Friday, March 11, 2022

فشل نظام "التوافقية"، تعطيل القوانيين والإحتكار المتوحش

 

فشل نظام "التوافقية والمحاصصة"

تعطيل القوانيين والإحتكار المتوحش

 د. علي فاعور

يواجه لبنان اليوم أزمة غير مسبوقة أدت إلى تسارع  الانهيار المالي والاقتصادي الحاد، وتردي الأوضاع الإجتماعية، نتيجة انعدام الثقة السياسية، والجمود المؤسسي، مما أدى إلى زيادة معدلات الفقر زيادة كبيرة وتفاقم الأزمات المعيشية وتراجع الرعاية الصحية، والتدهور البيئي،. ولا سيّما إرتفاع التكاليف وتراجع مستوى الخدمات العامة الأساسية من خلال إنقطاع الكهرباء الدائم (تؤمن الدولة الكهرباء ساعتين يومياً فقط) ونقص مياه الشرب، والصرف الصحي والتعليم، مما يؤكد حجم معاناة اللبنانيين، وبخاصة لدى الفئات السكانية الضعيفة، من دون أية معالجات أو بوادر أمل لكبح الفساد المنتشر، ونتيجة التقاعس المتعمّد وإعتماد السياسات الفاشلة من قبل السلطة الحاكمة. مما أدى تهميش دور الدولة ومؤسساتها كمصدر أول للحصول على الخدمات؛

 

تعطيل القوانين والفوضى

في مواجهة هذه التحديات، . وفي ظل حالة من الإفتقار إلى الرؤية والإنكار لدى النخبة السياسية الحاكمة، وسوء إستغلال السلطة وموارد الدولة، مما أدى إلى زيادة التدخلات الخارجية في الحياة السياسية اللبنانية لدعم أطراف على حساب آخرين..  لا سيّما في غياب القيادة الحكيمة وعدم الأهلية والفساد والمحسوبية، حيث كان يستمر التعطيل نتيجة الصراع على الحصص   كما كان يحصل في قطاع الطاقة، وفي غياب خطّة ماليّة وطنيّة شاملة  لتأمين الكهرباء بكلفة مقبولة، ودون أن تنفذ خطة إصلاح أو وضع مبادرات تجريبية، أو حتى تطبيق القوانين التشريعية والتشغيلية، وجعل الدستور وتطبيق التشريعات والعدالة في صدارة نظام الحكم للتخفيف من تداعيات الأزمة  لاستعادة ثقة اللبنانيين وإنقاذ الاقتصاد .

 

ويتبيّن من سجلات مجلس النواب والتي تتضمن تواريخ القوانين حين صدورها وصدور المراسيم التطبيقية لها، أن هناك 34 قانوناً صادراً عن مجلس النواب لم يطبق ( حتى عام 2015)، وقد تزايد هذا العدد  ليبلغ 54 قانوناً حتى نهاية عام 2020،  ثم إرتفع العدد ليبلغ 73 قانوناً حتى شهر نموز 2021، وهي بمعظمها قوانين إصلاحية في مقدمتها تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء والتي صدرت بقانون قبل عشرين سنة  حيث أقر قانون "تنظيم قطاع الكهرباء[1]" عام 2002 ، ، لكن لم تصدر أي من المراسيم أو القرارات التطبيقية للقانون،



 وذلك رغم المطالبة الدائمة من المجتمع الدولي بوضع خطة لتنفيذ الإصلاحات وتطبيق القوانين، وذلك منذ العام 2001، تاريخ إنعقاد مؤتمر "باريس-1"، وحتى  عام 2018 تاريخ إنعقاد مؤتمر سيدر، علماً أن عدم تطبيق القوانين يُعتبر مخالفة دستورية تقع على مسؤولية رؤساء الحكومة والوزراء، أما في لبنان فهي تعتبر وجهة نظر لا تحضع للمساءلة، وذلك برغم وجود لجنة متابعة القوانين النيابية في المجلس النيابي، وهذا ما أدى إلى فشل المبادرة الفرنسية، وإنكشاف لبنان أمام المجتمع الدولي الذي يعتبر تطبيق القوانين وتنفيذ الإصلاحات بمثابة مدخل وشرط أولي لتقديم التمويل الخارجي، والتي يرفض صندوق النقد الدولي الإفراج عنها قبل تنفيذ شروطه، بينما تستمر الحكومات المتعاقبة باعتماد سياسة الهروب والمماطلة من خلال تعطيل الفوانين والمراسيم التطبيقية، نتيجة التقاغس والخلافات الداخلية بين القوى المشاركة في الحكم ولا سيما القوانين المتعلقة بالقطاع الكهربائي والطيران، وسلامة الغذاء[2] ، وتطوير واعادة اعمار مصفاتي طرابلس والزهراني وتشغيلهما[3] (صدر عام 2003).

أما الاستنتاج الناجم عن هذا التعطيل، فهو نتيجة خلل بنيوي في جذور النظام السياسي اللبناني، وتحديدا نظام التوافق على الحصص "التوافقية"، والذي يمنع الشفافية والمساءلة، ويحول دوم اتخاذ أي قرار في حال عدم إجماع القوى السياسية عليه.

 بحيث أن قانون حق الوصول إلى المعلومات بقي من دون مراسيم تطبيقية لعدة سنوات، مما أدى إلى مضاعفة الخسائر المتراكمة منذ أكثر من سنتين... حبث يوجد 12 قانون كانت أٌقرت بين 2000 و 2005، و8 فوانيين بين 2006 و2010.

 

الجدول - القوانين التي أقرها المجلس النيابي و لم تصدر نصوصها التطبيقية،

للفترة بين سنة 2000 وختى شهر تموز 2021، بحسب الوزارات المعنية.

الوزارة

عدد القوانين

تاريخ صدور القانون

وزارة الأشغال العامة والنقل

4

2002-2005-2017-2019

وزارة الطاقة والمياه

8

2002، 2003 ، 2010 ، 2011 ، 2017 ، 2018 ، 2020 ، 2020 ،.

وزارة الإقتصاد والتجارة

5

2005 ، 2008 ، 2011 ، 2015 ، 2020.

وزارة الصناعة

1

2012

وزارة الصحة العامة

12

2000 ، 2000 ، 2004 ، 2008 ، 2011 ، 2012. 2017 ، 2017 ، 2019 ، 2019 ، 2019 ، 2020.

مزارة المالية

5

2008 ، 2011 ، 2016 ، 2019 ، 2019.

وزارة الإتصالات

1

2002

وزارة البيئة

7

2002 ، 2018 ، 2018 ، 2019 ، 2020 ، 2020.

وزارة الثقافة

2

2008 ، 2008.

وزارة العدل

7

2011 ، 2012 ، 2014 ، 2016 ، 2018 ، 2018 ، 2018.

وزارة الداخلية والبلديات

1

2016

وزارة التربية والتعليم العالي

1

2011

وزارة الزراعة

2

2017 ، 2020.

وزارة الشؤون الإجتماعية

1

2020

فوانين متعلقة بعدة وزارات

16

2005 ، 2003 ، 2008 ، 2008 ، 2011 ، 2016 ، 2017 ، 2018 ، 2019 ، 2020 ، 2020 ، 2020 ، 2020 ، 2020 ، 2021 ، 2021.

المصدر: الأمانة العامة في مجلس النواب، القوانين التي أقرها المجلس النيابي ولم تصدر نصوصها التطبيقية، للفترة بين 2000 وتموز 2021.

 

فضلاً عن عدم تطبيق القوانين والمخالفات القانونية الواسعة، لا سيّما فانون وقف التوظيف في القطاع العام، حيث تم تعيين أكثر من خمسة آلاف موظف ومتعاقد وأجير إضافي في مختلف الإدارات وخلال فترة ما قبل الإنتخابات النيابية عام [4]2018،

 كذلك بالنسبة لتطبيق القوانين المتعلقة بالفساد المنتشر في القطاع العام” و”الإثراء غير المشروع”، وبخاصة منها، قانون إستقلالية القضاء، و"استعادة الأموال المنهوبة" واسترداد الاموال المتأتية من الفساد.. والذي صدر بعد إنطلاق الإنتفاضة الشعبية وحراك 17 تشرين، كمبادرة لإستثمار السياسية وإسكات الشارع وإمتصاص النقمة العارمة عبر الإيحاء أن المحاسبة باتت قريبة حيث بالإمكان استعادة المال العام. ثم إنشاء “صندوق وطني” لإدارة الأموال المستعادة، ثم إستخدامها في “مشاريع الدولة الرامية الى مكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.”

وبينما يطالب المجتمع الدولي باعتماد الشفافية والتحضير لإجراء الإنتخابات النيابية المقررة في 15 أيار 2022، كمقدمة لتغيير الواقع السياسي عبر إنتخاب وجوه جديدة، تتواصل الصراعات بين الأحزاب والقوى السياسية حول إشراك المغتربين في عملية الإقتراع، حيث يتم الإعلان عن عدم إمكانية تحمل التكاليف المطلوبة في الخارج، لتأمين نحو أربعة ملايين ونصف مليون دولار (كما أعلن وزير الخارجية)، وقد أقر مجلس الوزراء (جلسة 15 شباط 2022) الكلفة الإجمالية المتضمنة اعتمادات إجراء الانتخابات النيابية بقيمة 360 مليار ليرة لبنانية.

في أواخر حزيران 2019، تبلغت “المفكرة القانونية ” كتابا من أمين عام مجلس الوزراء السيّد محمود مكيّة يعلمها فيه برفضه الاستجابة لطلب المعلومات الذي قدمته ... للحصول على معلومات بشأن قرار مجلس الوزراء المتصل بمعمل دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية. لم يُرفض الطلب لأسباب تتصل بالمعلومات المطلوبة، إنما لأن قانون حق الوصول للمعلومات، هو غير قابل للتطبيق، لعدم صدور مرسومه التطبيقي ولعدم تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد[5].

بينما أكدت هيئة التشريع والاستشارات في استشارتين منفصلتين في 2017 و2018 ورد فيهما حرفيا أن أحكام قانون الحق في الوصول إلى المعلومات هي قابلة للتطبيق بذاتها دون حاجة للاستعانة بنصوص تطبيقية خاصة تصدر عن السلطة الاجرائية، طالما لم يتبيّن وجود مواضيع تحتاج لصدور مراسيم بها.

وهذا أيضا ما أكده مجلس شورى الدولة في حكمه الصادر عام 2017 ، بخصوص: "حق العمل للأشخاص المعوقين في القطاع الخاص" بعدما تذرعت وزارة العمل هي الأخرى بعد 15 سنة من صدور قانون حقوق المعوقين بعدم جواز تطبيقها بغياب مرسوم تطبيقي.

يُضاف إلى هذا القانون عدة قوانين أخرى، كانت تفاخر الحكومة بها من دون تطبيقها، منها: قانون حقوق الأشخاص المعوقين، وقانون التعليم الإلزامي والمجاني وقانون سلامة الغذاء وقانون إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان… إلخ..

 

البطالة والإنفاق على الحماية الإجتماعية،

يتبيّن من بيانات الإنفاق على الحماية الإجتماعية[6]، أن لبنان قد أنفق بين عامي 2017 و 2020 ما يعادل 22 في الماية من موازنته على الحماية الإجتماعية (مثلاً بلغت هذه النسبة 6 في المائة عام 2018)، وفقاً للتصنيف الوظيفي للموازنة لكن الإنفاق على الشيخوخة من حيث المقدار والنسبة يمثل وحده الفئة الكبرى من مجمل الإنفاق (حصة نفقات التقاعد وتعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع العام تستهلك وحدها أكثر من نصف هذا الإنفاق).،  وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع البلدان الأخرى ذات الدخل المتوسط الأدنى.

 لكن هذا الإنفاق على الحماية الإجتماعية لم يترجم في خفص نسب الفقر، حيث تعمل أكثر من 71 في المائة من اليد العاملة عام 2020 (كانت تبلع نحو 44 في المائة عام 2010) في القطاع الهامشي وغير النظامي وهي لا تستفيد من أي نظام رسمي للحماية الإجتماعية،ذلك أن شبكة الأمان الإجتماعي في لبنان تراجعية بطبيعتها وتفيد الأغنياء أكثر من الفقراء على عكس العديد من البلدان العربية.

ويتبيّن بحسب الأرقام التي تضمنتها دراسة الأوضاع المعيشية للأسر 1997، أن 42,3 في المائة من مجموع الأسر التي يقل دخلها عن 1,2 مليون ل.ل. شهرياً، كانت تلجأ إلى السحب من الرصيد أو الاستدانة لتأمين حاجاتها الأساسية، وذلك في مقابل 16 في المائة فقط للفئات العليا و30 في المائة كمعدل وسطي، بحيث  تضطر الأسر الفقيرة أكثر من غيرها إلى الاستدانة لتأمين حاجاتها المعيشية، دوفع ضرائب على ما تستهلكه من سلع وخدمات ممولة بالديون. بينما كانت خدمة الدين العام تشكل مانعاً يحول دون الإنفاق الإستثماري في المجال الإجتماعي، أما الإنفاق الإستثماري الذي تديرة الصناديق والمجالس فكان  يخضع لمنطق المحاصصة الطائفية وعدم المساواة بين المواطنين، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإجتماعية والإقتصادية التي كان يدفع ثمنها الفقراء.

 

وقد تحدث نقيب الأطباء عن تراجع الوضع الصحي في الأشهر الأخيرة (عام 2021)، نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي المالي والفوضى القائمة في المستشفيات، حيث لا توجد أية حلول لمواجهة المشاكل العالقة بين المستشفيات والأطباء من جهة، والضمان الاجتماعي، من جهة أخرى، حيث يُعاني مرضى الضمان من عدم القدرة على دخول المستشفيات، وبخاصة بعد أن أوقف الضمان الدفع كلياً منذ بداية عام 2022.

 

لقد رفعت وزارة الصحة العامة مؤخرًا التعرفات خمسة أضعاف وذلك بتمويل من البنك الدولي،  بينما لا زال الضمان عاجز عن مواجهة الأزمة، حيث باتت النتائج كارثية ولا قدرة للمضمونين على دفع الزيادات المطلوبة لدخول المستشفيات، حيث باتت والفواتير الاستشفائية هائلة، والاستشفاء بات للأغنياء فقط، كما أن الناس تموت لعدم توفر الأدوية، وعدم التمكن من متابعة العلاج الكيميائي المطلوب، ذلك أن الأموال المرصودة لدعم الدواء باتت غبر كافية اليوم، حيث يخصص مصرف لبنان 35 مليون دولار شهرباً لدعم الأدوية لمرضى السرطان وبقية الأمراض، وهي تكاد لا تكفي حاجات أدوية السرطان وحدها، وذلك لتزايد أعداد المرضى حيث يُقدر عدد المرضى ممن يتلقون العلاج بشكل دائم بنحو 29 ألفاً، حيث يسجل لبنان سنوياً نحو 12 ألف إصابة جديدة بالسرطان، كما أن واحد من كل ثلاثة أشخاص مصاب بالسرطان في لبنان، وهي نسبة من بين الأعلى في العالم.

ويتبيّن من إحصاءات قامت بها دائرة الإحصاء المركزي بالمقارنة مع دراسات أخرى، أن معدل البطالة للفترة بين منتصف العام 2021، والأشهر الأولى من العام 2022، فد بات يتراوح بين 40 و50 في المائة من حجم القوى العاملة في لبنان، أي أنّ نحو نصف القوى العاملة في لبنان قد باتت اليوم دون عمل نتيجة الإنكماش الإقتصادي والأزمة المالية حيث تم تسريح آلاف العمال والموظفين من مؤسسات مالية ومصرفية وصحية كالفنادق والمستشفيات، سيّما وأن الإقتصاد اللبناني هو إقتصاد ريعي وغير منتج، ويعتمد بشكل أساسي على قطاعي السياحة والخدمات والتحويلات الخارجية. كما يرتكز بشكل كبير على واقع المحيط الجعرافي ودول الجوار، حيث تعتبر سوريا المتنفس الإقتصادي الوحيد عبر المعابر البرية نحو دول الخليج والبلدان العربية.

 

أما بالمقارنة مع الوضع في السنوات السابقة، وبحسب تقرير أعدته منظمة العمل الدولية[7] بالتعاون مع وزارة العمل في لبنان، فقد «ارتفعت معدلات البطالة من 11.3 في المائة عام 2018 إلى 18.5 في المائة عام 2019، وقفزت إلى 36.9 في المائة عام 2020، لتبلغ 41.4 في المائة عام 2021». كذلك وفق آخر تقارير إدارة الإحصاء المركزي فقد كانت :بطالة الشباب هي الأعلى عام 2018 وتبلغ 23.3 في المائة. وترتفع لدى حاملي الشهادات الجامعية إلى 35.7 في المائة".

أما عدد أفراد القوى العاملة فيبلغ 1,794,000، منهم 1,590,400 يعملون بشكل دائم ومؤقت، ويتوزع عددهم بين 55 في المائة يعملون بشكل غير نظامي، مقابل 45 في المائة يعملون بشكل نظامي، بينما ترتفع نسبة البطالة بشكل بارز في مناطق عكار والجنوب والبقاع الأوسط وعاليه، كما ترتفع نسبة العاملين في القطاع الهامشي، ودون أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية.

كما كشفت "​جمعية مصارف لبنان​" بداية عام 2022، أنّ "المصارف لجأت إلى تقليص حجمها مجبرةً، للتكيّف مع الأوضاع الاقتصاديّة المستجدّة"، مبيّنةً أنّ "عدد الفروع المصرفيّة انخفض من 1081 نهاية عام 2018، إلى 919 فرعًا نهاية تشرين الثّاني الماضي، أي بنسبة 15 في المئة. كما تقلّص عدد الموظّفين في الفترة ذاتها من 25908 موظّفين إلى نحو عشرين ألفًا، أي بنسبة 23 في المئة".

وتبيّن إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أنه منذ بداية عام 2020 ولغاية شباط 2021، فقد بلغ صافي عدد الخارجين من سوق العمل نحو 40 ألفاً

 

لبنان آخر دولة في العالم لا زالت تحمي الاحتكار المتوحّش

-         تاريخ الإحتكار والوكالات الحصرية

عام 1967 فررت الحكومة اللبنانية أن تمنح حماية خاصّة للتجار اللبنانيين الذين يستحصلون على ما يُعرف بـ”الوكالات التجارية ، حيث ارسى المشرّع اللبناني أحكام التمثيل التجاري وتنظيمها، وتطويرها من خلال الوساطة التجارية بكافة أشكالها، والوكالات الحصرية على أيدي التجّار بالسوق المحلية، عبر إصدارهما المرسوم الاشتراعي رقم 34 تاريخ 5 آب 1967، الذي يتحدث صراحة عن حق التاجر بحصرية تمثيل الشركات والعلامات التجارية في السوق اللبنانية بشكل حصري، بحيث يكون لهذا الموزع وحده دون غيره الحق في توزيع هذا المنتج أو هذه السلع محل العقد في منطقة جغرافية محددة، وهو يعتبر أيضاً" بحكم الممثل التجاري التاجر الذي يقوم لحسابه الخاص ببيع ما يشتريه بناءً لعقد يتضمن اعطاءه صفة الممثل او الموزع الوحيد..بحيث لا يحق لأحد الاستيراد المباشر او غير المباشر للبضاعة التي يمثلها ويوزعها الوكيل الحصري"[8]. ولا يستثنى من ذلك إلّا المواد الغذائية ومواد التنظيف ومساحيق الغسيل.

هكذا بدأت تتوسع مسيرة الإحتكار في لبنان، حيث تبيّن أن  حوالى 300 شخص كانوا يحتكرون استيراد وتوزيع 2335 سلعة بحسب أرقام “الدولية للمعلومات”. وفي دراسة أعدها الخبير الإقتصادي توفيق كاسبار عام 2003، تبيّن أن سبع شركات كبرى تسيطر على ستين في المئة من الاقتصاد اللبناني، وتتسم ثلثي الأسواق اللبنانية بطابع احتكاري،

 ولمواجهة احتكار السلع وزيادة الأسعار على المستهلك فقد جرت عدة محاولات لإلغاء “الوكالات الحصرية”، لا سيّما مع بداية المفاوضات لانضمام لبنان إلى منظّمة التجارة العالمية، وبلغت ذروتها في بداية العام 2004 حيث صدر عن مجلس النوّاب اللبناني مشروع القانون الرامي إلى إلغاء سريان حصرية التمثيل ودون أن يتم تطبيقه، كما تم بعدها اقتراح قانون "إلغاء الاحتكار والتمثيل الحصري| .

وفي هذا السياق كان لافتاً كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن أن عدد الوكالات الحصرية المسجل 3030 وكالة حصرية، الصالح منها 313 فقط، ما يعني أن الدولة لا تستفيد من الرسوم، وبنفس الوقت لا يمكن لأي تاجر أن يستورد السلع.

أما الكارتيلات الكبرى فتشمل كافة المجالات الإقتصادية والإجتماعية، وأهمها:

  • كارتيل الدواء في لبنان، يضم 5 شركات كبرى تسيطر على أكثر من نصف السوق.
  • كارتيل السيارات، يتألف من 5 وكلاء حصريين يسيطرون على 66 بالمئة من السوق،
  • كارتيل الأسمنت، وهو يشمل إنتاج محلي محمي منذ العام 1993 برغم أسعاره المرتفعة.
  • كارتيل سوق الحديد، ويضم 5 شركات تسيطر على السوق:
  • كارتيل الزفت ، يضم 4 شركات تحتكر الإستيراد وتبيعه الى الدولة،

 وقد توسعت مجالات الإحتكار لتشمل: كارتيل النفط،  و كارتيل لحم البقر والعجل.. كما تشمل الوكلات الحصرية أيضاً الكسارات والمرامل، والعديد من القطاعات مثل الجامعات والمعاهد العليا، حيث تهيمن الأحزاب ورجال السياسة.

 

- ‏ فقراء لبنان في مواجهة الإقتصاد المتوحش

 

واجه لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحديات غير مسبوقة لم يشهدها في تاريخه منذ الإستقلال، فقد هيّمنت ظاهرة الإجتكار والمضاربة على مجمل الأوضاع المعيشية للبنانيين من خلال إخفاء السلع الغذائية والحياتية، ونقص وتهريب السلع المدعومة، نتيجة تحكم منظومة الفساد وسيطرتها على كامل الأسواق التجارية لكافة حاجات المواطنين من الغذاء والأدوية والوقود على إختلافها[9]، واللعب بلقمة عيش الأسر الفقيرة، وذلك في غياب الدولة المسؤولة التي كانت تؤمن حماية الإحتكار المتوحّش وتمنع المنافسة المشروعة، ونسهل سيطرة المحتكرين الذين مارسوا كافة الجرائم الإقتصادية دون رادع،  مما ساعد في تكوين طبقة واحدة كانت تشكل “بنية اقتصادية احتكارية وسياسية حاكمة، إستمرت تعمل بحماية “النظام الطائفي”، وتمثّل المصالح التجارية والمصرفية والعقارية في مواجهة مصالح أكثرية فئات المجتمع.

 

لقد فشلت السلطة السياسية طيلة سنوات في مواجهة احتكار القلّة، وأمنت حماية الهيئات الاقتصادية المتحصنة بهذه الوكالات، حيث تستمر المواجهة بين مصالح رأس المال أوّلاً في مواجهة مصلحة المجتمع ككلّ،  حتى باتت مصالح عدد قليل من الناس تتقدم على مصالح الأكثرية، وتنعم بالحماية برعاية النظام الإحتكاري والتحكّم بتمويل الاستيراد والسيطرة على الجهاز المصرفي والمضاربة في أسعار الأراضي والملكيات العقارية.. مما أدى إلى اتّساع الفروقات الاجتماعية والمناطقية والاستنزاف المتواصل وهدر الموارد البشرية.

ويتبيّن من دراسة أعدّتها مؤسسة البحوث والاستشارات عام 2003  لصالح وزارة الاقتصاد والتجارة، أنّ أكثر من نصف المبيعات في الأسواق الداخلية في لبنان تسيطر عليها شركات احتكارية.

 

وتفيد البيانات المصرفية، أنّ 5 مصارف كبيرة تتحكم وحدها بأكثر من نصف الموجودات في المصارف، وأنّ أقلّ من 1  في المائة من الحسابات المصرفية تستحوذ على أكثر من نصف الودائع. كما تكشف "أرقام المسح الزراعي عام 2010 أنّ 2 في المائة من أصحاب الحيازات الزراعية الكبيرة يستحوذون على ثلث الأراضي المزروعة. وتحظى الوكالات التجارية الحصرية بالحماية القانونية. كما تحظى بعض الصناعات بالحماية من الاستيراد لصالح عدد قليل من المصانع، إذ تحتكر 3 مصانع صناعة الإسمنت (على سبيل المثال)، ويوجد عدد محدود من المقاولين يفوز دائماً بعقود الدولة ومشترياتها، وهناك الكثير من السلع يخضع إنتاجها واستيرادها للإجازات المسبقة، أو التراخيص التي تعدّ سلاحاً مهمّاً للاحتكار والسيطرة".

هكذا كان ينمو الإحتكار ويتوسع على حساب اللبنانيين، وإستمر لبنان وحده بين دول العالم، يمثل الملاذ الآمن للإحتكار والفساد والمحسوبية في مختلف المؤسسات والمجالات... 

لقد قُدم مشروع الغاء الوكالات الحصرية قبل نحو 20 سنة، كما أنه أُسقط سابقاً نحو 5 مرات أمام البرلمان.

 

 حتى تم مؤخراً إقرار "قانون المنافسة الجديد وإلغاء الوكالات الحصرية" ومكافحة الإحتكار، والذي أقرّه مجلس النواب قبل شهرين من موعد الإنتخابات النيابية القادمة، وذلك بعد أن تفاقمت الأزمة المعيشية وبلغت حد الإنفجار الإجتماعي، علماً أن القانون اللبناني "المتعلّق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والإتجار بها"، كان قد صدر عام 1983 ، وحدّد الإحتكار بأنه: "كل إتفاق يرمي للحد من المنافسة في إنتاج والسلع والمواد والحاصلات أو مشتراها أو استيرادها أو تصريفها، ويكون من شأنه إرتفاع أسعارها إرتفاعاً مصطنعاً أو الحيلولة دون خفض هذه الأسعار"[10]

اما مشروع القانون الذي وافق عليه البرلمان، فهو يعرّف الاحتكار بأنه “التحكم من قبل شخص أو مجموعة أشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر في توفير كمية وأسعار منتج، لا يمكن استبداله بمنتج آخر بما يؤدي إلى تقييد حركة المنافسة في السوق أو الإضرار بها.” وقد تميّز لبنان منذ فترة الإستقلال بهيمنة طبقة النخبة الحاكمة التي كانت تتألف من نحو 35 أسرة إستولت على كافة القطاعات الإقتصادية، وتمكنت من فرض سيطرتها السياسية وبسط نفوذها، والتحكم بكافة جوانب الأمن الصحي والغذائي، من خلال الدخول إلى البرلمان والمشاركة في مجلس الوزراء، مما ساعدها على الإمساك بكافة مفاصل الدولة، وفرض واقع السوق الإحتكاري طيلة التاريخ اللبناني، حيث يستأثر عدد محدود من التجار والمنتفعين والمستوردين بـ "وكالات حصرية" للعلامات التجارية العالمية وبحماية رسمية دائمة كانت توفرها الدولة اللبنانية... أما عدد الوكالات الحصرية المسجّلة في وزارة الاقتصاد فهو يبلغ 315 ، بينما يرتفع العدد في السجل التجاري إلى أكثر من 3300 وكالة، كانت تتمتع بالحماية القانونية من قبل الدولة اللبنانية  التي كانت ترعي الوكالات والإحتكار طيلة السنوات الماضية، وذلك بموجب قانون مخالف للمادة 36 من إتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي والتي تشترط إلغاء الوكالات الحصرية وفتح الأسواق العالمية.

آخر مشروع قانون قدّمته بما خص الوكالات الحصرية تبين ان لبنان آخر دولة في العالم يمارس الاحتكار ولولا وجود مادة في اتفاقية الاتحاد الاوروبي تمنع ذلك لما طُرحت الان.

قي مواجهة هذا الواقع، هل سيكون مصير هذا القانون المتعلق بالغاء الإحتكار والوكالات الحصرية، شبيه بالقوانين الكثيرة السابقة التي أقرتها السلطة الحاكمة تحت الضغوط السياسية ولمصالح إنتخابية.. وبعد ذلك أُجهضت ولم تطبق...

أما اليوم فقد بات لبنان آخر دولة في العالم لا زالت تحمي الاحتكار، حيث قُدم مشروع إلغاء الوكالات الحصرية وأُقر تحت الضغوط الدولية، لوجود قيود تفرضها اتفاقية الاتحاد الاوروبي، وبينما تتواصل المحادثات مع صندوق النقد الذي ينتظر تطبيق الإصلاحات، ونتيجة عدم ثقة المجتمع الدولي بالسلطة الحاكمة، وبانتظار تشكيل هيئة المنافسة المطلوبة في القانون... بإعتماد الكفاءة لا على قاعدة المحاصصة التي كانت دائماً الممر الآمن لتعطيل ما تم إنجازه نتيجة التدخلات والعراقيل والخلافات بين الأفرقاء السياسيين..

 الجميع بإنتظار التطبيق الفعلي، حيث تبرز المخاوف من تشويه القرار كما حصل بالنسبة للعديد من القوانين التي لا زالت قابعة في الأدراج، كما كان يحصل سابقاً، ذلك أن حماية الجشع والإحتكار سيؤدي إلى مزيد من الإنهيار والفوضى،  ويُشكل خطراً كبيراً على الأمن الإجتماعي والإقتصادي...

والأهم من كل هذا عدم تضييع الوقت لتنفيذ الإصلاحات وتطبيق القوانين..

 ودائماً تبقى العبرة في التنفيذ..



[1]  قانون رقم 463 تاريخ 2/9/2002 ، "تنظيم قطاع الكهرباء"، حيث لم تصدر أي من المراسيم أو القرارات التطبيقية للقانون، وقد أفادت الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء أنه: بتاريخ 27/4/2020 ورد من و ازرة الطاقة والمياه مشروع قانون تعديلي واقترحت الأمانة التريث بمتابعة إصدار النصوص التطبيقية للقانون بانتظار البت بمشروع القانون التعديلي..

[2] أما في وزارة الإقتصاد والتجارة، فهناك عدة قوانين تنتظر التطبيق أيضاً، منها: قانون حماية المستهلك، وقانون سلامة الغذاء عام 2015، وقانون تحفيز وهب الغذاء عام 2020، وفانون إنشاء المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس عام 2008..

 

[3] توجد في وزارة الطاقة والمياه 8 قوانين تنتظر التطبيق، منها: قانون رقم 549 تاريخ 20 تشرين أول 2003، حول " تصميم وتمويل وتطوير واعادة اعمار مصفاتي طرابلس والزهراني وتشغيلهما وبناء محطة نهائية لتصدير واستيراد الغاز الطبيعي المسال وبناء تجهيزات لتخزين الغاز الطبيعي وإنشاء شبكات لبيعه وتوزيعه"، وقد رفضت أفادت الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء أن وزارة الطاقة والمياه أفادت بكتابها الوارد بتاريخ 25/4/2019 عن عدم الحاجة لاستصدار أية مراسيم تطبيقية..

يُضاف إليها قانون رقم 132 تاريخ 24/8/2010، حول "الموارد البترولية في المياه البحرية"..

 

[4] يتبيّن بحسب تقرير وزارة المال اللبنانيّة «مرصد الماليّة العامّة - كانون الأوّل 2018» أنه بعد تطبيق سلسلة الرتب والرواتب، فقد إرتفع الإنفاق الإجمالي على المخصَّصات والرواتب وملحقاتها بنسبة 18.26 % خلال العام 2018 ، إلى 9,719 مليارات ل.ل. (6.45 مليارات د.أ.)، مقارنةً بـ8،218 مليارات ل.ل. (5.45 مليارات د.أ.) في العام 2017.

 كان حجم القطاع العام يثقل الخزينة اللبنانية، حيث تخطت كلفته ثلث الموازنة العامة في حين لا تتجاوز حصته 10 الى 15  في المائة من الموازنة في مختلف بلدان العالم.

[5] المفكرة القانونية، نزار صاغية، الحكومة تجتهد حبّا بالسُّترة: قانون الوصول للمعلومات قابل للتفاخر وليس للتطبيق، في 3-9-2019.

 

[6] الإنفاق على الحماية الاجتماعية في لبنان – تدقيق في نُظم الحماية الاجتماعية الممولة من الدولة،

 بيانات الإنفاق على الحماية الاجتماعية (2017-2020).وضعت الدراسة بالشراكة مع اليونيسف ومنظمة العمل الدولية في سياق الجهود المبذولة حاليّا لتطوير أنظمــة حماية اجتماعية شاملة وفعّالة للبنان واللبنانيين.

 

[7] العمالة العالمية والتوقعات الاجتماعية: اتجاهات 2018، منظمة العمل الدولية: البطالة والنقص في العمل اللائق سيظلان مرتفعان في عام 2018.. ويشير تقرير منظمة العمل الدولية الرئيسي إلى أن البطالة والنقص في العمل اللائق سيظلان عند مستويات مرتفعة باستمرار في أنحاء كثيرة من العالم.

 

[8]  المجلة القضائية، سامر عويدات: "التوزيع الحصري: تميّزه عن التوزع العادي، اثباته، تسجيله، مدى اعتبار عدم التسجيل ملزماً للغير، فسخه، التعويض عنه". تاريخ 25-6-2020.

 

[9] تنفبذ عمليات تهريب منظمو لكافة السلع والبضائع المدعومة بدولارات من مصرف لبنان على السعر الرسمي، وعلى سعر المنصّة الإلكترونية إلى دول خارج لبنان،  لا سيّما عبر الحدود ومعابر التهريب إلى  سوريا، أو تركيا، الكويت، غانا، السويد…!

[10]  في القانون اللبناني، حدد المشترع اللبناني الإحتكار في المادة 41 من المرسوم الإشتراعي رقم 37، تاريخ 9/9/1983، المتعلّق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والإتجار بها" على أنه يعتبر إحتكاراً.

Tuesday, March 8, 2022

اتساع درجة انكشاف البنوك للقطاع العام، حيث بلغت 60 في المائة في لبنان

 

 أعلى إنكشاف مالي للدولة في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيأ وفغانستان وباكستان

اتساع درجة انكشاف البنوك للقطاع العام، حيث بلغت 60 في المائة في لبنان

د. علي فاعور



كشفت الإحصاءات المالية الدولية، وتقرير آفاق الإقتصاد العالمي، صندوق النقد الدولي، أن الأزمة المالية العالمية وإنهيار أسعار النفط في 2014-2015، أدت إلى تزايد إنكشاف البنوك المحلية للدولة مما  تسبب في انعكاس مسار التقدم الكبير الذي سبق إحرازه في تخفيض أعباء الديون في العديد من البلدان، ذلك أنه "نتيجة ضيق فرص الحصول على التمويل الخارجي، فقد لجأت الحكومات والمؤسسات الكبيرة المملوكة للدولة إلى البنوك المحلية. مما أدى إلى اتساع درجة انكشاف البنوك للقطاع العام، وبخاصة خلال فترة الأزمات المالية الدولية، وهي تشمل: الأزمة المالية العالمية (للفترة بين 2008 -2010)، تليها صدمة أسعار النفط (2014-2015)،  والفترة قبل كوفيد 19 (2017-2019)، وخلال العام 2020.

وقد جاء لبنان في المرتبة الأولى بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا وأفغانستان وباكستان... من حيث الإنكشاف المالي للدولة نتيجة العحز المالي وتفاقم الأزمة الإقتصادية،  أما الأرقام بالنسبة إلى لبنان، وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي فقد زادت المصارف المحلية من حجم إنكشافها للدولة والبنك المركي، وهي "تشير إلى مطالبات البنوك على القطاع العام، بما فيها البنك المركزي، كنسبة من مجموع الأصول في الجهاز المصرفي"[1].

وبينما تراوحت نسبة الإنكشاف بين أكثر من 20 في المائة من مجموع أصول البنوك في العراق والأردن وقطر، وأكثر من 45 في المائة في الجزائر ومصر وباكستان، فقد وصلت في لبنان إلى 60 في المائة. بينما في المقابل، كانت نسبة انكشاف البنوك للقطاع العام في الأسواق الصاعدة بالمناطق الأخرى خارج الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تبلغ 12 في المائة.

 

لقد كان البنك المركزي يؤمن التمويل للدولة اللبنانية عبر "هندسات مالية" أجراها مع البنوك المحلية بواسطة فوائد عالية ومغرية، حصلت عليها المصارف مقابل توظيف أموال المودعين لدى مصرف لبنان، وقد تفاقم هذا الإنكشاف حتى بداية الإنهيار المالي وفقدان السيولة وإقفال المصارف أبوابها نهاية العام 2019 ،

ونظراً لاستمرار تراجع الأوضاع المالیة والاقتصادیة فقد لجأت جمیع وكالات التصنیف العالمیة إلى تخفیض التصنیف السیادي للبنان، وبھدف أن تكون طریقة احتساب نسب الملاءة متوافقة مع لجنة بازل للرقابة المصرفیة فیما یخص وزن المخاطر المطبّق على توظیفات المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبیة، ولمّا كانت نسب الملاءة تفوق الحدود الدنیا المطلوبة من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفیة ، فقد لجأ مصرف   لبنان إلى إتخاذ إجراءات مالية لتحديد نسب الملاءة وزيادة أموالها الخاصة الأساسية.



[1]   صندوق النقد الدولي: بلدان في دائرة الضوء، 4 أسئلة عن مخاطر الدين والتمويل في ظل كوفيد-19 في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، "أولاً: ما مدى فداحة المخاطر المتعلقة بالديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان قبل الجائحة؟ وماذا كانت الشواغل الأساسية؟..

 بقلم: جيتا مينكولاسي، وسيزار سيرا، وسوكانان تامبونليرتشاي، 29 نيسان/أبريل 2021.

 

Tuesday, February 15, 2022

د. علي فاعور..حماية الإقتصاد المفلسّ والمجاعة تضرب اللبنانيين

 

حماية الإقتصاد المفلسّ والمجاعة تضرب اللبنانيين

د. علي فاعور : أستاذ الجعرافيا ورئيس مركز السكان والتنمية



بينما يغرق لبنان في أسوأ أزمة إقتصادية وسياسية شهدها العالم ، تستمر السلطة الحاكمة بعملية "الإنكار المتعمّد"لمختلف جوانب الحالة الكارثية التي يعيشها اللبنانيون في مواجهة الإنهيارات المالية المتتالية، حيث صدرت مؤخراً عدة تقارير  حول التغييرات الإقتصادية والمالية ومخاطرها، عن منظمات وهيئات دولية عالمية، مثل البنك الدولي ومنظمة الإسكوا و منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف..، تتهم السلطة الحاكمة بالفشل، وتنبه من مخاطر إستمرار السياسات المعتمدة في الحكم،  التي تغطي عمليات الفساد وتحمي الإحتكار وتمنع المحاسبة والمساءلة، وذلك دون أن تلق التجاوب المطلوب من السلطات الحكومية التي آثرت الإستمرار في عملية الصراع على الحصص وتوزيع المغانم لحماية مصالحها في النظام الإقتصادي المفلس، مما أدى إلى تفكك الركائز الأساسية في البنية الإقتصادية وإنهيار الخدمات العامة وهجرة الأدمغة الجماعية المتواصلة.

 

الأرقام مروعة: عائلات لبنان عاجزة ومهددة بالمجاعة

منذ بداية تفاقم الأزمة المعيشية منتصف عام 2020، فقد حذرت منظمة "أنقذوا الأطفال" من أن نحو مليون نسمة في منطقة بيروت لا يملكون المال الكافي لتوفير الطعام، أكثر من نصفهم أطفال مهددين بالجوع من جراء الأزمة الاقتصادية المتمادية في لبنان. كما أن الاقتصاد اللبناني المنهار دفع أكثر من نصف مليون طفل في بيروت إلى الكفاح من أجل الحياة أو إلى الجوع، حيث باتت عائلات كثيرة عاجزة عن تأمين الكهرباء ومواد الغذاء الضروري، وشراء الحاجيات الأساسية من طعام ووقود ومستلزمات صحية ومياه...

كما يشير تقرير جديد صادر عن اليونيسف (كانون أول 2021) أن  طفلا من بين كل طفلين  في لبنان معرض لخطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي، وأن حوالي 1.8 مليون طفل، أي أكثر من 80 في المائة من الأطفال في لبنان، يعانون الآن من فقر متعدد الأبعاد، بعد أن كان العدد حوالي 900,000 طفل في عام 2019  ،  وهم يواجهون اليوم خطر تعرضهم للانتهاكات

تكشف الأرقام نتائج مروعة على المستوى الإنساني، مئات الآلاف من الأطفال في لبنان معرضون للخطر، ينامون وهم جياع، بحيث أن 77 في المائة من العائلات اللبنانية ليس لديها ما يكفي من الطعام أو المال لتأمين حاجاتها للطعام وحده، وأن 60 في المائة من العائلات تقترض لشراء الطعام والأساسيات، أي أن 30 في المائة من الأطفال غير قادرين على تلقي العلاج اللازم أو الرعاية الصحية الأولية التي يحتاجون إليها، ولا يمكنهم الذهاب الى مدرستهم.

إن مستقبل جيل كامل من الأطفال في لبنان على المحك... إنهم يناضلون للتصدي لأحد أسوأ حالات الفساد الإقتصادي في  التاريخ العالمي الحديث. وهم يكافحون لمواجهة تحديات جائحة كوفيد-19 ، وعواقب تفجيرات مرفأ بيروت الهائلة التي حدثت في آب/أغسطس 2020.

هكذا تتفاقم الأزمة بسرعة وتضرب جميع، العائلات اللبنانية كما اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء حيث تشير الارقام الأخيرة في تقرير اليونيسيف المعنون: "الأطفال على قيد الحياة بدون أساسيات العيش" الى تراجع دراماتيكي في أسلوب عيش الأسر اللبنانية، نتيجة تفاقم تأثيرات الأزمة على كافة متطلبات الأمن الغذائي، في وقت ّ يستضيف لبنان أكبر تجمعات اللاجئين والنازحين المنتشرين في أكثر من 2500 عشوائية ومحلية تتوزع في كافة الأراضي اللبنانية، حيث "يعيش اليوم 1.4 مليون طفل من مختلف الجنسيات في حالة حرمان.. معرضون للخطر ..ينامون وهم جياع، بحسب تقرير منظمة اليونيسيف عام 2020،  وتتم مساعدتهم للبقاء على قيد الجياة في برنامج تحويل الأموال "من إلى" للأطفال السوريين المشردين في لبنان (يونيسف وبرنامج الأغذية العالمي)، وتعتبر شبكة الحماية الاجتماعية في البلاد ضعيفة للغاية، حتى بات لبنان بمثابة مخيّم كبير،  كما أنه وبعد أكثر من عشر سنوات على وجود النازحين السوريين، لا زال لبنان يصنّف البلد الأول في العالم من حيث نسبة اللاجئين إلى عدد سكانه، كما أنه البلد الأول في العالم من حيث كثافة اللاجئين بالنسبة لمساحة الأرض اللبنانية....

 

خطة الحكومة لا تؤمن التعافي

لعبة الأرقام مستمرة في إخفاء الحقائق، ولطالما تم التهويل وتخويف اللبنانيين من صندوف النقد الدولي، والذي سيطالب بتحميل نتائج الأزمة المالية للفقراء في لبنان، حيث تبيّن أنها كانت محاولة لتضليل الناس من أجل تمرير خطة التعافي على حساب الشعب الفقير، والذين جوعتهم الدولة وسرقة ودائعهم وحقوقهم لحماية أصحاب الثروات، وبعض السياسيين وكبار التجار ورجال الأعمال وأصحاب الوكالات الحصرية، ورجال الدين من الذين لا زالوا يدافعون عن المافيات الحاكمة، ممن هربوا أموالهم ويعملون على حماية الفساد المالي.

 لقد إختصر رئيس الحكومة هذا المشهد بعد إجتماع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية في العاشر من شباط 2022 ، حيث تم إقرار الموازنة بأعبائها الضخمة، وذلك بتأكيد إفلاس الدولة وعدم تمكنها من تأمين الخدمات الأساسية للشعب، مثل الكهرباء والإتصالات، وبخاصة عجزها عن حماية أموال اللبنانيين وتعويضاتهم، وودائعهم المحتجزة في المصارف، علماً أنه كان قد صرّح قبل ذلك بأن لبنان كان يعيش "على الهِبات على امتداد السنوات الماضية، والاتكال على مساعدة صندوق النقد او البنك الدولي او الاتحاد الاوروبي ووكالات الامم المتحدة".

يأتي هذا الموقف بينما يندفع لبنان بأقص ىسرعة نحو الإنفجار الداخلي وهو يغرق في أزمات متنوّعة ومتتالية باتت تشكل خطراً على وجوده، في مقابل الحالة الكارثية التي أصابت الشعب اللبناني وهو يعيش على حافة الهاوية، يتلمس وسيلة النجاة، ويفتقر كليا إلى الخدمات الأساسية العامة، من كهرباء ومياه الشرب، والأدوية للمرضى الفقراء، والصرف الصحي والتعليم، حتى بات أكثر من ثلاثة أرباع الأسر اللبنانية تعيش تحت خط الفقر وفي ظروف سيئة جداً تشبه ما حدث أثناء الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و1990، بحيث أن الإحتجاجات الشعبية حول غلاء الأسعار وما يحدث في السوق السوداء والتجمعات الكثيفة أمام الأفران ومحطات الوقود، والمتنقلة من طرابلس إلى أحياء بيروت وصيدا، تضاف إليها مشاهد النساء والأطفال من الفئات الشعبية الفقيرة التي تضربها المجاعة في البحث عن الرغيف وهو يباع بأسعار خيالية نتيجة الإحتكار والتهريب، او الدواء المفقود في مخازن محمية من المساءلة، بعد رفع الدعم وترك اللبنانيين إلى مصيرهم، كلها باتت تعيد إلى الذاكرة مشاهد زمن المجاعة الكبرى (1915-1918) التي ضربت لبنان قبل أكثر من 100 عام.

 

بالمقابل وبينما ينحدر لبنان إلى المزيد من الغرق،  لا توجد طريق للتعافي بدون خطة، لقد سقط النموذج المالي والإقتصادي الهش، وفشلت الجمهورية على أيدي السلطة السياسية الحاكمة والتي إعتمدت سياسة الإنكار بلا مبالاة، وإستمرت تتقاسم الحصص منذ ثلاثة قرون، مما أدى إلى تفكك البلاد، وفشل المؤسسات المالية والسياسية التي باتت على وشك الإنهيار، وهذا الوضع المتهالك بمرور الوقت يدفع لبنان بسرعة الى نتائج كارثية لا تحمد عقباها، بحيث أن تفادي السقوط إلى الهاوية بات يتطلب اليوم خطة تعافي واضحة المعالم، ولا تكون على حساب الفقراء وحدهم، بينما يتمتع رجال السياسة والأثرياء بالحماية الكاملة، بعد أن هربوا أموال اللبنانيين وحجزوها في المصارف، كأسوأ ما حدث من عمليات إحتيال ونهب لم يشهد العالم مثيلاً لها....

 

الانهيار على حساب الفقراء

لقد كشفت التطورات الحديثة بداية العام 2022، منذ إستئناف الحكومة الإجتماعات لإعداد الموازنة، وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أن هناك محاولة لتمرير خطة مالية اقتصادية جديدة لا تحقق الإنقاذ المطلوب، حيث تبيّن أن خطة التعافي المقترحة كانت محاولة لحماية أصحاب الثروات الكبيرة، وهي  لا تراعي مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، بل تحاول التلاعب بالأرقام دون الكشف عن تفاصيل الخطة للرأي العام قبل إقرارها،  وذلك بطريقة استنسابية لتحميل المودعين الصغار أعباء الأزمة المالية عبر هندسات مالية جديدة تحت عنوان "الليلرة للودائع"، وبطريقة تدفع البلاد إلى المزيد من الإفقار، ثم الإدعاء أن هذه الإجراءات مطلوبة من صندوق النقد الدولي، الذي استغرب تصرّف المسؤولين لعدم اعتماد الشفافية في  عرض الخطة والنقاشات حولها، مما أدى إلى رفضها من قبل ممثلي الصندوق الذين طالبوا بإجراء الإصلاحات الموعودة والعدالة في توزيع الخسائر، واستغربوا  تصرّف منظومة السلطة السياسية والإقتصادية في لبنان..

هذا التصرّف يؤكد  ويكشف حجم نهج الفساد المتعمّد من قبل الحكومة، والمنتشر في لبنان على كافة المستويات، حيث يتم استمرار  تعطيل كافة عمليات التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان لاسترداد الأموال المتأتية عن الفساد والجرائم، وبخاصة في عمل القطاع المصرفي اللبناني، وعملية التحويلات المالية إلى الخارج لعدم إقرار قانون الكابيتال كونترول، وتعطيل التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، ومتابعة الدعاوى القضائية المفتوحة في العديد من البلدان الأوروبية.. مما أدى إلى "انهيار أبسط الخدمات العامة نتيجة الخلاف السياسي الداخلي المستمر والمنهك ؛ وهجرة الأدمغة الجماعية ونزيف رأس المال البشري، وتهجير الشباب واصحاب المهارات العالية على نطاق واسعفي غضون ذلك ، يتحمل الفقراء والطبقة الوسطى ، الذين لم يتم خدمتهم بشكل جيد في ظل هذا النموذج في المقام الأول ، العبء الرئيسي للأزمة".

كذلك وفي غياب التوافق السياسي، فقد أدى الصراع الداخلي المتواصل بين المسؤولين  إلى حرمان لبنان الاستفادة من موارده الطبيعية كما يحصل في موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي وتحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان للاستفادة من الموارد المالية المتوقعة في الحقول النفطية وهو أمر وطني يتعلق بسيادة الدولة، سيّما وأن لبنان اليوم يفاوض باتجاه صندوق النقد الدولي، ويحاول الخروج من أزمته الإقتصادية، وهو بحاجة ماسة  لموارده الطبيعية بإستثمار النفط والغاز المتوفر في مياهه، بينما كانت الثوابت الوطنية تستوجب تحكيم اللجان الفنية والعلمية وتوحيد الموقف اللبناني، بإعتماد النتائج التي توصل إليها فريق الخبراء المكوّن من التقنيين والقانونيين والعسكرين في ترسيم الحدود البحرية، لا سيّما بعد إجراء المفاوضات غير المباشرة، وذلك باستكمال وتوقيع المرسوم رقم 6433/2011 المتعلق بالحدود البحرية الجنوبية والموقع من قبل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني بعد دراسته وتوثيقه بالخرائط الدولية، ومن رئيس الحكومة والوزراء المختصين بتاريخ 12 نيسان 2021، ثم إرساله بشكل رسمي إلى الأمم المتحدة،  لضمه كوثيقة رسمية تضاف إلى ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية في لبنان، حيث لا يمكن أبداً  إجراء مفاوضات أو مراعاة مصالح خاصة ومساومات تحت الضغوط الخارجية على حساب الشعب اللبناني ومياهه، وسيادة الوطن وحدوده وثرواته.

ويتبيّن بالعودة إلى تقارير سابقة حول لبنان منذ العام 2016، من صندوق النقد والبنك الدولي،، وتضمنت تحذيرات ومخاوف من حجم الديون والفساد المستشري في لبنان، وتداعيات الأزمة المالية على الوضع الإقتصادي، وذلك بسبب ارتفاع الدين العام ومدفوعات الفوائد ، بينما كان عجز الميزانية الإجمالي في لبنان ينمو على الرغم من تسجيل فائض أولي في الميزانية (لا يشمل مدفوعات الفائدة)، ويتبيّن مثلاً أن الخطة التي إعتمدتها الحكومة لزيادة الإيرادات في السنوات الأخيرة كانت فاشلة، ففي عام 2017  مثلاً بلغ  الدين العام 155 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، بحيث تجاوزت مدفوعات الفائدة وحدها، أو النسبة المئوية للحصة من إيرادات الحكومة 36 في المائة من إجمالي الإنفاق في لبنان الذي جاء في مقدمة البلدان التي كانت تتعرض للمخاطر .

 

المحاصصة في النظام الإقتصادي المتوحش

طوال السنوات الماضية، فقد رفضت المنظومة الحكومية إعادة النظر في الظروف المالية وإجراء عملية تقييم شاملة للوضعين الإقتصادي والمالي، لجهة نمو الناتج المحلي الإجمالي الهش، وارتفاع تكاليف الاقتراض وعدم اليقين السياسي المتزايد ، وبخاصة ارتفاع أسعار وأعباء الفائدة في السنوات الأخيرة ، مما أدى إلى عجز مالي إجمالي كبير، فضلاً عن العجز الضخم في الحساب الجاري والمالي  وإستمرت بإعتماد هندسات مالية برغم التقارير التحذيرية التي تلقنها من البنك الدولي "دولارات مقابل الثقة" طيلة السنوات الماضية... ، ورغم تعرضها بشدة لأعباء الديون الضخمة في مواجهة المخاطر المتزايدة لتخفيض التصنيف السيادي .. مما أعاق كافة الجهود نحو التنمية المستدامة. لحهة فشل  كافة  مشاريع التنويع الاقتصادي وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية، ثم تحسين وتعزيز إدارة المالية العامة والحفاظ على الثقة...

وقد لخص تقرير البنك الدولي مختلف جوانب الأزمة اللبنانية في عدد خريف 2021، المعنوّن "المرصد الإقتصادي اللبناني: الإنكار الكبير"، والذي يكشف بوضوح "أن "الكساد المتعمّد"في لبنان هو من صنع قيادات النخبة في البلاد التي تتحكم بكافة مؤسسات الدولة وتسيطر على مواردها"، ليتم توزيعها بالشراكة عبر المحاصصة السياسية. وقد إستمرت هذه الشراكة منذ نهاية الحرب الأخيرة قبل ثلاثة عقود، حتى باتت الأزمة اللبنانية اليوم كواحدة من أشد ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينات القرن التاسع عشر، وباتت تُعرّض للخطر الاستقرار والأمن الاجتماعي الهش نتيجة الإجماع السياسي على حماية النظام الإقتصادي المتوحش والمفلس، والذي إستفاد منه زعماء  السياسة وكبار التجار والمحتكرين  ورجال الأعمال من الذين حولوا  لبنان إلى أكبر سوق سوداء للتلاعب بالدولار، وتجارة المحروقات والغذاء والدواء، تضاف إليها أبشع أنواع الإحتكارات والمضاربات غير المشروعة، ومنافذ التهريب المفتوحة عبر الحدود إلى الخارج، مما أدى إلى تسارع عملية الإنهيار  نتيجة الصراع السياسي والتعطيل والفراغ في الحكم، والتقاعس المتعمّد عن إتخاذ السياسات الملائمة لحماية الأمن الإجتماعي، حتى وصلت الأزمة إلى حالة أسماها البنك الدولي " "إنكماشاً وحشياً وسريعاً"، حيث إرتفعت نسبة الفقر المتعدد الأبعاد "بحسب بيانات الإسكوا إلى نحو 82 في المائة عام 2021 (ويرتفع الرقم ليبلغ نحو 99 في المائة في أسر النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين)، وذلك نتيجة إنخفاض قيمة العملة الوطنية بعد إرتفاع كبير في سعر الدولار، وخسارة أكثر من 90 في المائة من قيمة الليرة، ففي عام2020، إنخفضت قيمة الليرة بنسبة 250 في المائة مقابل الدولار، ثم تراجعت في عام 2021 أيضاّ بنسبة 210 في المائة، بالإضافة إلى إرتفاع معدلات التضخم،، حيث بات أكثر من نصف اللبنانيين  دون خط الفقر الوطني، قلقون بشأن الحصول على طعام كاف، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي.

 

بإنتظار الإنفجار الإجتماعي

اليوم بعد فشل السلطة السياسية الحاكمة في وضع البلاد على طريق التعافي، ومواصلة شراء الوقت للحفاظ على أسس النظام المفلس، ومنع التغيير المنتظر من قبل اللبنانيين، وبعد فشل كل المؤسسات الدستورية في تطبيق القوانين ومحاربة الفساد، وإعتماد الشفافية والمساءلة في الحكم..

 فقد بات السؤال الصعب يتركز حول كيفية إعادة بناء النظام وتنظيم المؤسسات السياسية والمالية لإنقاذ الدولة وإعادة تنظيم الهياكل الإدارية المتصدعة، وذلك قبل أن يتم إفراغ لبنان من سكانه وموارده، وما هي الإجراءات الممكنة لتدارك الأسوأ في المزيد من الغرق، وبالتالي وقف الإنهيار المتسارع بمرور الوقت وقبل الإصطدام بالفوضى الشاملة،

بإنتظار نتائج الإنتخابات القادمة، المجاعة تضرب اللبنانيين، وبينما تتمسك السلطة الحاكمة بحماية الإقتصاد المفلس، تحاول الحكومة الحالية تدارك الأسوأ دون القدرة على إحداث أية إصلاحات بنيوية في جدار الأزمة وذلك نتيجة سياسة تقاسم الحصص وعدم الثقة والإستنفار الدائم بين زعماء السلطة العاجزة عن صياغة أية عناوين في خطة إصلاحية شاملة لتأمين الخدمات الأساسية للشعب طيلة المرحلة القادمة، بحيث يتم الإستعداد للإنتخابات على قاعدة الولاءات الحزبية  والسياسية وتحت تأثير الصراعات الإقليمية والدولية، ودون إعطاء أولوية لتوفير الحلول للأزمة المعيشية للناس، بينما تبدو الأكثرية الصامتة مشتتة ضائعة وغارقة في اليأس، وغير قادرة على توحيد المواقف في مواجهة الشبكات الحزبية المنتشرة داخل الطوائف..

الكل بإنتظار ما ستحملة الأشهر القادمة.. البعض يراقب التطورات الخارجية ونتائجها على لبنان، وأحزاب السلطة تسعى لتثبيت قواعدها إستعدادا للمرحلة القادمة، بينما تتراكم الأعباء على كاهل اللبنانيين منذ نهاية عام 2019..

 تفاقم أزمات المعيشة.. وغلاء الأسعار.. وهجرة الشباب، والبطالة في مواجهة الكساد وإنتشار وباء كورونا، وبعدها تداعيات إنفجار مرفأ بيروت، والتشرّد.. والفقر.. والمجاعة.. وتسارع الأحداث الأمنية. والسرقات.. والإنتحار.. ‏ كلها مؤشرات سلبية خطرة  باتت تهدد إستقرار الدولة ووجودها،  وتدل على الإنفجار الإجتماعي القادم.‏

 

========

Friday, February 4, 2022

برنامج ملفات - 12-10-2021 - الملف الثالث


الهجرة والتغيير الديمغرافي - مع د.علي فاعور

..من إعداد وتقديم الإعلامي عباس زلزلي Nbn برنامج ملفات - 12-10-2021 - الملف الثالث تلفزيون 

ماهي المؤشرات الرئيسية المقلقه التي تنذر بموجة هجرة كبيرة من لبنان

العقول اللبنانية المهاجرة: خسائر بالمليارات
  1.  تلفزيون ..مقابلة في 4 أيلول 2021 ، Ltv news برنامج خطوط موازية
هجرة العقول اللبنانية:
تحدي مصيري وصمام امان، ومستقبل لبنان في خطر حقيقي.
مقابلة بالارقام تستحق المتابعة للاخر، والنشر لاهميتها، لكون ما يخسره لبنان اليوم لفقدان الادمغة المهاجرة يساوي المليارات..

مقابلة حول:
"الدوافع والمؤشرات التي تنذر بموجات هجرة كبيرة من لبنان."
صباح الجمعة 4 أيلول 2021، عبر تلفزيون "لنا بلاس" في بيروت، الساعة الواحدة ظهرا..