Wednesday, February 10, 2021

لبنان 2021: 7.5 مليون ساكن من 188 دولة

  

لبنان 2021: 7.5 مليون ساكن من 188 دولة


https://www.alhakaek.org/?p=13714
موقع ومجلة الحقائق اللبنانية
مجلة الحقائق اللبنانية

د. علي فاعور

يعود تاريخ التعداد السكاني الأول والأخير في لبنان إلى العام 1932، حيث بلغ عدد السكان 1,046,164 نسمة، ومنذ تلك الفترة يستمر لبنان بتجاهل إجراء التعداد السكاني للمقيمين على أرضه  كغيره من دول العالم، حتى أنه بات يصنّف اليوم البلد الوحيد في العالم الذي لا يعرف عدد سكانه، سواء بالنسبة للمقيمين منهم، أم للمهاجرين في الخارج، حيث تعتمد الأرقام المتوفرة على المسوحات العشوائية والدراسات الاستقصائية التي تنفذ بشكل غير منتظم، وعندما يتوفر التمويل والمساعدات من الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وذلك لعدم الكشف عن التركيبة الطائفية، لجهة توزع اللبنانيين على الطوائف ال18 التي يتكون منها المجتمع اللبناني، وللحفاظ على إتفاق المناصفة، وحماية التوازن القائم في توزيع الحصص بين المسلمين والمسيحيين.

لهذا يستمر لبنان بإعتماد سجلات قيد النفوس التي تصدرها المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والتي تتضمن كافة السكان المقيمين منهم والمهاجرين في الخارج، والذين بلغ عددهم 2,367,141 نسمة مسجلين حتى بداية عام 1965، لكن هذه الأرقام لا تكشف توزيعات اللبنانيين حسب الطائفة، كما يتبيّن من خريطة الإحصاءات الأخيرة التي تضم آخر جداول الشطب لعام 2020، وتتضمن توزيعات الناخبين المسجلين بحسب الأقضية، ان عددهم يبلغ 3,860,939 نسمة (ممن أعمارهم 21 سنة وأكثر)، بحيث يمكن تقدير العدد الإجمالي في سجل القيد حتى نهاية العام بنحو 5,8 مليون نسمة. بينما بالمقارنة مع العام 2016، فقد كان عدد الناخبين في لبنان يبلغ بحسب جداول الشـطب 3,627,965 ناخب، واستنادا إلى هذا الرقم، فقد تم تقدير عدد اللبنانيين المسجلين بنحو 5 ملايين و400 ألف نسمة..(بينما بلغ عدد اللبنانيين المسجلين في العام 2006 نحو 4,571,000 نسمة).

ويتبيّن بحسب المسح الأخير الذي أجرته إدارة الإحصاء المركزي عام 2018، أن عدد السكان المقيمين في لبنان يبلغ نحو 4,8 مليون نسمة (لا يشمل العدد المخيمات الفلسطينية ومحيطها، ولا يغطي الوحدات غير السكنية للنازحين)، بينما بلغ عدد اللبنانيين منهم نحو 3,8 مليون نسمة يمثلون 80 في المائة من مجموع المقيمين..أي أن عدد اللبنانيين المقيمين في الخارج يبلغ قرابة مليوني نسمة، ويمثلون ما يعادل ثلث السكان المسجلين في لوائح قيد النفوس. بينما تشير آخر توقعات دولية أجرتها شعبة السكان في الأمم المتحدة أن عدد المقيمين في لبنان يبلغ نحو 6,825,000 نسمة  (توقعات عام 2020)..

