Saturday, February 13, 2021

موجات مقبلة من الهجرة: لبنان في خطر وجوديّ

 

موجات مقبلة من الهجرة: لبنان في خطر وجوديّ


لم يكن مفاجئاً ما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان في 27 آب 2020 بعد كارثة بيروت الكبرى: «إن لبنان يواجه خطر زوال الدولة بسبب تقاعس النخبة السياسية التي يتعيّن عليها تشكيل حكومة جديدة سريعاً لتنفيذ إصلاحات ضرورية للبلاد». وأضاف: «البلد على حافة الهاوية. نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر. هناك شباب قلق وبطالة واسعة، كما أن التضخّم مروّع ومذهل… نحن لن نوقع شيكاً على بياض لحكومة لا تنفذ الإصلاحات التي بات يعرفها الجميع».


إنه موسم الهجرة
تُعدّ كارثة بيروت واحداً من أكبر الانفجارات في تاريخ البشرية. فقد أسقط انفجار في مرفأ بيروت نحو 200 شهيد و6000 جريح، بالإضافة إلى أضرار مادية بالغة أصابت ما بين 50 ألفاً إلى 60 ألف مسكن ومكتب ومؤسّسة تجارية، وتشريد أكثر من 300 ألف مواطن تضرّرت منازلهم، ما أدّى إلى إعلان بيروت مدينة منكوبة وإعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوعين بدءاً من مساء الثلاثاء 4 آب 2020.
جاءت هذه الكارثة فوق أزمات اقتصادية واجتماعية، وانتشار وباء كورونا في معظم المناطق، ما أدّى إلى ارتفاع أعداد المغادرين عبر المطار خلافاً للفترة التي سبقت انفجار 4 آب. فالأرقام التي نشرتها «الشركة الدولية للمعلومات» تشير إلى أن عدد اللبنانيين الذين سافروا في عام 2019 ولم يعودوا وصل إلى 61,924 لبنانياً مقارنة مع 41,766 لبنانياً خلال الفترة ذاتها من عام 2018، أي بزيادة 20,158 مواطناً وما نسبته 42%. إلا أنه مع بداية 2020 وحتى نهاية شهر آب، تزايدت حركة المغادرين ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت، فانخفض متوسط عدد القادمين بنسبة 12,3%، بينما ارتفع متوسط عدد المغادرين بنسبة 36%. ولوحظ تسارع وتيرة هجرة الشباب الذين سارعوا إلى تقديم طلبات الهجرة واللجوء إلى كندا وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية وبعض دول أوروبا، مروراً بتركيا وقبرص واليونان، علماً بأن موجة الهجرة الأخيرة، شملت لبنانيين يملكون جنسيات أخرى خرجوا من لبنان رغم تفشّي فيروس كورونا، فانتظروا فتح أبواب بعض الدول أمام اللبنانيين.
التوقعات تشير إلى أن لبنان سيكون أمام موجات جديدة من الهجرة نتيجة تسارع وتيرة الانهيار المالي، وفي ظل غياب الاستقرار السياسي والقلق الأمني.

مؤشرات الموجات المقبلة
ثمة الكثير من المؤشرات عن حصول موجات كثيفة من الهجرة خلال الأسابيع المقبلة. قبل وقوع كارثة المرفأ، كشف الصحافي الفرنسي كريستيان شين، وهو يعمل لمصلحة إذاعة فرنسا الدولية، «أن السفارة الفرنسية في بيروت لم تشهد في تاريخها كمّاً من طلبات الفيزا كالذي تشهده اليوم للبنانيين راغبين في مغادرة بلدهم». وكانت الخارجية الفرنسية أعلنت أنّ «فرنسا قرّرت استثنائياً، إصدار التأشيرات للمواطنين اللبنانيين المقيمين في لبنان، من دون أي قيود». تُعدّ فرنسا الدولة الاكثر اهتماماً بلبنان، بسبب طبيعة العلاقات التاريخية معها.
أما في كندا، فقد صدر أيضاً موقف مماثل عن وزير الهجرة واللاجئين، حول تشكيل فريق خاص لتقديم الخدمات القنصلية، والبتّ السريع في كل طلبات الهجرة، لتمكين «اللبنانيين الموجودين مؤقتاً في كندا (زيارات أو تأشيرات سياحية) من تمديد إقاماتهم فيها في حال كانوا عاجزين عن العودة إلى بلادهم بفعل التفجير».

