العرب وتحديات التنمية
البشرية
د. على فاعور * مقالة
منشورة في جريدة السفير الثلاثاء في 9
تموز 1996.
وذلك بمناسبة اليوم العالمي للسكان المقرر في ١١
تموز 1996،
مع تطور عصر المعلومات، وفي بداية العقد
الأخير من القرن الحالي (العشرين)، اكتشف العالم مجال التنمية البشرية حيث أصدر
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التقرير الأول حول التنمية البشرية لعام ۱۹۹۰.
وبعد مضي أكثر من خمس سنوات، لا زال السؤال
الأساسي مطروحا، ما هو معيار
التنمية البشرية، ولماذا يعيش الناس حياة أطول من غيرهم في بعض الدول، وكيف يمكن
تحقيق التنمية للناس ؟
ومع بداية كل عام تنكشف لنا حقائق جديدة في مجال التنمية، كان آخرها اعتماد
مؤشر الجنسين في قياس التنمية لجميع الناس
من دون تمييز بين الرجل والمرأة بحيث اصبح الناس محور التنمية، ومحور الاهتمام،
وهم الثروة الحقيقية للمجتمع، وتحولت عملية التنمية نحو الإنسان، فاصبحت عملية
تمكين لجميع الناس من دون من تميز بينهم، وذلك لكي ينعموا بحياة طويلة وصحية وخلاقة.
لقد ارتكز دليل التنمية البشرية الجديد
على مؤشرات متنوعة وشاملة، اذ لم يعد الدخل الفردي وحده كافيا برغم اهسته، فهي
تتضمن أيضا طول العمر، والتحصيل العلمي وحالة الفقر والبيئة، وممارسة والوضع
السكني والصحي، وه العمل، وأخيرا تمكين المرأة، وتوفير الحرية لتوسيع الخيارات
أمام الناس.
وبينما يتاهب العالم اليوم، وفي
نهاية القرن العشرين الدخول الألف الثالث بعد الميلاد، وذلك عبر لقاءات وقمم
عالمية من القاهرة إلى كوينها عن وسيجين، وغدا في يوليو / حزيران ١٩٩٦ الى قمة
المدن في اسطنبول . بين هذه المحطات الكبرى تبدو هذه الندوة حول التنمية البشرية. (مصر
وتونس والمغرب.... كمراجعة بل محاولة جادة لتحديد موقع المنطقة العربية في مجال
التنمية البشرية ، ثم تعيين مكان الإنسان العربي بين مؤشرات التقدم ومؤشرات
الحرمان، ولا بأس في عصر المعلومات، حيث أصبح كوكب الأرض اليوم كقرية كونية صغيرة،
من كشف حساب لاستكشاف أفاق الألف الثالث والاستعداد لوضع مذكرة عربية، بل صياغة
سياسة انمائية مناسبة لدخول القرن الحادي والعشرين..
فما هو موقعنا في المنطقة العربية، وماذا
أنجزنا، وكيف يمكن التعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهنا بل أن جودة الحساب التي أجريتها، ووفق المعلومات الأخيرة
المتوفرة لعام ١٩٩٥ ، تبيّن أن بعض الدول العربية قد انجزت الكثير في مجال التنمية
البشرية، وذلك بفضل امكاناتها ومواردها،
لكن الطريق لا زالت طويلة أمام الدول العربية الأخرى لبلوغ عتبة الكفابة التي
استحقتها ودخلتها الدول المتقدمة.
وهكذا وفق تقرير التنمية البشرية لعام ١٩٩٥،
والذي شمل ١٧٤ بلدا، فقد تمكنت أربع دول
عربية في البحرين والإمارات العربية وقطر والكويت من بلوغ مرحلة الدول ذات التنمية
البشرية المرتفعة وعددها 14 بلدا، بينما صنفت خمس دول أخرى ضمن مجموعة البلدان ذات
التنمية البشرية : وفي اليمن وجزر القمر والسودان وموريتانيا والصومال، أما بقية الدول
العربية فقد تم تصنيفها ضمن مجموعة البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة.
ويستدل من التصنيف العام، أننا أمام
فروقات شاسعة بين بلدان المنطقة العربية، وهي تتمثل بالتفاوت الكبير بين المؤشرات
الاجتماعية والاقتصادية. ومن ضمن الانجازات الهامة في المنطقة العربية، في ارتفاع
العمر إلى أكثر من ٦٥ عاما في ١٢ بلدا (لعام (۱۹۹۲)، وذلك بالمقارنة بمتوسط قدره ٤٥
عاما لعام ١٩٦٠، كما ارتفع معدل لك ارتفع معرفة القراءة والكتابة بين 1 البالغين
وكذلك النائم نتيجة المحلي الحقيقي، وحدث تقدم في مجال مشاركة المرأة اصبحت
المدينة العربية منقسمة اليوم إلى مدينتين وانخفض معدل وفيات ات الرضع الى ثلث ما
كان عليه تقريبا، كما انخفضت معدلات الخصوبة نتيجة السياسات السكانية الناجحة في
بعض البلدان العربية
وفي المقابل والبلوغ عتبة الكفاية لا
زالت المسافة طويلة جدا، خصوصا بالنسبة إلى بعض الدول العربية التي تواجه مشكلات
الفقر والحرمان من دون أن تتمكن من توفير الخدمات الضرورية للسكان، ويكفي أن تذكر
بعض العناوين كمؤشرات للحرمان البشري في المنطقة العربية حيث يوجد:
·
٤٠ مليون نسمة من دون خدمات صحية.
·
60 مليونا من دون مياه مامونة.
·
٧٠ مليونا من دون خدمات الصرف الصحي.
٨٠ مليونا أميون و ٥٠
مليونا اميات..
ثم ٥.٧ مليون طفل دون خمس سنوات ويعانون من سوء التغذية.
وذلك من أصل ٢٥٥ مليونا، هم مجمل
سكان العالم العربي لعام ١٩٩٥.
ان انتشار الفقر وسوء التغذية وانتشار البطالة. وارتفاع معدلات الأمية خصوصا بين
النساء، هي بمثابة تحديات حقيقية
للأمن الاجتماعي، كما أنها قد تتحول إلى عوامل متفجرة تسهم في عدم الاستقرار
وانتشار العنف وهدر الموارد. أما العوائق الأساسية للتنمية البشرية فيمكن تحديدها
كما يأتي:
·
الزيادات السكانية المرتفعة في معظم
الدول العربية. وهي تمثل أعباء ضخمة تفوق . حركة التنمية
وتؤدي الى اتساع دائرة الفقر.
اختلال التوازن في التوزيعات
المكانية للسكان، ونمو المدن الضخمة، وتكون المجمعات العمرانية الكبيرة، مما يحول
دون توفير الحاجات الاساسية للسكان، بحيث اصبحت المدينة العربية اليوم منقسمة الى
مدينتين واحدة للأغنياء والثانية للفقراء.
·
اتساع الفجوة الغذائية خصوصا بالنسبة
إلى واردات الحبوب وبعض
السلع الغذائية، والتي تقدر بأكثر من 10مليارات دولار سنويا ( بلغت ١٤ مليارا عام ١٩٩٢).
·
تزايد أعباء المديونية الخارجية، وقد
بلغ مجموع الدين العام الخارجي القائم للدول العربية المقترضة عام ۱۹۹۲ ، نحو ١٥٣ مليار دولار ( وهناك تسع
دول عربية مصنفة بين الدول المثقلة بالديون).
·
انتشار التصحر بحيث تبلغ مساحة
الأراضي المتصدرة ٩٠٨ مليون كلم .. ، وذلك من
أصل مجمل مساحة العالم العربي والبالغة ١٤ مليون كلم
..
·
انتشار الأمية وعدم كفاية الخدمات
الصحية، وضعف شبكات الصرف الصحي.
·
انتشار البطالة وتوسع دائرة العمل
الهامشي خصوصا في المدن الكبرى، بحيث ان
الأرقام المتداولة قد باتت لا تعبر عن حقيقة الأوضاع السائدة.
·
تزايد الطلب على المياه وظهور بوادر العجز المائي والمقدر في المنطقة
العربية بحوالي ٣٠ مليار م٣ عام ٢٠٠٠ ، ثم ٢٨٢ مليار م ٣ عام ٢٠٣٠ .
هذه جردة عناوين موجزة حاولت تعدادها، مما يستوجب العمل لتحديد الأولويات المطلوبة في السياسات
الإنمائية، وهي تتمحور كما يأتي:
·
زيادة الاستثمار في المجال الاجتماعي
وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة، وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي
والتي لا زالت تمثل أقل من واحد في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في معظم الدول العربية.
·
تخفيض النفقات على الدفاع والاتفاق العسكري، والتي تمثل أضعاف
بعض الاتفاق على التعليم والصحة في بعض الدول العربية، وتحويل هذه الاموال الى
الاستثمار الاجتماعي.
·
السعي إلى ردم الفجوات القائمة بين
الريف والمدن وتشجيع العودة إلى الأرض والزراعة والانتاج.
لقد قال غاندي كلمته المشهورة لا يمكن
مواجهة العنف بحضارة المصانع، بل بقرى مكتفية ذاتيا ...
د. علي فاعور
استاذ في الجامعة اللبنانية
No comments:
Post a Comment