لكن هذه الأرقام لا تغطي العدد الحقيقي لجمبع المقيمين  في لبنان والتحدي الأساسي اليوم يتمثل في كشف الحقائق والأرقام المخفية حول أعداد السكان الذين يعيشون على الأراضي اللبنانية، ويحملون جنسيات متنوّعة، لبنانيين وعرب وأجانب، وبخاصة بالنسبة للإقامات غير الشرعية من العمال العرب والأجانب، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عديمي الجنسية والمكتومين والأطفال من أمهات لبنانيات بدون جنسية.. تضاف إليها حركة وافدين  من بلدان أفريقية تديرها شبكات تهريب متخصصة عبر الحدود، وتضم العمال المهاجرين من مصر والسودان، الذين دخلوا لبنان، قبل الأزمة السورية.
وبحسب معلومات الأمن العام اللبناني، يضم لبنان جنسيات مختلفة مكوّنة من188 دولة،   وممن لديهم إقامات صالحة أو غير صالحة، أما أعداد العرب والأجانب، وبحسب الإقامات الصالحة أو المنتهية، فيضم لبنان  نحو 350 ألف عربي وأجنبي من ذوي الإقامات الرسمية وغير الرسمية، وبخاصة من العمالة الأجنبية التي إستقدمها لبنان وفتح لها حدوده،  فتطورت وتحوّلت إلى شبكات واسعة ومنظمة كانت تتدفق إلى لبنان بواسطة وزارة العمل وعبر مكاتب الإستخدام المتعددة.
تضاف إليهم تدفقات النازحين السوريين خلال سنوات الحرب السورية، والذين يُقدر عددهم بنحو 2,5 مليون نسمة من المسجلين في سجلات المفوضية العليا للاجئين، او المقيمين دون إقامات شرعية، ممن يدخلون في قوافل التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية،  ويتبيّن وفق  هذه المعطيات أنه تم خلال سنوات الحرب السورية، تسجيل دخول 1,800,000 نازح سوري وفلسطيني حتى أيلول 2017،  دخلوا لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية. ولم يتم إحصاء النازحين غير الشرعيين. يضاف إليهم   نحو 450,000 لاجئ فلسطيني،  من المسجلين لدى وكالة  غوث اللاجئين “أونروا”، مع اللاجئين من مخيمات سوريا من الفلسطينيين غير المسجلين، بالإضافة إلى أعداد اللاجئين العراقيين، وبخاصة من المسيحيين الذين تم توزيعهم في مناطق مختلفة ترعاها مؤسسات دولية، وتتراوح أعدادهم  بين 30 و50ألف لاجئ.
ويتبيّن بحسب أرقام الدولية للمعلومات، أن ما بين ٦٠٠ ألف إلى ٧٠٠ ألف عامل سوري يعملون بصورة غير شرعية في لبنان، مع ١٥٠ ألف عامل أجنبي (أثيوبي ومصري وبنغالي..)، يعملون بصورة غير شرعية، و ١٠٠ ألف عامل فلسطيني يعملون في المخيمات في مهن يحصرها قانون العمل باللبنانيين.
ولأن لبنان يعيش دون تعداد للمقيمين على أراضيه، للحفاظ على التوازن الديموغرافي الهش، فقد رفض تسجيل النازحين السوريين، كما أنه لم يوافق على إنشاء مخيمات لتجميعهم كما حصل في تركيا والأردن، خشية فرض الأمر الواقع والتوطين كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين. وبالتالي فهو لا يملك أية بيانات حول تعداد النزوح السوري، ما عدا سجلات الأمن العام وبيانات بعض الإدارات الرسمية والبلديات التي تشارك في برامج المفوضية العليا للاجئين وبعض الهيئات الدولية..وهذا ما دفع مجلس الأمن الدولي عام 2013 إلى الطلب من لبنان إنشاء مؤسسات فاعلة لإدارة ملف النزوح.
















بناء على هذه الأرقام مجتمعة، يمكن القول أنّ عدد السكان الذين يعيشون على الأراضي اللبنانية عام 2020، بات يقارب سبعة ملايين ونصف مليون ساكن،  وهذا الرقم هو الأعلى في تاريخ لبنان، نصفهم فقط من اللبنانيين، البالغ عددهم بحسب “”مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان” والذي أجرته إدارة الإحصاء المركزي عام 2018، حيث بلغ عدد اللبنانيين المقيمين 3,862,000 نسمة..
هكذا يعتبر لبنان اليوم البلد الأول في العالم من حيث عدد اللاجئين إلى مجموع سكانه المقيمين، كما أنه البلد الأول في العالم بالنسبة لعدد اللاجئين مقارنة مع مساحة الأرض..

من هنا بدأت تتزايد المخاوف من سياسة الإندماج والتوطين  التي كانت معتمدة منذ عام 1949 لتوطين اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حق العودة، والتي تعتمدها المفوضية العليا للاجئين والمنظمات المشاركة اليوم، كما جرت عدة محاولات لإرغام لبنان على إعطاء وثائق وتجنيس النازحين مما يمهد لعملية التوطين، وذلك في مؤتمري برلين وجنيف (عام 2014)، ثم تكررت مجاولات التوطين في مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك عام 2016، وبعدها أيضاً بطلب من الرئيس الأمريكي ترامب في مؤتمر نيويورك 2017، لكن لبنان أكد على موقفه من رفض التوطين بكافة أشكاله، وهو لا زال يتحمل وحده أعباء إستضافة اللاجئين الفلسطينين على أرضه منذ العام 1948، تضاف إليها تدفقات النازحين السوريين منذ العام 2011، حتى تحولت الأراضي اللبنانية بكاملها إلى مخيم كبير يضم أكثر من 2500 عشوائية ومحلية  تتوزع في جميع القرى والمدن اللبنانية.

الوضع كارثي… تخيلوا ماذا سيحدث بعد عشر سنوات؟
لقد تم تحويل لبنان إلى خزان بشري ضخم يضم عدة ملايين من اللاجئين والنازحين والمكتومين والمهاجرين غير الشرعيين من مختلف الجنسيات،  لقد أصبح الوضع كارثي بعد مضي نحو عشر سنوات،  بينما تشير كافة التقديرات إلى أن خطة إعمار سورية تحتاج ايضاً إلى فترة طويلة لا تقل عن عشر سنوات… بينما تؤكد الأمم المتحدة أن إعادة بناء سوريا قد تتطلب نصف قرن.
ففي عام 2013، وقبل نحو سبغ سنوات،  قالت آن ريتشارد، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، لشؤون السكان واللاجئين والهجرة، “ليس هناك الآن أي قرية أو مدينة واحدة في لبنان لم تتأثر بوجود اللاجئين السوريين”. ويعادل تدفق اللاجئين إلى لبنان الصغير تدفق 75 مليون انسان- أو ضعفي عدد سكان كندا – إلى الولايات المتحدة. وأضافت (خلال مناقشات جرت في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2013 في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن)، “إن التزام لبنان الثابت بالمبدأ الإنساني الدولي للحماية يخدم كمثال للمنطقة”. ولكنها لاحظت أن لبنان “دفع ثمنًا باهظًا نتيجة لكرمه.”

كذلك وفي زيارة قام بها كل من المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس ومديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك إلى بلدة دير الأحمر بتاريخ 16 أيلول 2014، وبعد ثلاث سنوات على الحرب السورية، للإطلاع على أوضاع اللاجئين، حيث تضم البلدة 14 مخيماً عشوائياً يأوي حوالي 5,000 لاجئ في ضواحي هذه البلدة المطلة على سهل البقاع، وحيث “تتصاعد التوترات في كافة أنحاء لبنان بين المجتمعات المضيفة واللاجئين السوريين الذين يتخطى عددهم حالياً الـ 1,4 مليون لاجئ” ، وقد صرح غوتيريس، في زيارة لأحدى مخيمات اللاجئين العشوائية قائلاً: ”لا يقوم المجتمع الدولي بالكثير من أجل لبنان. لقد تأثرت حياة اللبنانيين اليومية، ورواتبهم، وإيجاراتهم، ونظام مدارسهم، والنظام الصحي، والبنى التحتية والمياه والكهرباء. كل ذلك يتطلب تضامناً كبيراً من قبل المجتمع الدولي ومن حق لبنان أن يطلب من المجتمع الدولي مشاركته هذا العبء.“
وأضاف ”.. ما يقوم به لبنان هو مثال على الضيافة والحماية والعالم بأسره ممتن له.“ (يشار هنا أن غوتيريس قد أصبح اليوم الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك).

إذا كانت هذه حالة لبنان اليوم، وبعد فشل المبادرة الروسية المتعلّقة بعودة النازحين السوريين الى ديارهم،  فكيف ستصبح الأرقام بعد عشر سنوات أخرى؟ أو ماذا سيحدث عندما ينفجر هذا الخزان، وكيف سيؤثر هذا الحدث على لبنان؟ سيؤدي هذا إلى إغراق لبنان بالفوضى بالكامل، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية والأمنية بالغة التعقيد التي ستنجم عن ذلك والتي سوف تطال آثارها أوروبا والعالم.

* أستاذ الجغرافية ورئيس مركز السكان والتنمية

1- راجع: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “غوتيريس وكلارك يزوران اللاجئين السوريين ويدعوان لتقديم الدعم للبنان”، في زيارة إلى سهل البقاع، يشدد رئيسا المنظمتين على الحاجة إلى مساعدة كل من اللاجئين ومجتمعاتهم المضيفة. في 16أيلول 2014.

No comments: