياسي في البلد حول هذا الملف أدى تفاقم الازمة، ولا حل الا بموقف وطني جامع بعيد عن الحسابات الفئوية، فنحن بحاجة الى موقف وطني جامع تجاه المجتمع الدولي ومؤسساته وكيفية التعاطي مع الحكومة السورية".

       وهذا ما عبر عنه غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي في أحد الفصح الأخير (عام 2023)، حيث قال بصراحة كلية: "المجتمع الدولي يحمي اللاجئين السوريين على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية"...   ثم كلام وزير خارجية الفاتيكان، أمام الوفد البرلماني اللبناني الذي زاره  في 2018، حيث قال: أنّ «المجتمع الدولي» برّمته ضدّ عودة النازحين السوريين إلى وطنهم..".

6- دور المفوضية العليا للاجئين وعدم تطبيق القوانين الدولية

     على امتداد السنوات الماضية منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، فقد تم تطبيق عمليات دمج متكامل في المجتمعات المضيفة، تضمنت عمليات الدمج كافة المدارس الرسمية والخاصة، والعديد من المُستشفيات التي تعاقدت معها المفوضية،  (راجع خريطة توزيع التلامذة السوريين في المدارس الرسمية في مناطق: بيروت، جبل لبنان، البقاع وعكار...)،  وكذلك بالنسبة لأماكن السكن واستئجار المساكن، وتأسيس المراكز التجارية والمؤسسات، ثم أيضاً استئجار الأراضي الزراعية ومحلاّت بيع الخضار عند مداخل العاصمة وفي كافة الأحياء الفقيرة...

     حيث بدأت تبرز التوترات الأمنية نتيجة المنافسة في سوق العمل، وتزايدت المخاوف بين اللبنانيين نتيجة الخلل الديموغرافي القائم، وبخاصة في مناطق البقاع التي تعتبر المحطة الاولى لتدفقات النازحين عبر الممرات الجبلية عند الحدود البرية، حيث تتكوّن "العشوائيات الكبرى" في بلدات البقاع الاوسط  والبقاع الغربي، والتي تحوّلت بمرور الزمن الى أبنية من قب الياس الى بر الياس، ومجدل عنجر.. حيث تُقدم المفوضية  واليونيسيف مع غيرها من الجهات المانحة، الدعم والمساعدات النقدية للأساتذة ولمديري المدارس،  وللعديد من رؤساء البلديات وبمساهمة جمعيات أهلية محلية تعمل مع النازحين وتتلقى الدعم  لتسهيل عمليات استئجار الأراضي والقيام بمشاريع مائية وكهربائية وصحية لتحسين اوضاع النازحين.. ‏

والبارز أنّ الأموال التي تدفعها الجهات المانحة إلى مستحقيها في المدارس والمستشفيات ومراكز الرعاية الاجتماعية، تُحوّل مباشرة الى مستحقيها، وذلك دون أية رقابة أو تدقيق من وزارة المال والجهات الحكومية..

      نذكر أيضاً ظاهرة انتشار النزوح السوري في بلاد البترون، على امتداد:  كفر حلدا، بيت شلالا وبستان العصي.. حتى بلدة تنورين،  وغيرها من البلدات الواقعة في حوض نهر الجوز، في بلاد البترون حيث بدأت محاولة جماعية من الأهالي لإخلاء المباني السكنية من الوجود غير المنظّم وغير القانوني للنازحين السوريين الذين بدأت تتزايد اعدادهم بأضعاف عدد السكان المحليين..

        امام هذا الواقع وفي نهاية ايلول 2023، فقد حذر وزير الداخلية  في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، من أن ملف النازحين "يهدد ديمغرافية لبنان وهويته"، وقال: " لم يعد مقبولاً من مفوضية اللاجئين أن تبقى تعمل بمعزل عن أي اعتبار لوجود الدولة اللبنانية ولقوانين لبنان، وخصوصاً فيما يتعلق بتسليم قاعدة البيانات الخاصة بالنازحين السوريين إلى الأمن العام"..

      الدولة تبدو غائبة عن مواجهة ظاهرة انتشار  ودمج النازحين من قبل المنظمات الدولية التي تنفذ مخطط الدمج الواسع من خلال منح افادات سكن واقامات وكفالات عشوائية، مقابل استفادة بعض المالكين من تأجير الاراضي والمساكن،  بينما هي تعتمد السياسة الانتقائية في التعامل مع اللاجئين الأفارقة (من الصومال ومالي وإريتريا وإثيوبيا) في لبنان، وذلك في غياب السلطة اللبنانية ورغم قرارات وزارة الداخلية، حيث يتم ترحيل غير اللبنانيين، ما ادى الى مغادرة العديد من أسر النازحين الى بلدات أخرى في عكار وطرابلس، وبخاصة الى البقاع...

في هذا السياق يمكن الاشارة الى بعض المواقف:

       لا تطبق المفوضية الاتفاقية الدولية للاجئين 1951 ، لجهة التمييز بين اللاجئين والمهاجرين للعمل، وتصنيف النازحين بين طالب اللجوء والمهاجر الاقتصادي...

        في مؤتمر برلين عام 2014، فقد رفض لبنان أن يخضع لازدواجية المعايير المطبّقة على الاراضي اللبنانية، لجهة عدم تقيّد المفوضية العليا للاجئين بالقوانين الدولية، وعدم التنسيق في تطبيقها مع لبنان، وبحسب وزارة الخارجية في لبنان.. لماذا لا يتم التمييز بين اللاجئ والمهاجر  لطلب العمل: "كيف يحدث أن يحمل «نازح» سوريّ بطاقة نزوح وهو مزوّد في الوقت ذاته بإقامة للعمل؟"..

        أكد وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق رشيد درباس قبل عشر سنوات (نهاية عام 2014): "ان قرارات المفوضية العليا لا تتوافق مع المعايير التي حددتها الحكومة..  ان المفوّضية العليا المتواجدة على الأرض اللبنانية لا تحترم السياسة التي تعتمدها الدولة اللبنانية ثم يتابع: " ...أنا اخشى ليس التوطين وحسب، ولكن أيضاً الانفجار العام".

        كشف المدير العام للأمن العام اللواء بيسري عن وجود "لوائح موازية لتسجيل اللاجئين السوريين"، بهدف تقديم المساعدات اللازمة لهم، حيث تبيّن مؤخراّ أن المفوضية تخرّق القوانين اللبنانية وتخالف الاتفاق الموقع مع وزارة الداخلية عام 2003، لجهة اعطاء افادات سكنية للاجئين السوريين 

        كما كشف وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم، في تصريح من السراي الحكومي (نيسان 2023)، عن "37 ألف سوري دخلوا سوريا خلال فترة عيد الفطر، ثم عادوا إلى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد، بما ينفي عنهم صفة النازح" ...

 رابعاً- عوائق تمنع عودة النازحين السوريين

أجرت المفوضية دراسات استقصائية دورية منذ عام 2017 ، حول تصورات اللاجئين السوريين ورغبتهم في العودة الى سوريا.. حيث تبيّن أن:

1-   المساعدات النقدية  تمنع عودة النازحين

      تأتي في المقدمة، فهي تقدم بواسطة برنامج الأغذية العالمي واليونيسف والمفوضية والاتحاد النقدي اللبناني... وتشمل كافة أفراد الأسرة لتأمين أكلاف المعيشة، وهي تعنبر الشريان الحيوي لبقاء اللاجئين في لبنان. وبحسب المفوضية، "ستساعد البطاقة المشتركة أيضاً على تسهيل التواصل مع أكثر من مليون لاجئ سوري يتوزعون حالياً على 2,000 بلدة ومحلّة في لبنان".

·                    كما تشمل المساعدات: الحصول على التعليم، وتقديم الرعاية الصحية، ومساعدة الأطفال، مع دعم الأشخاص ذوي الاعاقة وكبار السن، ودعم المأوى..

·                   تنظيم برامج اعادة التوطين، واعداد لوائح للراغبين باللجوء الى دولة ثالثة بهدف الاقامة الدائمة. ثم تقديم المشورة والاعانة  من خلال المساعدة القانونية، ثم توفير كافة أشكال الحماية من خلال الابلاغ عن الاستغلال والاعتداء الجنسي، وأيضاً الابلاغ عن التعرّض للاحتيال، ولا سيّما التحذير من مخاطر الهجرة غير النظامية في المراكب عبر البحر...

·                    كل هذه المساعدات يفتقر اليها اللبناني في وطنه اليوم، وهو يواجه أزمة وجودية، ويهاجر للبحث عن الرزق خارج لبنان....

2-    الامم المتحدة توفر  الدعم المالي[3] والصحي والتعليمي والغذائي

  ان قرار الحماية الدولية والمساعدات المالية النقدية المخصّصة لعائلات النازحين في لبنان، هي التي تحول دون عودتهم الى ديارهم، كما أنها هي التي تشكل اليوم عوامل جذب أدت الى تدفقات جديدة من المهاجرين السوريين، بدأت تعبر الحدود للحصول على المأوى والمساعدات الموعودة...

وبحسب الإحصاءات التي أوردها وزير الشؤون الاجتماعية ، بان البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً يفيد منه نحو 70 ألف عائلة لبنانية فقط في مقابل 230 ألف عائلة سورية.

         كما كشف محافظ بعلبك الهرمل،  أن: "عدد النازحين السوريين في بعلبك – الهرمل وحدها بلغ 315 ألفاً، وهو أكثر بكثير من عدد اللبنانيّين القاطنين في المحافظة، والذي يبلغ حوالى 250 ألفاً". وان "هناك 450 ألف ربطة خبز مدعومة تُستهلك يومياً من قبل النازحين السوريين" .. وباننا "بحاجة لوقف تدفق النازحين السوريين عبر الحدود..

3-    مواقف النازحين حول الرغبة بالعودة

         منذ العام 2017 ، فقد أجرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،  دراسات استقصائية دورية وقد نُفذت الدراسة الأخيرة  بداية عام 2023، حول "تصورات اللاجئين السوريين ورغبتهم في العودة الى سوريا"..   حيث طُرح السؤال التالي: "هل تأمل في العودة إلى سوريا يومًا ما؟" ، وقد جاءت النتيجة أن 56 في المائة يرغبون العودة، مقابل 32 في المائة  لا يرغبون بالعودة، و11 في المائة لم يقرروا بعد..

كما سُجّل تراجع في الأمل بعودة اللاجئين الى سوريا خلال الاتني عشر (12) شهراً القادمة، فقد تبيّن بحسب نتائج الاستقصاء أن 94 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان "ذكروا صراحةً بأنهم لا يرغبون بالعودة إلى سوريا خلال الإثني عشر شهرًا التالية (كانت هذه النسبة 73 في المائة 2017، ثم 85 في المائة عام 2018)، وذلك في مقابل 1,1 في المائة فقط  أجابوا بنعم،  وخمسة في المائة بأنهم لم يقرروا بعد..

     توصلت الدراسة الى وجود اتّجاه تنازليّ في الرغبة بالعودة، حيث يتراجع الأمل في العودة،

4-    مواقف النازحين حول العقبات التي تعترض طريق العودة

  بحسب نتائج الدراسة الاستقصائية التي أجرتها المفوضية في سوريا لعام 2023، يتبيّن ان العقبات التي تعترض طريق العودة، تتوزع بحسب الأولوية  وفق الأتي:

        الافتقار إلى فرص سبل العيش والعمل في سوريا، وهي تأتي في المقدمة كعقبة أساسية في طريق العودة، وكان هذا العامل هو الاكثر ذْكراً بين النازحين..

        الحاجة الى الأمن والامان في سوريا:  ما زالت الامور الأمنية تؤثر بصورة كبيرة على اتخاذ قرار العودة، وهي تشمل:  النزاع القائم في بعض المناطق، ووجود الاطراف الفاعلة المسلحة، والافتقار إلى إنفاذ القانون.

      الافتقار إلى الخدمات الأساسية، مثل: الصحة، المياه، والكهرباء ولا سيّما المسكن،  وهي تصنّف أيضاً من بين أهم العقبات التي تواجه العودة الى سوريا..

   5- سياسة الحكومة  لتنظيم  عودة النازحين

     في عام 2014، قرر مجلس الوزراء وقف تسجيل النازحين لدى المفوضية العليا للاجئين، مع المباشرة بتنظيم احصاء شامل لأعداد النازحين وتوزيعاتهم بحسب المناطق اللبنانية، ثم وضع خطة عمل لتنظيم عودة النازحين الى سوريا.

       كما عقد مجلس الوزراء جلسة لمناقشة ملف النزوح السوري (11 ايلول 2023)، حيث اتخذ عدة قرارات، حيث طلب من وزارة الداخلية العمل على  "إجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم... ثم إزالة التعديات والمخالفات كافة على البُنى التحتية (كهرباء، ماء، صرف صحيّ، ..) الموجودة في أماكن إقامة النازحين، كما والتشدد بتطبيق قانون السير".

        ثم عقد مجلس الوزراء جلسه ثانية بتاريخ 12 تشرين اول 2023، حيث شكل وفداً برئاسة وزير الخارجية اللبناني، الذي زار سوريا بتاريخ 23 تشرين اول 2023، بعد فترة من التردد والمراوحة، والتقى وزير الخارجية والمغتربين في سوريا، وتم الاتفاق على عقد اجتماعات تنسيقية لاحقة...

        وخلال الجلسة  التي عقدها مجلس الوزراء (10/2/2024)، فقد تم اعادة تكليف وزير المهجرين شرف الدين بإعادة تفعيل ملف النازحين السوريين، لجهة التنسيق مع الجانب السوري..

عودة النازحين السوريين بعيدة جداً  

كما حصل في ملف اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، فقد تحوّل لبنان الى مخيّم كبير للنزوح السوري الطويل الأمد..

 وبعد ثلاث سنوات على بداية الأزمة السورية، فقد أجرى البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تقييم عاجل لتداعيات الأزمة السورية على الوضع الإقتصادي والإجتماعي في لبنان خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 2012-2014..

      وقد جاءت نتائج الدراسة صادمة للجميع، اذ تبيّن ان دولة لبنان تتكبد " ثمناً فادحاً وباهظاً نتيجة لكرمها وتسامحها وما اتبعته من سياسة الحدود المفتوحة التي قامت على الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين البلدين..

 خلاصة عامة

       كل هذا الجمود و"الفراغ السياسي الطويل"، وانتشار الفساد... يؤكد أن لبنان دولة هشّة، محاصرة في دائرة التوازنات الاقليمية والدولية، وبحسب المعطيات التي ذكرناها، فان عودة النازحين السوريين تبدو بعيدة جداً.. وبالتالي فقد بات لبنان اليوم أمام الخيارات الصعبة لصياغة مبادرة شاملة ترتكز الى مبادئ القانون الدولي الانساني، وتؤمن السيادة الوطنية، وتطبيق القوانين التي تحمي أرضه وحدوده، والخروج من دائرة  الحصار المفروض عليه، وتجاوز مرحلة الجمود والانقسامات الداخلية،  وذلك بالتنسيقالكامل مع الأمم المتحدة والدول العربية المجاورة، لتنظيم عمل كافة المنظمات العاملة على الاراضي اللبنانية، 

كما ان الخطوة الاولى في ملف اعادة النازحين تتطلب اعادة التواصل والتنسيق المباشر مع سوريا لوضع معالم خارطة طريق مشتركة  لتسريع خطوات العودة، وتنفيذها على مراحل للعمل على اعادة النازحين واللاجئين الى ديارهم،  والتخفيف من اعباء النزوح، وتطبيق القوانين التي تضمن سيادة البلدين..

لعنة الجغرافية.. والسنوات العشر القادمة سوف تغيّر وجه لبنان
        في النهاية أرقام مخيفة في الخرائط التي تنشرها المفوضية... لبنان يتغيّر .. ينهار... بينما أهله يهاجرون، وأبناؤه يبحثون عن وطن بديل..

      منذ إعلان دولة لبنان الكبير، وطوال نحو 100 عام،  فقد فشل النظام السياسي في تنظيم جغرافية لبنان في حدودها الحالية، وبينما شكلت الجغرافية عناصر قوة في طبيعة لبنان الجبلية من جبل لبنان إلى جبل عامل، وبدل أن يتحول الموقع الجغرافي إلى نعمة للبنان، فقد حلّت لعنة الجغرافية على اللبنانيين بفعل الإنقسامات الداخلية وأطماع الدول الكبرى والنزاعات في الشرق الأوسط..  

      لبنان "حقل تجارب" للتدخلات الخارجية، ولديه قيادة  عاجزة مُنقسمة على الحصص. حيث يتم تأجيج الصراعات الداخلية واستغلال حاجة القيادات اللبنانية الى غطاء دولي يحميها...

    لقد أنشأت المفوضية مع المنظمات الدولية التابعة لها، على امتداد السنوات ال 13 الماضية، وعلى انقاض الدولة المتصدعة "مخيّم كبير" لرعاية اللاجئين، لا مثيل له في العالم منذ انشاء المفوضية عام 1951، فهي تتولى مهام الدولة لجهة اعطاء افادات سكنية لتسجيل اللاجئين.. ما ادى الى تكاثر أعدادهم، مع المهاجرين غير الشرعيين؛ والمكتومين، وغير المجنسين، وحتى لا ننسى مراسيم التجنيس (وبخاصة عام 1994) التي بدأت تتزايد خلال العهود الرئاسية الأخيرة في لبنان... وهي تشكل مجتمعة قنبلة ديموغرافية  زمنية..

     ولا شك أن هناك سيناريوهات للتوطين تتم دراستها ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد، وهي أكثر رعباً كونها تهدف إلى توتير الداخل  لتغيير التوازن الديموغرافي في لبنان... وتعديل الصيغة اللبنانية المتنوّعة القائمة بين الطوائف.. بحيث بات الوجود المسيحي في خطر...

والسنوات العشر القادمة سوف تغيّر وجه لبنان.

[1] دراسة قًدمت في ندوة المهرجان اللبناني للكتاب، التي نظمتها «الحركة الثقافية - أنطلياس"،  حول:  "لبنان بين النزوح واللجوء: المخاطر الكيانية والسياسات الوقائية"،  وذلك نهار الخميس في 7 آذار 2024 في مسرح الاخوين رحباني دير مار الياس - انطلياس.

[2]  تقرير البنك الدولي عام 2016 "نظرة مستقبلية اقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يدعو التقرير المنظمات التنموية إلى تبني خطة إعادة إعمار شاملة وجامعة، حيث لا يمكن أن تكون إعادة إعمار  مرتبطة بمشاريع البنية التحتية وحدها؛ بل يجب العمل لتخفيف التوترات الأمنية  المتزايدة في المخيّمات واماكن انتشار النازحين..

[3]  لم يحصل لبنان على الدعم المالي من الهيئات الدولية والجهات المانحة، التي فضلت التعامل والتنسيق مع الهيئات الحكومية المحلية، بما في ذلك وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، ووزارة التربية، الى جانب الهيئة العليا للإغاثة، التي كانت تنسق في تسجيل النازحين الوافدين الى لبنان.