43.764

هو عدد المسافرين من لبنان بشكل نهائي خلال فترة لا تتعدّى الاثني عشر يوماً بعد انفجار مرفأ بيروت بحسب إحصاءات «الدولية للمعلومات»


أما محلياً، فقد أكّد متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، في عظة يوم الأحد 30 آب 2020، أنّ «شَبَح الهجرة عاد يخيّم في ربوعنا لأنّ شابات هذا البلد وشبابه لم يعودوا يَـرَوْن في لبنان وطناً... والإحصاءاتُ التي تتحدثُ عن هجرة العائلات مخيفةٌ، لكنّ المسؤولين لا يأبهون، لأنّ مشاغلهم ومراكزهم ومصالحهم أهمُّ من حياةِ الناس ومستقـبلِهم».
تُضاف إلى كل ذلك، حالات التهريب و«الهجرة السريّة» الأخيرة عبر «قوارب الموت»، ولا سيّما على ساحل مدينة طرابلس وشمال لبنان، للهروب بحراً في اتجاه قبرص وتركيا واليونان. فقد زاد انفجار مرفأ بيروت من يأس وإحباط الشباب اللبناني المطالب بالتغيير، وخصوصاً بعد الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019.
كذلك تفيد تقارير من مصادر رسمية متنوّعة ومراجع روحية، عن وجود حجوزات بالآلاف لمغادرة لبنان جلّهم من الشباب، وعائلات بكاملها وخصوصاً من المسيحيين من بينهم العائلات المتضررة من انفجار المرفأ التي تسعى لبيع ممتلكاتها ومغادرة لبنان بسبب الدمار الواسع في مناطق بيروت الأولى (المرفأ، مار مخايل، الصيفي، المدوّر، الرميل والأشرفية)، ونظراً إلى ضعف المساعدات المخصّصة لترميم الأبنية التي تهدّمت.
هذا النمط محفّز بحالة الإحباط والخوف من التدهور الأمني وتداعيات الصراعات السياسية الحادّة، ومحاصرة لبنان وتوقف المساعدات الخارجية، وبانتشار البطالة والأزمة المعيشية الناتجة من الارتفاع الكبير لسعر الدولار واحتجاز أموال المودعين في المصارف.
علماً بأن هناك جهوداً لدعم المدارس الكاثوليكية والبعثات والإرساليات الأجنبية التي تواجه أزمات اقتصادية ومالية حادّة.
أخيراً، أعدّت مجموعة البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، تقريراً بعنوان «تقييم سريع للأضرار والاحتياجات في بيروت»، يقدّر قيمة الأضرار والخسائر بنحو 8.1 مليار دولار كحدّ أقصى، ما يتطلب إعطاء الأولوية لإعادة بناء أَهراءات الحبوب في المرفأ، وإعادة تأهيل مستودع الأدوية المركزي، وضمان إمداد الفئات الأكثر عرضة للمخاطر بالأدوية الأساسية واللقاحات.



أنقر على الرسم البياني لتكبيره


دوافع ثابتة بوتيرة متسارعة
يتبيّن من مقارنة أعداد الوافدين والمغادرين في أعوام 2011 – 2013، أن صافي هذه الحركة أسفر عن خروج نهائي لنحو 174,704 أشخاص بمعدل سنوي يبلغ 58,234 شخصاً. في فترة أعوام 1995 - 2010، كان المتوسط السنوي لحركة السفر الصافية 14,560 شخصاً، ما يعني أن نسبة الزيادة بين الفترتين كانت مرتفعة جداً وبلغت 300%. كمحصّلة إجمالية لحركة سفر اللبنانيين، بلغ عدد الذين غادروا لبنان كمتوسط سنوي في فترة 2011-2013 نحو 50,807 مواطنين.
أسباب الهجرة واضحة المعالم، إذ تبلغ نسبة المهاجرين بحثاً عن عمل نحو 53%، بينما يهاجر %28 بسبب الأوضاع الأمنية وخصوصاً من الشباب. وتشمل موجات الهجرة مختلف الطوائف وبخاصة من المسيحيين إذ يهاجر %37 منهم لأسباب أمنية.
وتشير أرقام لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الأسكوا»، إلى تضاعف نسبة الفقر في لبنان. فقد ارتفع خط الفقر الوطني من 28% عام 2019 إلى %55 حتى أيار 2020. كذلك، ازدادت نسبة الفقر المدقع من 8% إلى 23%، علماً بأن هذه النسبة ستتزايد بعد انفجار مرفأ بيروت ويتوقع أن تصل إلى 70%.
ويتبيّن بحسب تقديرات البنك الدولي حتى منتصف عام 2020، أن نسبة الفقر في لبنان قد بلغت 52%. ومع تزايد معدل الشباب اللبناني العاطل عن العمل، يدخل إلى سوق العمل اللبنانية نحو 30 ألف فرد سنوياً. استيعابهم يتطلب خلق أكثر من 6 أضعاف عدد الوظائف الموجودة أساساً، علماً بأن متوسط صافي فرص العمل المتاحة يبلغ نحو 3500 وظيفة فقط. وللمقارنة، كان معدل البطالة 11% قبل الأزمة السوريّة، لكنه ارتفع إلى 36% في مطلع عام 2019 أي أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 660 ألف شخص بنسب متفاوتة بين المناطق.
لكن الأزمة تفاقمت اليوم والأرقام إلى ارتفاع. ففي دراسة جديدة لتقييم أثر جائحة كورونا صادرة عن الإسكوا في 30 آب 2020 بعنوان: «هل من خطر على الأمن الغذائي في لبنان؟»، يتبيّن أن الواقع خطير لأن نصف سكان لبنان لن يتمكنوا من الوصول إلى حاجاتهم الغذائية بحلول نهاية العام لأن لبنان «يعتمد بشدة على الواردات الغذائية لتأمين حاجات سكانه». وتقول الدراسة إنه بعد انفجار المرفأ وانهيار قيمة الليرة بنحو 78%، وتدابير الإقفال التي اتُّخذت لاحتواء جائحة كورونا، والارتفاع الحاد في معدلات الفقر والبطالة «قد يتعذر على نصف السكان الوصول إلى حاجاتهم الغذائية الأساسية بحلول نهاية العام»، ما بات يهدد الأمن الغذائي ويدفع اللبنانيين إلى الهجرة.
وللمقارنة أيضاً، يمكن الرجوع إلى دراسة إحصائية أجرتها مديرية الإحصاء المركزي عن عامَي 2018 و 2019 تبيّن فيها أنّ الدخل الشهري لـ72% من مجموع الأُسر في لبنان، هو أقل من 2,200,000 ليرة بحسب السعر الرسمي للدولار أي 1515 ليرة لكل دولار. وتقول الدراسة إن معظم هذه المداخيل هي حصيلة أجور، علماً بأنّ دخل أكثر من ثلاثة أرباع العاملين هو بالليرة اللبنانية. وبما أنه منذ نهاية عام 2012 لم يتم تعديل للأجور بالنسبة إلى غالبية العمال، بات ثلاثة أرباع العاملين دون خط الفقر بسبب انخفاض قيمة الليرة. وصار نحو نصف اللبنانيين يعتمدون على المساعدات المادية التي تصل إليهم من أبنائهم في بلدان الاغتراب.
يشهد لبنان منذ الاستقلال تدفّقات ضخمة من الهجرات الإحلالية تضمّ العمال الوافدين من العرب والأجانب واللاجئين الذين باتوا يمثّلون نحو نصف السكان المقيمين، علماً بأن مخزون الهجرة الإحلالية يبلغ نحو 3.7 ملايين نسمة


وتتفاقم الأزمة أكثر لمن لا يتوفر لديهم التأمين أو الضمان الصحي وعددهم مليون و 800 ألف لبناني.
رغم خطورة هذا الواقع، لم تقدم الحكومات المتعاقبة أي خطة إنقاذية لانتشال اللبنانيين من واقعهم، بل على العكس تفاقمت الصراعات السياسية على الحصص والنفوذ، كما تم تجاهل الحقائق والأرقام، بينما كانت تتوسع دائرة الفقر في مختلف المناطق كما عادت تتكوّن أحزمة البؤس حول المدن الكبرى، وخصوصاً في بيروت وطرابلس التي تعتبر أفقر مدينة على ساحل البحر المتوسط.

تحويلات مالية وتحوّلات ديموغرافية
تشير دراسة أعدّها البنك الدولي، إلى أن العمال المهاجرين في الخارج يرسلون مبالغ نقدية كبيرة من المال إلى أسرهم كل عام. ويتبين وفق استقصاء أجراه معهد بيو في عام 2007 حول المواقف العالمية من الهجرة، ويشمل السكان في 36 دولة من البلدان النامية، أن لبنان جاء في المرتبة الأولى، ذلك أن 47% المشمولين بالاستطلاع يتلقّون المال من أقاربهم، ويليه بنغلادش ، ودول أفريقيا (مالي، نيجيريا، السنغال، إثيوبيا…) وهي تتلقّى المال من أقارب يعملون في بلدان أخرى.
ومع وجود التفاوت في التقديرات، إلا أن ما تخفيه الأرقام داخل لبنان، تكشفه البيانات في الخارج حول عدد اللبنانيين المهاجرين في بلاد الاغتراب، وبخاصة بالنسبة إلى الذين هاجروا في الفترة الأخيرة، فالدراسات على اختلافها وتنوّعها، تُجمع على أن لبنان يهاجر، ويخسر موارده البشرية.
وفي مقابل خسارة الموارد البشرية، يشهد لبنان تدفق موجات ضخمة من اللاجئين، من الفلسطينيين (منذ نكبة فلسطين عام 1948)، والعراقيين (منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003)، والسوريين (منذ بداية الأزمة السورية منتصف عام 2011)، وطالبي اللجوء، تضاف إليها الهجرات غير الشرعية، وهم يتوزعون اليوم على مختلف الأراضي اللبنانية. المقارنة بين أعداد اللاجئين وعدد اللبنانيين المقيمين في القرى والبلدات المستقبلة، تظهر أن التجمعات المضيفة قد فقدت قدرتها على التحمّل والاستيعاب.



خطر وجودي
منذ إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام 1920، وطوال نحو 100 عام، فشل النظام السياسي في تنظيم جغرافية لبنان بحدودها الحالية رغم صغر المساحة. وبدلاً من أن يتحوّل الموقع الجغرافي إلى نعمة للبنان، حلّت لعنة الجغرافيا على اللبنانيين بفعل الانقسامات الداخلية والنزاعات في الشرق الأوسط. ففي مقابل استنزاف الموارد البشرية وهجرة الشباب، يشهد لبنان منذ الاستقلال تدفقات ضخمة من الهجرات الإحلالية التي تضمّ العمال الوافدين من العرب والأجانب، واللاجئين من البلدان المجاورة، وكذلك الهجرة غير الشرعية، ثم تزايد عدد الأشخاص العديمي الجنسية. كل هؤلاء يمثّلون نحو نصف السكان المقيمين. أجرينا سابقاً، دراسة مفصّلة عنهم أظهرت أن حجم مخزون الهجرة الإحلالية يبلغ نحو 3,7 ملايين نسمة معظمهم لاجئون (أكثر من 70%) ومن الفئات الضعيفة من السكان، ما يشير إلى التغيير السريع في التركيبة السكانية لـ«دولة لبنان الكبير» المكوّنة من طوائف وأقليات، ويشكّل خطراً على مستقبل الدولة ويؤدّي إلى تفككها.
لقد فشل لبنان حتى الآن في إدارة ملف النزوح السوري، كما فشل سابقاً في إدارة ملف اللاجئين الفلسطينيين، الذين تخلى عنهم المجتمع الدولي، وهو اليوم الدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد لديها تعداد سكاني منذ عام 1932 حتى إننا لا نعرف عدد سكان لبنان، ولا عدد الساكنين فيه. كل ما بقي لدينا هو سجلات المقيمين لأجدادنا الموزّعة بحسب دوائر النفوس في المحافظات، حيث يتم تسجيل الولادات والوفيات، وهي المصدر الوحيد الذي نعتمده في تكوين لوائح الشطب للانتخابات البلدية والنيابية، بينما لا تهمنا أماكن إقامة السكان ولا التوزيعات السكانية بين المدن والأرياف، وبين اللبنانيين وغير اللبنانيين، كما أننا لا نعرف عدد المغتربين ولا توزيعاتهم.
كمحصّلة إجمالية لحركة سفر اللبنانيين، بلغ عدد الذين غادروا لبنان كمتوسط سنوي في فترة 2011-2013 نحو 50.807


في عام 2015 كتب نائب رئيس البنك الدولي فريد بلحاج عندما كان يشغل منصب مدير دائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي مقالة بعنوان: «للكرم حدود»، جاء فيها: «من يساعد لبنان والأردن على إيواء اللاجئين السوريين؟ في ما يتعلق بلبنان، فهو يشهد تحوّلاً ديموغرافياً غير مسبوق، فقد تزايد سكانه من 4,2 ملايين نسمة إلى 5,5 ملايين في أقل من ثلاث سنوات. لقد أصبح 25% من سكانه حاليا سوريين. وفيما تمضي الأيام، تتفاقم مشكلة اللاجئين وتتجاوز حدود الكرم. ولنتخيل فقط تدفق كل سكان المكسيك إلى الولايات المتحدة في عامين. ولنتخيل فقط عبور 20 مليون شخص البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا. لنتخيل فقط».
هكذا يتبيّن أن التحولات الديموغرافية المتسارعة ستؤدي خلال سنوات قليلة إلى تغيير وجه لبنان. وبنتيجة تقاعس المجتمع الدولي وفشل الأمم المتحدة في حل النزاعات، ثم تخاذل وإهمال وعدم توافق اللبنانيين في ما بينهم، فقد تحول لبنان إلى دولة هشّة (بحسب تعبير البنك الدولي)، وهو يغرق اليوم في تغيير ديموغرافي لا سابق له تاريخياً. فمن جهة يتناقص عدد السكان اللبنانيين نتيجة نقص الخصوبة وانتشار الشيخوخة والهجرة. ومن جهة أخرى، أصبح لبنان بتشجيع ودعم أمني أوروبي وأميركي، خزاناً للمهاجرين غير الشرعيين، والمكتومين من دون جنسية، واللاجئين والمشردين الوافدين من البلدان المجاورة لإبعاد الخطر عن أوروبا. وإذا استمر المجتمع الدولي في تقاعسه، وهو يعمل لحماية هذا الخزان البشري من الانفجار، وفشل اللبنانيون في حماية بلدهم بفعل الانقسامات السياسية، فإن لبنان اليوم أمام خطر وجودي والثمن سيكون باهظاً جداً.

* أستاذ جامعي وخبير في شؤون السكان والهجرة



ظاهرة هروب الأدمغة
لا بدّ من الإشارة إلى السمة الأساسية في هذه الظاهرة، أنها هجرة أدمغة من أطباء ومهندسين وأصحاب مهارات، بحثاً عن وطن بديل، إذ يُصنّف لبنان في المرتبة الـ 113 بين 144 دولة في العالم نسبة إلى ظاهرة هجرة الأدمغة مع ارتفاع نسب المهاجرين من الجامعيين (44%)، ما أدى إلى خسارة لبنان للموارد والمهارات البشرية.
ويُراوح عدد المهاجرين اللبنانيين والمغتربين من أصل لبناني، المنتشرين خارج لبنان في بلدان العالم ما بين 8 ملايين و 12 مليون نسمة، أو ما يزيد عن ضعف عدد اللبنانيين المقيمين في لبنان. يشمل هذا العدد، المهاجرين منذ القِدم مع أنسبائهم وأحفادهم من جميع الطوائف وخصوصاً المسيحيين الذين كانوا يشكلون غالبية الهجرات القديمة.

No comments: