Tuesday, April 6, 2021

نشأت لبنان والتكوين في الإطار الجغرافي، 21 نيسان 1993.

 

كتابة تاريخ لبنان.. إلى أين..؟ .. التكوين في الإطار الجغرافي

بحث أعده  الدكتورعلي فاعور..وقدم في ۲۱ نیسان ۱۹۹۳، ضمن حلقات دراسية متخصصة، نظمتها جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية،  حول: "كتابة تاريخ لبنان، إلى أين؟"....

جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت

المحور الأول : الجذور التاريخية والحضارية للبنان

الحلقة الاولى: التكوين في الإطار الجغرافي

للدكتور علي فاعور

يرأس الحلقة : الدكتور عصام خليفة








يتضمن البحث نظرة جغرافية حول تكوين لبنان في الإطار الجغرافي وهو يعالج النقاط الآتية، كما يلي:

1- التكوين في الاطار الطبيعي

2- تكوين الإطار الجغرافي

3- توسيع الإطار الجغرافي

4- لبنان الكبير.. الولادة العسيرة 

       - الحدود اللبنانية الفلسطينية

        - الحدود اللبنانية السورية

5- تنظيم المكان الجغرافي

        - التنظيم الإداري

       - تمركز السكان في المدن والتوزيعات الطائفية

كيف نستخلص من هذه المداخلة ؟

فهل ننجح في إنقاذ لبنان والحفاظ عليه.

جمعية متخرجي المقاصد الاسلامية

           في بيروت

كتابة تاريخ لبنان ، الى این ...؟

 ( حلقات دراسية متخصصة )

 المحور الأول : الجذور التاريخية والحضارية للبنان

الحلقة الأولى

نشأت لبنان

التكوين في الاطار الجغرافي

 

للدكتور علي فاعور


يرأس الحلقة : الدكتور عصام خليفة

 

  جمعية متخرجي المقاصد الاسلامية، بيروت، في ۲۱ نيسان ۱۹۹۳ ،

  نشأت لبنان

والتكوين في الإطار الجغرافي

 موجز بحث قدمه  د. علي فاعور في ۲۱ نيسان ۱۹۹۳ ،

ضمن حلقات دراسية متخصصة نظمتها جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية

حول كتابة تاريخ لبنان، الى أين؟ ..

  

يتضمن البحث نظرة جغرافية حول تكوين لبنان في الإطار الجغرافي وهو يعالج النقاط الآتية، كما يلي:

 

١ - التكوين الطبيعي :

       إن لبنان الحالي بحدوده وطبيعته لم يتخذ شكله المعروف دفعة واحدة، بل لقد استغرق هذا التكوين زمناً طويلاً استمر ملايين السنين، والأرجح أن النواة الأولى قد تكوّنت تحت مياه البحر في أواسط الطور الجيولوجي الثاني، وذلك بشكل ترسبات قارية، ومن ثم عضوية ( بقايا النباتات والحيوانات)، وهناك اعتقاد سائد أن قمم جبل حرمون ( أو جبل الشيخ)، تمثل في التاريخ الجيولوجي أول الأراضي اللبنانية التي ظهرت فوق المياه.

     وفي الطور الجيولوجي الثالث ظهرت الحفر والأخاديد الطولية الضخمة ومنها الأخدود الأفريقي الأسيوي الأعظم الذي يمر عبر سهل البقاع في لبنان. وفي الطور الجيولوجي الرابع تكوّنت السهول الداخلية وتشكل السهل الساحلي الضيّق .

    وبشكل عام فإن تضاريس لبنان حديثة النشأة ، في الزمن الجيولوجي الثالث، على أبعد تقدير، أي أنها بدأت بالتشكل منذ حوالي ( ٢٥ - ٣٠ ) مليون سنة ، وأخذت صورتها النهائية في الطور الرابع ، أي قبل حوالي مليون ( ١ - ١.٥ ) سنة.

 

٢ - تكوين الاطار الجغرافي

ان الاتفاق على بروتوكول ١٨٦١ و ١٨٦٤ ، هو الاطار الذي أعطى جبل لبنان بعض الاستقلال الذاتي ضمن حدود معينة، وخلال تقسيم الحصص ومناطق النفوذ بين فرنسا وبريطانيا، حاول المندوب الفرنسي توسيع حدود لبنان لتشمل حاصبيا وراشيا ومرجعيون جنوباً، ثم ضم صيدا وبيروت وطرابلس وعكار حتى النهر الكبير شمالاً، مع إدخال البقاع شرقاً، لكن المعارضة الانكليزية حالت دون تحقيق هذا الهدف، حيث امتدت حدود المتصرفية في الجنوب حتى مدينة صيدا.

    وقد أدى التنافس الفرنسي الانكليزي الى تقسيم المنطقة بين الدولتين، وذلك بموجب اتفاقية سایكس - بيكو عام ١٩١٦ ، التي وضعت الساحل السوري، من إسكندرونة  شمالا حتى صور جنوبا - وهي المنطقة التي حددت بالأزرق على الخريطة - تحت الحكم الفرنسي المباشر .

 

3- توسيع الاطار الجغرافي

      ويبدو ان الصراع قد بلغ أشده حول ترسيم الحدود الجنوبية للبنان، خصوصاً مع تزايد الاطماع الصهيونية، وفي ٢ تشرين الثاني ۱۹۱۷ ، أعطى الانكليز "وعد بلفور" للصهاينة في فلسطين، بعد ان كانت قد وُضعت مع الفرنسيين تحت ادارة دولية بموجب اتفاقية سايكس - بيكو .

  

   وقد احتدم الصراع في الفترة الفاصلة بين ۱۹۱۸ - ۱۹۲۰ ، وهي المرحلة الدقيقة التي سبقت اعلان دولة لبنان الكبير، والتي تُعتبر مرحلة مصيرية وحاسمة في تاريخ لبنان المعاصر، وقد ركزت القوى الداخلية على المطالبة بإعادة لبنان الى وحدوده التاريخية والطبيعية ، وذلك بضم بيروت و طرابلس وعكار، وصيدا وصور ومرجعيون، والبقاع وبعليك.

       وفي المقابل فقد تميّزت السياسة الفرنسية بالتردد وتعدد المواقف، وقد حاول الانكليز خلال المفاوضات مع الفرنسيين في مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس عام ۱۹۱۹، تصغير مساحة لبنان، ومد حدود فلسطين في الشمال حتى صيدا، لتحقيق الاطماع الصهيونية، التي تجلّت في المذكرة التي تقدم بها الوفد الصهيوني ( والمؤرخة في 3 شباط (۱۹۱۹) الى مؤتمر السلام، والتي تضمّنت ما يلي :

   " ان جبل الشيخ (حرمون) هو أب المياه الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاسمة الى جذور حياتها الاقتصادية بالذات"....

 

4- لبنان الكبير - الولادة العسيرة :

      خلال صراعات امتدت أكثر من نصف قرن، كان الاطار الجغرافي للبنان يتقلّص، ثم يعود ليأخذ ابعاده الطبيعية، وذلك من تاريخ تأسيس متصرفية جبل لبنان عام ١٨٦١، ككيان سياسي خاص داخل النظام العثماني ، وحتى عام ۱۹۲۰ ، تاريخ اعلان دولة لبنان الكبير، حيث كانت الولادة العسيرة، عندما أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير من الناقورة الى النهر الكبير.

     اما التنظيم الاداري الذي صدر لدولة لبنان الكبير، فلم يتضمن التفصيلات اللازمة للحدود، خصوصا الحدود الجنوبية، المتنازع عليها، وقد تضمّنت التقسيمات الادارية المرفقة " قضاء صور المؤلف من القسم الجنوبي من الشمّر، ومن القسم الواقع شمالي الحدود الفلسطينية من بلاد بشارة . ثم قضاء حاصبيا المؤلف من قضاء حاصبيا الحالي ومن مرجعيون حتى الحدود الفلسطينية"[1] .

 

أ - الحدود اللبنانية - الفلسطينية :

إن ترسيم الحدود اللبنانية الفلسطينية قد تم على مرحلتين:

·        الأولى عام ۱۹۲۲ ، وذلك عبر إتفاق بوليه - نيو كومب (Paulet–Newcombe Agreement) بين فرنسا وانكلترا.

·        الثانية عام ١٩٤٩ بعد اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل ..

    

       ويلاحظ بالمقارنة بين المرحلتين ان لبنان قد خسر بعض الأراضي نتيجة الضغوط التي مارستها المنظمات اليهودية، حيث تغيّرت الحدود بين لبنان وفلسطين عدة مرات ، فبعد اتفاقية سايكس بيكو عام ۱۹۱٦، كانت الحدود تمتد من نقطة تقع شمالي عكا حتى بحيرة طبريا، ثم نُقلت نحو الشمال عند توقيع اتفاق بوليه - نيوكومب، بل لقد حاول الانكليز توسيع الحدود استجابة لضغوط الحركة الصهيونية، حيث خسر لبنان العديد من القرى ( هونين، صلحا، المالكية، القدس، ابل القمح، تربيخا، صلحا، النبي يوشع)..

      نستنتج وفي إطار الجغرافية السياسية، أن لبنان قد وقع ضحية الموقع، كدولة ضعيفة في عملية الصراع والمواجهة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، التي استخدمت جنوب لبنان كمنطقة أمنية ، دون حصول اعتراض دولي على ذلك، بينما حافظ لبنان على استقراره الهش مراهنا على المتغيرات الدولية في منطقة الشرق الأوسط، رغم أنه الدولة العربية الوحيدة التي لديها حدود دولية بموجب إتفاق الهدنة الموقع في بلدة الناقورة عام 1949 .

ب - الحدود اللبنانية - السورية :

       يبلغ طولها حوالي 375 كلم  (233 ميل)، وهي تبدو في معظمها حدود طبيعية، تتوافق مع العرف الدولي المتبع لرسم الحدود بين الدول، وهي في امتدادها تساير في اماكن كثيرة خطوط تقسیم المياه في سلسلة جبال لبنان الشرقية. وبالعودة إلى مراحل تاريخية يلاحظ أن هذه الحدود قد رسمت بعد اعلان دولة لبنان الكبير في اول ايلول ۱۹۲۰ .

تبدأ هذه الحدود في الجنوب من نقطة التقاء الحدود السورية الفلسطينية اللبنانية وذلك عند دخول نهر الحاصباني إلى فلسطين، ثم تتجه شمالا ، وتدخل كتلة جبل الشيخ ، وفيها تتبع الحدود خط القمم في الكتلة الجنوبية وتتوافق مع تعرجاته، وذلك مرورا بنقطة ۲۲۹۹ م في ضهور عين الجوز المطلة على بلدة شبعا، ثم قمة حرمون 2814 م في النقطة المسماة قصر شبيب. . وبعد تعرجات تتابع الحدود باتجاه شمالي شرقي، وذلك عبر القمم في الجبل الشرقي ، حتى يبلغ قمة طلعة موسى على ارتفاع ۲۹۲۹ م .

بعدها تتابع الحدود شمالاً سالكة خط القمم في جبل زمراني حتى قمة 2364 م، ثم على

امتداد الخط الحديدي وعبر طريق حمص، لتنتهي عند بلدة العريضة ال لبنانية في الساحل.

ب - تمركز السكان في المدن و التوزيعات الطائفية

يبلغ إجمالي عدد السكان المسجلين (سجلات النفوس) في لبنان 5,6 مليون نسمة تقريباً[2] ، بينما يقدر عد د السكان المقيمين بحوالي 3٫5 مليون نسمة، بحيث يرتفع متوسط الكثافة السكانية الى ۳۲۰ نسمة / كلم ۲ .

إن أبرز مظاهر التمركز السكاني في لبنان تتمثل بزيادة سكان المدن التي تضم اليوم حوالي ٪۸۳ من مجموع سكان لبنان ثم نشوء الضواحي حول بيروت التي تحولت إلى مجمعة مدينية ضخمة.

إن التوزيعات السكانية كما هي الآن على الأرض أوتوزيعات السكان المقيمين ، تبدو مغايرة كلية لمثيلتها على الورق في السجلات، فبينما تشير توزيعات السكان المسجلين إلى وجود ۱۳ ٪ من السكان في محافظة بيروت و ۲۷ ٪ في جبل لبنان، نجد أن توزيعات المقيمين تؤكد أن بيروت الكبرى وحدها تضم اليوم أكثر من نصف سكان لبنان، كذلك الحال بالنسبة للجنوب اللبناني والذي يضم اليوم فقط ۱۹ ٪ من سكان لبنان المقيمين بينما يضم ۲۳ ٪ من السكان المسجلين .

كيف نستخلص من هذه المداخلة ؟

آن قراءة دقيقة للجغرافيا ، بل إن وقفة تأمل في المجال الجغرافي اللبناني تبرز بوضوح اننا

امام الامتحان التحدي، وهذا يستوجب تقديم بعض المقترحات الأساسية، نوجزها كما يأتي :

 1 - استصلاح واسع للأراضي في الأرياف، وذلك لمواجهة مشاكل انجراف التربة وانتشار التصحر بعد تدهور الغطاء النباتي، وتوسع المساحات الصخرية الجرداء..

۲ - تنفيذ مشروعات الري في لبنان، خصوصا المتعلقة منها بنهر الليطاني .

٣ - التوجه لتأمين العدالة في توزيع الدخل، ثم تحقيق استفادة الناس من السلع الاجتماعية: مثل التعليم والخدمات الصحية والإسكان .

4-  إصلاح النظام التربوي وتطوير مناهج التعليم لتوحيد اللبنانيين .

ه - صياغة سياسة سكانية واضحة ، مما يستوجب تنفيذ التعداد السكاني.

فهل ننجح في انقاذ لبنان والحفاظ عليه؟



[1]  الجامعة اللبنانية، مركز المعلومات القانونية، "تحديد التنظيمات الادارية لدولة لبنان الكبير"، التقسيمات الادارية، المادة 3. قرار المفوّض السامي، تاريخ  1 أيلول 1920، الفصل الاول..

[2]  بلغ عدد السكان المسجلين في دوائر النفوس في وزارة الداخلية نحو 6.150.000 حتى نهاية عام 2022.




نشأت لبنان

والتكوين في الإطار الجغرافي

 بحث قدمه  د. علي فاعور

 ضمن حلقات دراسية متخصصة حول: كتابة تاريخ لبنان، الى أين؟ ..

نظمتها جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في ۲۱ نيسان ۱۹۹۳ ،


  مقدمة

        دائما كانت الجغرافيا قبل التاريخ في المنهج والإطار العام، فبينما تتغير البلدان وتزول المقاطعات وتختفي الامبراطوريات، وتتبدل الحدود السياسية للدول باستمرار، مع تبدل القوى وزوال واختلاف الانظمة، تبقى الاراضي على توزعها ووحدتها في الاطار الجغرافي[1] ..

    ومنذ وجد الانسان، وبدأ يتعامل مع الطبيعة، تكوّن المجال الجغرافي ((L'espace geographique  وانحسر المجال الطبيعي، وأخذت الجغرافيا أبعادها من خلال الانسان، حتى أصبحت تمثل بمفهومنا الحديث ذاكرة الطبيعة والمجتمع، بل إنها تدرس بالفعل كتابات الانسان وتأثيره في الطبيعة عبر الزمان والمكان، فبدون الانسان - كعامل بشري - تفقد الجغرافيا مضمونها ومجالها الحي (L'espace vecu) .

   بل إن وجود الجغرافية وقدرتها على الاستمرار بين العلوم، وبرغم الأزمات التي واجهتها، يكمن في المنهج الجغرافي المتميّز، والذي يؤمن الارتباط بين مختلف الظواهر الطبيعية والبشرية والاقتصادية...

ومنذ فجر التاريخ ، (وحتى ما قبل التاريخ) ، حتى يومنا هذا، تتواصل التغيرات، بل لقد حدثت موجات بشرية ضخمة، ترافقت مع تغيرات سياسية وفتوحات عسكرية غطت مناطق واسعة من هذا الكوكب، ثم انحسرت مع تبدل الأنظمة، وهي التي تؤكد أن الحدود السياسية التي رسمها الإنسان ليست في معظمها سوى حدود وهمية ومصطنعة، وضعت في ظروف محددة لتوزيع الغنائم وتقسيم مناطق النفوذ وتحديد العلاقات بين المناطق والدول، بل ان مبدأ تخطيط الحدود على الخرائط هو مبدأ حديث العهد قام بتنفيذه العسكريون والديبلوماسيون في مراحل تاريخية فاصلة.

      وهذا ما ينطبق على ترسيم الحدود والتغيرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، التي رسمت الحدود السياسية فيها مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت بين الدول المتحاربة خصوصا بين فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، رافقتها ثورات ومحاولات استقلالية أدت الى تحرر الدول بعد رحيل الإستعمار.

         ولا بد قبل الدخول في التفاصيل من تحديد الاطار العام الذي اعتمدناه في هذا البحث، بل ان التوجه المرسوم يرتكز الى التعريف الذي يعتبر الجغرافيا ( ذاكرة الطبيعة والمجتمع ،  فهي تدرس المجال الجغرافي الذي يمثل كتابات الانسان في الطبيعة، فالحدود والطرقات والعمران البشري والاقتصادي، والتنظيم السياسي.... هي الابتكارات المتجددة التي أدخلها الانسان في سعيه الدائم لتنظيم المكان وتكوين

المجال الجغرافي ((Organisation de l'espace geographique.

         هذا هو المنحى الذي اعتمدناه في صياغة هذا البحث، فأنا أعترف مسبقاً أن الكتابة في التاريخ والجغرافيا مسألة حساسة في بلد كلبنان، تتنازعه التيارات المختلفة، خصوصاً وأننا نتلمس السبيل الآن للخروج من المحنة التي واجهناها طوال ستة عشر عاماً. لكني مقتنع بعد التوضيحات التي قدمتها، أن كتابة الجغرافية كمادة علمية بمفهومها الحديث ليست كذلك ، وهذا ما دفعني لتكريس حوالي عقدين من حياتي لتأليف الكتاب المدرسي الجغرافي الذي لا زلت أتمسك به، رغم ضخامة المحاولات التجارية الساعية دون ضوابط لتسويق الكتب المدرسية كتجارة رابحة لا رقابة عليها خلال الحرب .

     بل لقد حان الوقت لنعلّم أولادنا جغرافية بلدهم، ونشجعهم على البقاء في أرضهم ، والعودة الى وطنهم بينما هم الآن في شتى أنحاء الأرض يبحثون عن وطن بديل..

         وأود الإشارة هنا، ولو بإيجاز الى علّة باتت تمثل كارثة تعليمية في تطبيق المنهج الرسمي، وتتمثل بتدريس معظم المدارس الخاصة جغرافية لبنان للطلاب مرة واحدة ، طوال المراحل التعليمية الثلاث، وذلك في السنة الثالثة الثانوية، بينما كان يتم إهمال تدريس الجغرافية وكذلك التاريخ - في بقية السنوات لأنها مادة ثانوية ، وقد أسهمت الدولة في ذلك عندما قامت بإلغاء الجغرافية من الامتحانات الرسمية عدة مرات أثناء الحرب، كما كان يأتي نصيب الجغرافية في آخر سلم الاهتمام أثناء قبول الطلاب لإعدادهم في دور المعلمين أو الجامعة اللبنانية وفي كلية التربية المتوقفة عن دورها اليوم[2] ..

 ١ - التكوين الطبيعي :

          قبل أن تنشأ الدولة، وترسم الحدود بين الممالك والامبراطوريات عبر ولادة تاريخية، كانت هناك ولادة طبيعية ارتبطت بالتاريخ الجيولوجي ، خلال أزمنة متوالية بدأت مع تكوين الكوكب الذي نعيش عليه، ولبنان الحالي بحدوده وطبيعته لم يتخذ شكله المعروف دفعة واحدة، بل لقد استغرق هذا التكوين زمناً طويلاً استمر ملايين السنين، وذلك منذ ان بدأت أجزاؤه تترسب في بحر التيس Tethys، الذي تكوّن مكانه فيما بعد البحر المتوسط الحالي.

 

   ولو بحثنا في التركيب الجيولوجي للبنان، فنحن لا نجد أية بقايا تعود للطور الجيولوجي الأول، والأرجح أن النواة الأولى قد تكوّنت تحت مياه البحر في أواسط الطور الجيولوجي الثاني، وذلك بشكل ترسبات قارية، ومن ثم عضوية ( بقايا النباتات والحيوانات)، وهناك اعتقاد سائد أن قمم جبل حرمون ( أو جبل الشيخ)، تمثل في التاريخ الجيولوجي أول الأراضي اللبنانية التي ظهرت فوق المياه، وذلك في أواخر الطور الجيولوجي الثاني وأوائل الطور الثالث، بينما بقيت سفوحه مغمورة بالمياه، ثم بدأت اليابسة تبرز فوق المياه حيناً وتختفي حيناً آخر، وذلك نتيجة الحركات التكتونية الباطنية التي ترافقت مع ثورات بركانية عنيفة، لا تزال بقاياها ماثلة في الصخور البازالتية الموجودة في ميروبا وريفون وعكار وراشيا.

     وفي الطور الجيولوجي الثالث ظهرت الحفر والأخاديد الطولية الضخمة ومنها الأخدود الأفريقي الأسيوي الأعظم الذي يمر عبر سهل البقاع في لبنان، حيث تكوّنت معه بفعل الوقت أخاديد عرضية أدت الى نشوء ممرات تصل الساحل بالداخل ( ممر ضهر البيدر، ممر زحلة - ترشيش، ممر مشغرة - جزين .) وفي الطور الجيولوجي الرابع تكونت السهول الداخلية وتشكّل السهل الساحلي الضيّق .

     وبشكل عام فإن تضاريس لبنان حديثة النشأة ، ولا ترجع أبعد من النيوجين أو نهاية الباليوجين في الزمن الجيولوجي الثالث على أبعد تقدير، أي أنها بدأت بالتشكل منذ حوالي ( ٢٥ - ٣٠ ) مليون سنة ، وأخذت صورتها النهائية في الطور الرابع ، أي قبل حوالي مليون ( ١ - ١.٥ ) سنة، مما يجعلنا نتوقع سيادة الأشكال البنيوية  formes structurales  ، لا المُناخية.

       اما اسم لبنان الجغرافي فقد ورد في النصوص العبرية للتوراة، وهو يرتقي في الأصل إلى اللغات السامية القديمة، فالأشوريون دعوه "لبنانو" والعبرانيون ( "لينون" والأراميون "البنون" ، ومنه اشتق اليونان والرومان، اسمه "ليبانوس" ...

      أما معناه  فالجبل الأبيض، والاسم مشتق من فعل ثلاثي ( لبن ) بمعنى أبيض ، وربما يعود ذلك لاكتساء  قممه الدائم بالثلوج لأنها كما يُقال كانت أعلى منها اليوم بمئة وخمسين متراً[3] ، وذلك من باب تسمية الشيء باسم صفته، كما يرى آخرون أن كلمة ( leben » معناها أبيض أو مبيض وهي ( جبل أبيض[4] (Mont blanc)  ، وذلك بلون الصخور البيضاء ( الكلسية )، التي تغطي حوالي ثلثي مساحة لبنان.

   أما من الناحية الجغرافية فقد استخدمه الجغرافيون في دراساتهم منذ القديم للدلالة على سلسلة الجبال المرتفعة الممتدة شمالي فلسطين بين البحر المتوسط في الغرب والصحراء في الشرق، ودون أن تكون لهذه التسمية طابعها الاداري الخاص. ففي أيام الاغريق والرومان كان اسم لبنان، ولبنان الداخل، يُطلق على سلسلتي جبال لبنان، الغربية الممتدة على موازاة البحر المتوسط بطول ١٥٠ كلم، والشرقية التي

تليها على بعد حوالي ٣٠ كلم في الداخل، وذلك للتمييز بينهما من حيث الموقع ، وكان سهل البقاع الفاصل بينهما يمثل القسم الجنوبي من سوريا المجوّفة.

      ويشير بعض المؤرخين الى أن استخدام اسم لبنان على الصعيد المحلي قد أطلق اصلاً على الأقسام الشمالية العليا من سلسلة جبال لبنان الغربية التي تشرف على الساحل بين بلدتي طرابلس وجبيل، كذلك فان جبل لبنان بالنسبة الى الجغرافيين في الغرب هو جبل من بلاد الشام من جند حمص ، وهذا هو جبل لبنان الذي تحدث عنه المؤرخون الفرنجة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ووصفوه بأنه موطن الموارنة[5]  .

         أما بالنسبة الى المؤرخين الموارنة فقد تضمنت عبارة جبل لبنان ثلاث مناطق هي: بلاد بشري وبلاد البترون وبلاد جبيل .. أما في العصور الاسلامية فقد توزعت الأقسام الشمالية ( من جبل لبنان الى جبل عكار )، والوسطى والجنوبية ( جبل کسروان وجبل الشوف )، كأجزاء من مناطق ادارية مختلفة[6].

      وفي العام ١٨٤١ ، أُعيد تنظيم الأراضي فقُسمت الى قائمقاميتين، واحدة في الشمال هي قائمقامية الموارنة ، والثانية في الجنوب هي  قائمقامية الدروز ، لكن النزاعات المتواصلة أدت الى تأسيس السنجق العثماني المتميّز عام ١٨٦١، والذي سُمّي : ( متصرفية جبل لبنان)...

      هكذا وللمرة الأولى في التاريخ أصبح إسم لبنان ذو طابع إداري خاص، ومعترف به دولياً على الخريطة السياسية.

. 2- تكوين الإطار الجغرافي

     ومهما كانت النظريات والفلسفات، فالأرجح ان الاتفاق على بروتوكول ١٨٦١ و ١٨٦٤ ، هو الإطار الذي أعطى جبل لبنان بعض الاستقلال الذاتي ضمن حدود معينة، وخلال تقسيم الحصص ومناطق النفوذ بين فرنسا وبريطانيا، حاول المندوب الفرنسي توسيع حدود لبنان لتشمل حاصبيا وراشيا ومرجعيون جنوباً، ثم ضم صيدا وبيروت وطرابلس وعكار حتى النهر الكبير شمالاً، مع إدخال البقاع شرقاً، لكن المعارضة الإنكليزية حالت دون تحقيق هذا الهدف، حيث امتدت حدود المتصرفية في الجنوب حتى مدينة صيدا، لتمر في درب السيم، مغدوشة، عين الدلب، محاربية حسانية الفوقا، كفر متى جرنايا، ريحان، جرمق، وعيشية، ثم تصل الحدود حتى قمة جبل الريحان، فجبل نيحا باتجاه الشمال[7]، ( راجع الخريطة المرفقة الحدود لبنان في عهد المتصرفية ).

      ويبدو ان القوى المحلية  قد عارضت هذه التسوية التي فرضت عليها، ويستدل على ذلك من تحديد البطريرك الماروني بولس مسعد الذي إعتبر ( أن جبل لبنان كما يشهد علماء الجغرافية، يبتدىء لجهة الشمال من حدود جبال النصيرية الفاصل بينه وبينها النهر الكبير.. وينتهي الجهة الجنوب عند مرج ابن عامر الى شرقي عكاه، كما 4 يضيف جبل الشيخ وحاصبيا ووادي البقاع وأنتي ليان، في تحديده للبنان من جهة الشرق[8].

       وقد إعتبر الشيخ طنوس الشدياق في كتابه عام ١٨٥٩، أن «جبل لبنان معاملتان، وهما :

·        الأولى معاملة طرابلوس : وأولها شرقي طرابلوس، وآخرها جسر المعاملتين كما لا يزال يسمى حتى الآن).

·         والثانية معاملة صيدا وأولها جسر المعاملتين، وآخرها نهر الأولي عند صيدا[9].

     كما أشار الأب هنري لامنس في الدراسة التي وضعها عام ١٩٠٢، الى أن حدود لبنان الجغرافية هي التي تمتد من البحر المتوسط غرباً، الى النهر الكبير شمالاً، الى العاصي شرقاً، الى الليطاني جنوباً "..... وقد سلخوا عن لبنان قائمقاميتي طرابلس وعكار شمالاً، وقائمقامية صيدا جنوباً، كما تؤكد الدراسة على ضرورة اعادة المدن الساحلية خاصة بيروت الى البقاع لتكتمل حدود لبنان الجغرافية ....

 

ويستدل من متابعة الوثائق التاريخية، أن عدة جمعيات وأحزاب، وشخصيات سياسية ودينية كانت تعمل لتوسيع حدود لبنان . وقد نشطت هذه المحاولات في بداية هذا القرن، وتركزت حول المطالبة بتوسيع حدود لبنان، خصوصاً الحدود الجنوبية، مستفيدة من تزايد النفوذ الفرنسي والتوافق الداخلي الحاصل على تامين مجال جغرافي للدولة، لتؤمن موارد لها، خارج حدود المتصرفية .

   وفي عام ۱۹۱۳ ، أُرسلت الى القنصليات الاجنبية في بيروت عدة مذكرات تطالب بتوسيع حدود لبنان منها مذكرة بلدية زحلة التي وضعت في آذار ۱۹۱۳ وذلك بعنوان : ( البقاع للبنانيين ، وحملت تواقيع عدة مجالس بلديات، وهي : كفرشيما، فالوغا، حمّانا، الخنشارة، برمانا والشبّانية. وتؤكد المذكرة على أهمية ضم البقاع الى لبنان، وهي تورد براهين تاريخية ترجع الى عهد الأمراء المعنيين والشهابيين، وتؤكد على ملكية لبنان لسهل البقاع ، منها و أن لبنان امتد في عهد الأمير فخر الدين الثاني من حلب الى حدود مصر ، كذلك تركز المذكرة على أهمية ضم زحلة وتوابعها لأسباب جغرافية واقتصادية .

 

     وقد أدى التنافس الفرنسي الانكليزي الى تقسيم المنطقة بين الدولتين، وذلك بموجب اتفاقية سايكس - بيكو عام ۱۹۱٦ ، التي وضعت الساحل السوري من إسكندرونة شمالاً حتى صور جنوبا - وهي المنطقة التي حددت بالأزرق على الخريطة - تحت الحكم الفرنسي المباشر . ويتبيّن من الخريطة المرفقة للمعاهدة أن الخط الفاصل بين لبنان وفلسطين، يبدأ من نقطة على الساحل جنوبي صور ، ويمتد حتى نقطة تقع قرب بحيرة طبريا .    

 - توسيع الاطار الجغرافي

        يبدو أن الصراع قد بلغ أشده حول ترسيم الحدود الجنوبية للبنان، خصوصاً مع تزايد الاطماع الصهيونية، وفي ٢ تشرين الثاني ۱۹۱۷، أعطى الانكليز وعد بلفور للصهاينة في فلسطين، بعد أن كانت قد وُضعت مع الفرنسيين تحت إدارة دولية بموجب إتفاقية سايكس - بيكو .

ويلاحظ في الكتاب الذي أصدره بن غوريون (وبن زافي ) حول ( أرض اسرائيل ۱۹۱۷)، أن متصرفية جبل لبنان هي الحدود الشمالية للدولة اليهودية، وقد وضعت الحركة الصهيونية الخطط لتوسيع حدود فلسطين لتشمل منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وسفوح حرمون ووادي البقاع في الشمال . وقد احتدم الصراع في الفترة الفاصلة بين ۱۹۱۸ - ۱۹۲۰، وهي المرحلة الدقيقة التي سبقت إعلان دولة لبنان الكبير، والتي تُعتبر مرحلة مصيرية وحاسمة في تاريخ لبنان المعاصر، وقد ركزت القوى الداخلية على المطالبة بإعادة لبنان الى حدوده التاريخية والطبيعية، وذلك بضم بيروت وطرابلس وعكار، وصيدا وصور ومرجعيون والبقاع وبعلبك، وتطبيق ما ورد في خريطة الاركان الفرنسية للعام ١٨٦١، أي في الشمال النهر الكبير، وفي الجنوب رأس الناقورة، وفي الشرق المنحدر الشرقي للسلسلة الشرقية، وفي الغرب البحر المتوسط[10] .

      ويلاحظ أن توسيع المجال الحيوي لمتصرفية جبل لبنان، قد ارتكز الى معطيات اقتصادية وجغرافية، وذلك بهدف تدعيم الكيان السياسي الذي وُلد عبر تسوية ومساومة وضعت تحت ظروف عام 1860، وذلك بما يوفر ويكفل الإمكانات الاقتصادية والسياسية والبشرية المطلوبة لقيام الدولة.

        ويتأكد هذا المنحى في توسيع الاطار الجغرافي للبنان من خلال المذكرة التي قدمها البطريرك إلياس الحويك في ۲۹ تشرين الأول الى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس، فهي تطالب بإعادة سهول عكار في الشمال والبقاع وبعلبك في الشرق... لأن لبنان بدونها يصبح سلسلة من الجبال والأودية الضيقة، تعجز عن توفير مقومات العيش لسكانها .. كما أن مناطق أخرى مثل صور وصيدا وبيروت وطرابلس، تشكل منافذه الطبيعية الضرورية لحياته الاقتصادية .... انظر الخريطة المُرفقة التي قدمها البطريرك إلياس الحويك..

        وفي المقابل فقد تميّزت السياسة الفرنسية بالتردد وتعدد المواقف، وقد حاول الانكليز خلال المفاوضات مع الفرنسيين في مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس عام ۱۹۱۹، تصغير مساحة لبنان، ومد حدود فلسطين في الشمال حتى صيدا، لتحقيق الأطماع الصهيونية، التي تجلّت في المذكرة التي تقدم بها الوفد الصهيوني  والمؤرخة في 3 شباط (۱۹۱۹) الى مؤتمر السلام، والتي تضمّنت ما يلي : ...

      "إن جبل الشيخ (حرمون ) هو أب المياه الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاسمة الى جذور حياتها الاقتصادية بالذات، وجبل الشيخ لا يحتاج فقط إلى إعادة تحريج وتشجير، بل وأيضا الى أعمال أخرى، قبل أن يُصبح مؤهلاً ليكون خزان مياه البلاد، لذلك يجب أن يخضع كلياً لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة ويملكون القوة الكافية لاستغلال إمكاناته حتى أقصى الحدود.  كما يجب التوصل الى إتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي الليطاني، (أي اليهود في فلسطين الكبرى ) حماية تامة"[11].

     - لبنان الكبير - الولادة العسيرة :

       خلال صراعات امتدت أكثر من نصف قرن، كان الاطار الجغرافي للبنان يتقلّص، ثم يعود ليأخذ أبعاده الطبيعية، وذلك من تاريخ تأسيس متصرفية جبل لبنان عام ١٨٦١ ، ككيان سياسي خاص داخل النظام العثماني ، وحتى عام ۱۹۲۰، تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير، حيث كانت الولادة العسيرة، عندما أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير من الناقورة الى النهر الكبير[12]  .

أما التنظيم الاداري الذي صدر لدولة لبنان الكبير، فلم يتضمن التفصيلات اللازمة للحدود، خصوصاً الحدود الجنوبية المتنازع عليها، وقد تضمّنت التقسيمات الادارية المرفقة قضاء صور المؤلف من القسم الجنوبي من الشمر، ومن القسم الواقع شمالي الحدود الفلسطينية من بلاد بشارة . ثم قضاء حاصبيا المؤلف من

قضاء حاصبيا الحالي ومن مرجعيون حتى الحدود الفلسطينية .

      وقد استند ترسيم الحدود الجنوبية الى الحد الفاصل بين المنطقة الشمالية الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، والمنطقة الجنوبية الواقعة تحت الانتداب الانكليزي ويمتد هذا الحد حسب إتفاق الحكومتين المنتدبتين من ( رأس الناقورة على البحر، على مسافة ٥٠ متراً شمالي مخفر البوليس الفلسطيني، ويسير نحو الشرق، فالشمال الشرقي، والشرق الجنوبي حتى بانياس الباقية ضمن المنطقة الأولى... وهذه أسماء بعض القرى التي يمر بها هذا الحد حتى بانياس، وهي : لبونة، علما الشعب، عيتا الشعب، يارون، المالكية، قدس، ميس، هونين، عديسة، المطلة، إبل، بانياس.

  ثم يسير هذا الحد الى الجنوب شرقي الحولة ( الحولة وقراها كالمطلة والخالصة الحقت بفلسطين)، حتى يمر على مسافة ۹۰۰ مترا جنوبي جسر بنات يعقوب. وهكذا يبقى متجهاً نحو الجنوب محاذياً مجرى نهر الأردن شرقاً حتى مصبه في بحيرة طبريا[13].

 أ - الحدود اللبنانية - الفلسطينية :

      يلاحظ أن ترسيم الحدود اللبنانية الفلسطينية قد تم على مرحلتين: - الأولى عام ۱۹۲۲، وذلك عبر إتفاق بوله – نيوكومب (Paulet–Newcombe Agreement)  بين فرنسا وإنكلترا..

- الثانية عام ١٩٤٩ بعد إتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل .

      - اتفاق بوله - نيو كومب : وقع في 3 شباط ۱۹۲۲، وقد وُضع بعد التسوية التي حصلت في سان ريمو عام ۱۹۲۰ بين الفرنسيين والإنكليز، مما ساعد في تخطيط الحدود وترسيمها على الأرض، وذلك ابتداء من نقطة رأس الناقورة على البحر المتوسط، حيث توجد العلامة رقم (1) الموجودة على بعد ٥٠ متراً شمالي مركز البوليس الفلسطيني، ثم تنتهي في العلامة رقم (۳۸) الموجودة على هضبة علوها ۹۰۰ متراً، في الشمال والشمال الشرقي لقرية أبل ( Abl)، حيث تمر الحدود في خط موازي للطريق التي تربط المطلة ببانياس في الأراضي السورية، حيث تبدأ الحدود السورية الفلسطينية. وبعد تبادل المذكرات بين سفارة بريطانيا العُظمى في باريس، ووزارة الخارجية الفرنسية، أصبح هذا الاتفاق معتمدا ابتداء من 10 آذار ۱۹۲۳ ...

       - اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل في ۲۳ آذار ١٩٤٩ : بعد الموافقة على انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة وتعهدها بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالحدود، قامت لجنة الهدنة اللبنانية - الاسرائيلية بعملية مسح جديدة لتثبيت نقاط الحدود على الخرائط، وذلك بعد إعلان اسرائيل موافقتها على أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، وهي الحدود التي تم ترسيمها في الاتفاق السابق، وقد تم المسح الجغرافي على الأرض بين ۵ و ۱۵ / ۱۲ / ١٩٤٩، حيث جرى تركيز العلامات المحددة على الخرائط[14].

    

     ويلاحظ بالمقارنة بين المرحلتين أن لبنان قد خسر بعض الأراضي نتيجة الضغوط التي مارستها المنظمات اليهودية، حيث تغيّرت الحدود بين لبنان وفلسطين عدة مرات ، فبعد اتفاقية سايكس بيكو عام ۱۹۱٦ ، كانت الحدود تمتد من نقطة تقع شمالي عكا حتى بحيرة طبريا، ثم نقلت نحو الشمال عند توقيع إتفاق بوله - نيوكومب، بل لقد حاول الانكليز توسيع الحدود إستجابة لضغوط الحركة الصهيونية، حيث خسر لبنان العديد من القرى ) هونين، صلحا، برعم، المالكية، القدس، إبل القمح[15] .... التي ضمت الى فلسطين، وقد اعتمدت الصهيونية وسائل متعددة لتوسيع الحدود والحاقها بفلسطين، حيث لجأت الى شراء الأراضي من كبار الملاكين   وضمها، كما إستولت اسرائيل بعد حرب ١٩٦٧ على عدة مزارع في سفوح جبل حرمون، مع مزارع شبعا، كما سيطرت مؤخراً على مساحات واسعة من الأراضي في خراج بلدتي علما الشعب وعيتا الشعب، بالاضافة الى اقتطاع أراضي سهلية خصبة في حوض الوزاني ومزرعة الميسات وسهول العمرة، هذا بالاضافة الى اقتطاع مساحات واسعة من أراضي ميس الجبل وحولا وعديسة.

         هكذا تتعرض أراضي الجنوب اللبناني للقضم باستمرار، وتستفيد إسرائيل في محاولاتها من التناقضات السياسية الداخلية وغياب الموقف العربي، ثم عدم تقيّدها بقرارات مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة، مما يؤكد المخاطر التي تتعرض لها المناطق الجنوبية، ويُثبت أن أراضي الجنوب ومياهه تقع ضمن حدود الأطماع الاسرائيلية، ففي عام ۱۹۷۲، أنشأت الدولة سداً نهرياً صغيراً لتجميع المياه عند نهر الحاصباني بالقرب من بلدة الماري، لمواجهة الجفاف الحاصل في أشهر الصيف، لكن إسرائيل عارضت ذلك ودمرته كلياً، كما فشلت محاولات استثمار مياه الحاصباني والوزاني، وقد أقدمت إسرائيل على احتلال مساحات واسعة من الأراضي في المنطقة وضمّها، حيث أنشأت شبكة مواصلات متطورة، تربط مزرعة الوزاني بالميسات، وهي أراضي لبنانية حتى مستعمرة المطلة، وهي تنفذ منذ مدة مشاريع الري الحديثة، حيث يتم سحب المياه السطحية والجوفية في منطقة الوزاني الى الأراضي المحتلة[16].

     نستنتج وفي إطار الجغرافية السياسية، أن لبنان قد وقع ضحية الموقع، كدولة ضعيفة في عملية الصراع والمواجهة مع الأطماع الاسرائيلية، التي استخدمت جنوب لبنان كمنطقة أمنية ، دون حصول اعتراض دولي على ذلك، بينما حافظ لبنان على استقراره الهش مراهناً على المتغيّرات الدولية في منطقة الشرق الأوسط، رغم أنه الدولة العربية الوحيدة التي لديها حدود دولية بموجب اتفاق الهدنة الموقع في بلدة الناقورة عام ١٩٤٩ ، وبحيث أنه لا يمكن تغيير هذه الحدود من طرف واحد دون موافقة الأمم المتحدة ، وهذا ما نص عليه لاحقاً القرار ٤٢٥ الصادر عن هيئة الأمم المتحدة.

       وبينما تسعى إسرائيل للاحتفاظ بالأرض وتنفيذ مشروعات نقل المياه واستثمارها عبر شق الطرقات وبناء الجسور في المنطقة الحدودية المحتلة، وذلك لمواجهة أزمة المياه التي من المؤكد أنها ستتفاقم في السنوات القادمة، وبرغم أن كافة الدلائل تؤكد هذا المسعى وتُبرز حقيقة الأطماع الإسرائيلية في مشاركة لبنان بمياهه[17]  .... نكاد لا نسمع شيئاً بالمقابل عن مخططات لبنان لاستثمار مياهه رغم حاجته الماسة لها لاستصلاح الأراضي وتثبيت السكان فيها، مما أدى الى إفراغ الأرياف ونزوح السكان للإقامة في ضواحي بيروت.

 ب - الحدود اللبنانية - السورية :

      يبلغ طولها حوالي ٣7٥ كلم، وهي تبدو في معظمها حدود طبيعية، تتوافق مع العرف الدولي المتبع لرسم الحدود بين الدول، وهي في امتدادها تساير في أماكن كثيرة خطوط تقسيم المياه ( lignes de partage des eaux ) في سلسلة جبال لبنان الشرقية.

   وبالعودة الى مراحل تاريخية يلاحظ ان هذه الحدود قد رُسمت بعد إعلان دولة لبنان الكبير في أول ايلول ۱۹۲۰ ، ذلك أن النصوص القانونية للحدود هي قرارات المفوض السامي ذات الأرقام ۳۱۸ ، ۳۰۰۷، ۳۷، و ١٥٣١، الصادرة بين 31/8/1920 و 12/11/1937...

       ولكن بالرغم من رسم هذه الحدود فهي لا تتخذ في امتدادها طابع الحدود الدولية الفاصلة، إلا في الحالات التي تتوتر فيه الأوضاع، وذلك بالرغم من الأزمات السياسية التي مرت ، إذ يتم الانتقال بينهما ببطاقة الهوية الشخصية، وذلك لتداخل المصالح بين الدولتين في إطار جغرافي يستحيل معه الفصل بينهما بشكل دائم .

         تبدأ هذه الحدود في الجنوب من نقطة التقاء الحدود السورية – الفلسطينية اللبنانية وذلك عند دخول نهر الحاصباني الى فلسطين، ثم تتجه شمالاً حتى مزرعة الميسات اللبنانية[18]، وبعدها تدخل كتلة جبل الشيخ، وفيها تتبع الحدود خط القمم في الكتلة الجنوبية وتتوافق مع تعرجاته، وذلك مرورا بنقطة ٢٢٦٩ م في ضهور عين الجوز المطلة على بلدة شبعا، ثم قمة حرمون (٢٨١٤م) (الاسم من اللغة الآرامية) في النقطة المسماة قصر شبيب.

         كما تساير الحدود محور الكتلة العام المتجه نحو الشمال الشرقي، وبعد تجويف نحو الغرب داخل الأراضي اللبنانية، تتابع الحدود امتدادها إلى الغرب من بلدة رخلة السورية، مروراً بقمة جبل المزار على ارتفاع ١٦٨٤م ، تاركة حفرة دير العشائر للبنان، ويقابل هذا الامتداد في الأراضي السورية، تجويف آخر باتجاه لبنان يسير في وادي القرن وتسلكه طريق بيروت دمشق على ارتفاع ١٥٠٠م، حتى شرقي بلدة عيتا الفخار اللبنانية. ثم تتابع الحدود باتجاه شمالي شرقي، وذلك عبر خط القمم في الجبل الشرقي تاركة حفرة الزبداني وجبل الشير منصور في سوريا، وذلك حتى شرقي بلدة يحفوفة في لبنان، وعبر ممر سرغايا (شمال سرغايا السورية )، الذي يسلكه الخط الحديدي بين رياق ودمشق على ارتفاع ۱۳۰۰م، حيث يتجه خط الحدود بعدها نحو الشرق متعرجاً عبر الأودية مكوناً امتداداً يضم قرية الطفيل الى لبنان، ماراً عبر القمم في جبل لبنان الشرقي المعروف باسم جبل سنير ( في الكتب التاريخية القديمة) سابقاً، حتى يبلغ قمة طلعة موسى على ارتفاع ٢٦٢٩م ( في منطقة تسمى جبل الأطنين).

       بعدها تتابع الحدود شمالاً سالكة خط القمم في جبل زمراني حتى قمة ٢٣٦٤م، ثم تسير شمالاً بغرب عبر وادي حورتا على ارتفاع ١٦٠٠ م ، ثم على امتداد الخط الحديدي وعبر طريق حمص ، حيث تنحرف شمالاً بغرب قاطعة وادي نهر العاصي حتى شمال شرق قرية القصير اللبنانية، حيث تشكل تجويفاً يساير المرتفعات الجبلية عبر تعرجات بارزة في خريطة لبنان، خصوصاً الى الغرب من بحيرة حمص وعلى مستوى يبلغ حوالي ٥٠٠م ، لتقطع وادي العطشان فوادي خالد، ثم تجتاز الطريق البرية لتمر في سهلة البقيعة على مستوى ۲۰۰م ، متجهة نحو الغرب عبر مجرى النهر الكبير الجنوبي لتنتهي عند بلدة العريضة اللبنانية في الساحل.

     هذه هي الحدود الدولية للبنان في الاطار الجغرافي ، والتي رافقت إعلان دولة لبنان الكبير، وهي في إمتدادها ترسم إطاراً متعرجاً يضيق ثم يتسع بين الأودية وعبر القمم والسفوح الجبلية، حيث يبرز لبنان كبقعة جغرافية صغيرة من حيث مساحتها البالغة ١٠٤52 كلم ۲ ، والتي تطل على البحر المتوسط بواجهة طولها ۲۱۰ كلم و عرضها يتراوح بين ٢٥ و ٦٠ كلم، بينما لا يزيد العرض في أية نقطة بين الشرق والغرب عن ٨٠ كلم ، حيث يبلغ طول الحدود اللبنانية بكاملها ٥85 كلم .

        إنها بقعة صغيرة من الأراضي تقع في وسط العالم القديم، وهي تمثل حوالي  واحد في المائة من مساحة مصر، و 6 في المائة تقريبا من مساحة سوريا، ثم ١/٥٥ تقريباً من مساحة فرنسا، بحيث أن لبنان يُعتبر أصغر دولة من حيث المساحة في منطقة الشرق الأوسط ( باستثناء البحرين)، لكنها من حيث عدد السكان البالغ ٣.٥ مليون نسمة تضم أعلى كثافة سكانية ( ٣٢٥ نسمة / كلم ٢).

       وما يتميّز به لبنان أيضا عن بقية الدول المجاورة هو التنوّع والتفاوت الحاصل بين التضاريس، وذلك عبر مساحة صغيرة تمتد بين البحر والجبل والصحراء، هذا بالاضافة الى طبيعة البلاد الجبلية، وهي ظاهرة يكاد ينفرد لبنان فيها، حيث تمثل الاراضي المرتفعة فوق ٥٠٠م ثلث مساحة لبنان ( ۳۲۰۰ كلم2)، في حين تعلو الجبال الى ۳۰۰۰ متراً، كما أن 87 في المائة من الأراضي اللبنانية تقع فوق مستوى ٥٠٠ متراً، أما البارز في هذا التوزيع فهو أن حوالي ۹۰ ٪ من مساحة لبنان تقع فوق مستوى ۲۲۰ متراً، بحيث أن ١٠٪ فقط من هذه المساحة تمثل المناطق الساحلية التي يعيش فيها أكثر من ثلاثة أرباع سكان لبنان .

        نستنتج أن تنوّع التضاريس، وبالتالي اختلاف المناطق المناخية والنباتية، وتوفر المياه السطحية والجوفية، كلها موارد طبيعية ينفرد فيها لبنان، حيث تختلف المواسم وتتنوع المحاصيل في رقعة ضيّقة من الأرض، هذا بينما يتزايد عدد النازحين من القرى والأرياف ويتجمع السكان في المدن، مما أدى الى تمركز حوالي نصف السكان في بيروت وضواحيها، وعلى مساحة تمثل أقل من واحد بالمائة من مساحة لبنان.

 ه - تنظيم المكان الجغرافي  Organisation de l'espace

      يرتكز هذا التنظيم الى الوسائل التي تعتمدها الدولة في التعامل مع المكان الجغرافي، ثم إدارة شؤون الناس والمجتمع وذلك من حيث التخطيط والتقسيم الإداري وإستصلاح الأراضي وتنفيذ مشروعات التنمية على اختلافها، بل إن نظام الإدارة السائد في العالم هو الذي تتميّز به دولة عن سواها .

        إن تنظيم المجال الجغرافي يؤثر أيضاً في التوزيعات المكانية Répartition spatiale للسكان، وهي مسألة أساسية ترتكز إليها السياسة الإنمائية في مواجهة حاجات المناطق، وتحقيق الاستقرار لمواجهة المتغيرات الناجمة عن الهجرة الداخلية والهجرة الدولية.

      باختصار إن الطريقة التي يتم بها إدارة وتنظيم المجال الجغرافي مسألة هامة لأنها تحدد كيفية التعامل مع المتغيّرات ومواجهة الأزمات التي تبرز من حين لآخر، ثم اقتراح الحلول اللازمة لها. وسوف نحصر معالجة هذه المسألة في نقطتين: الأولى تتناول موضوع التنظيم الإداري، والثانية موضوع التوزيعات السكانية المتمثلة بالتمركز السكاني في بعض المناطق.

 أ - التنظيم الإداري :

        يتبيّن من تسلسل الاحداث التاريخية ان التنظيم الإداري في لبنان والذي ارتكز الى تقسيم أراضي الجمهورية الى خمس محافظات يعود الى العام ١٩٣٠، وسوف نعرض بإيجاز للمراحل التي رافقت التقسيمات الادارية، والتي تعتبر محاولات أساسية في تنظيم المجال الجغرافي وذلك كما يلي :

- بعد الأحداث الطائفية التي جرت عام ١٨٤٠ ، تم تقسيم جبل لبنان : الى قائمقاميتين، قائمقامية مسيحية تمتد من طرابلس الى طريق الشام، ومركزها بكفيا ويرأسها مسيحي، وقائمقامية درزية تمتد من طريق الشام الى صيدا، ومركزها بيت الدين ويرأسها درزي ، أما دير القمر فقد أُحيلت الى متسلم تركي حيث كان الجبل بإشراف والي صيدا.

         لكن هذا النظام لم ينجح في وقف الفتن الطائفية التي تجددت في الجبل، مما أدى إلى إلغاء القائمقاميتين، ووضع نظام المتصرفية عام ١٨٦١، حيث سُلٍمت إدارة جبل لبنان الى حاكم مسيحي تعينه الدولة العثمانية هو المُتصرف، يساعده مجلس إدارة من ١٢ عضواً يمثلون جميع الطوائف، وقد قُسم الجبل الى سبعة أقضية أو قائمقاميات هي : الكورة، البترون، كسروان، المتن، الشوف، زحلة، جزين، تتبعها ٥٧ مديرية.

- وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد إنتهاء عهد المتصرفية وبداية عهد الانتداب، أصدر الحاكم العسكري في 31 آذار 1919، قراراً بتقسيم لبنان الى ثلاث مناطق، كما يلي :

·        المنطقة الشمالية : تشمل أقضية الشوف وكسروان والبترون، ومركزها البترون.

·        المنطقة الشرقية: تشمل قضاء زحلة، ومديرية الهرمل، ومركزها زحلة.

·        المنطقة الجنوبية تشمل أقضية الشوف، وجزين ومديرية دير القمر ومركزها بيت الدين.

      وبعد إعلان دولة لبنان الكبير ۱۹۲۰ بحدوده الحالية، تم تقسيمه مؤقتاً الى أربعة سناجق و ۱۲ قضاء، أما السناجق فقد توزعت كما يلي:

·        سنجق لبنان الشمالي ومركزه زغرتا.

·        سنجق جبل لبنان ومركزه بعبدا.

·        سنجق لبنان الجنوبي ومركزه صيدا.

·        سنجق البقاع ومركزه زحلة .

          وهي التقسيمات التي أصبحت محافظات فيما بعد، أما بيروت وطرابلس فقد بقيتا مدينتين مستقلتين بانتظار تحديد وضعهما، بينما أصبحت بيروت عاصمة لبنان ...

        وفي عام ١٩٢٥، أعاد المفوض السامي تعديل الإدارة، فقسّم الجبل الى ۱۱ محافظة، وقسّم المحافظات الى ٣٤ ناحية، على كل منها مدير. وفي تاريخ 3/2/1930، تم إلغاء هذا التقسيم، وإنشاء المحافظات الخمس الحالية، والتي قُسمت الی ۱۸ قضاء.

    وفي عام ١٩٥٤ صدر المرسوم الاشتراعي الذي أبقى عدد المحافظات وزاد عدد الاقضية الى عشرين. كما أعيد النظر لاحقاً ( في المرسوم الإشتراعي رقم ١١٦ تاريخ 12 حزيران 1959) بالتنظيم الإداري وعدد الأقضية، مع المحافظة على عدد المحافظات الخمس الحالية.

    وقد تم فيما بعد إنشاء محافظة النبطية بتاريخ  23/9/1975، التي تضم أربعة أقضية هي : بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا والنبطية.

             يتبيّن من هذه النقاط الموجزة أن التقسيم الإداري والذي ارتكز الى أساس طائفي في بعض المراحل - مثلاً في عهد القائمقاميتين - لم يؤمن الإستقرار السياسي في لبنان، حيث كانت تتجدد النزاعات رغم إعتماد عدة تركيبات في التنظيم الداخلي، فقد استقرت الصيغة الإدارية الأخيرة والتي وضعت عام ۱۹۳۰ على إنشاء خمس محافظات، وذلك حتى عام ١٩٧٥ تاريخ إنشاء محافظة النبطية، ثم بداية الحرب اللبنانية التي استمرت حتى عام 1989، حيث تم وضع وثيقة الطائف كاعتراف دولي وإقليمي ومحلي بنهاية الحرب[19].

ب - وثيقة الطائف :

         وُضعت وثيقة الطائف بعد سنوات من العنف والتقاتل، وبهدف إعادة التوازن الى الصيغة وتوفير الإستقرار الداخلي... لقد تزعزع الكيان الجغرافي الموحد في الداخل، وبرزت مشروعات التقسيم، فنشأت على أنقاض الدولة الواحدة دويلات صغيرة تحاول الإحتماء خلف خطوط تماس وحواجز نشأت بين المناطق الجغرافية. لقد رسمت وثيقة الطائف مرحلة جديدة في إعادة تنظيم البلاد، وبرغم العناوين الموجزة التي تضمنتها، فهي قد شكلت ملامح متجددة في شخصية لبنان الجغرافية، حيث كان التركيز على إستعادة وحدة الأرض والمؤسسات ثم تطوير مختلف المناطق الجغرافية على إختلافها، وذلك باعتماد سياسة الإنماء المتوازن وتشجيع الهيئات المحلية لمزيد من المشاركة في إدارة شؤونها وتنظيم مواردها، وسوف نقتصر على إبراز ما تضمنته وثيقة الطائف (في باب الإصلاحات الأخرى) ، من نصوص هامة نوردها كما يأتي :

·        الدولة اللبنانية واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية.

·        توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين، وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن، تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محلياً.

·        إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمن الإنصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.

·        إعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى ( القضاء وما دون )، عن طريق إنتخاب مجلس لكل قضاء يرئسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية.

·        إعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية، وتنميتها إقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والإتحادات البلدية بالامكانات المالية اللازمة .

      تعتبر هذه النصوص بمثابة عناوين موجزة تؤكد على أهمية وحدة الإرض والشعب، وتركز على ضرورة إعادة تنظيم المجال الجغرافي على أسس جديدة وذلك لتفادي تجدد النزاعات والفتن.

إن نجاح النظام السياسي يرتكز الى معيار واحد يتمثل في كيفية إدارة البلاد لتوفير الرفاهية للناس، وهذا يتطلب تطبيق مبدأ العدالة بين الجماعات والمناطق الجغرافية، بل إن الحفاظ على وحدة الأرض وبقاء الدولة في الإطار الجغرافي ، يكمن في تجدد النظام لمواجهة التحديات الإجتماعية والإقتصادية، ومواكبة التقدم العالمي في مختلف الميادين.

       ج- تمركز السكان في المدن والتوزيعات الطائفية

         يبلغ إجمالي عدد السكان المسجلين في لبنان 5 مليون وستماية الف نسمة تقريباً ، بينما يقدر عدد السكان المقيمين بحوالي3 مليون وخمسماية ألف نسمة، بحيث يرتفع متوسط الكثافة السكانية الى ٣٢٥ نسمة لكل كلم ٢.

       إن أبرز مظاهر التمركز السكاني في لبنان تتمثل بزيادة سكان المدن، التي تضم اليوم حوالي %۸۳ من مجموع سكان لبنان، بينما بالمقابل يتناقص عدد سكان الأرياف والقرى الصغيرة، ثم إرتفاع الكثافة السكانية في المناطق الساحلية، التي يعيش فيها أكثر من ثلاثة أرباع سكان لبنان، وفي مساحة تمثل ١٠ في المائة تقريباً من مساحة لبنان ، وهي المناطق الواقعة دون مستوى ۲۰۰ متراً .

      وقد تزايد الاختلال في التوزيعات السكانية بين المناطق نتيجة النزوح السكاني من الأرياف ، والذي أدى الى نشوء الضواحي حول بيروت التي تحوّلت إلى مجمّعة مدينية ضخمة، تضم وحدها حوالي نصف سكان لبنان، وذلك على رقعة ضيقة من الأرض تمثل ٢ في المائة تقريباً من مساحة لبنان، مما أدى الى تكوّن أحياء البؤس حول العاصمة، وتزايد مشكلاتها، ومن المتوقع أن يرتفع عدد المقيمين في بيروت وضواحيها ليصل الى ٧٠٪ من مجمل سكان لبنان عام ٢٠٠٠.

      وقد ترافق التمرّكز السكاني مع توزيع الطوائف، وإرتبط بقضايا إجتماعية وديموغرافية وإنمائية، أهمها مسألة الغبن والحرمان، التي أثارتها بعض الطوائف المتواجدة بكثرة في الأرياف.

      ومنذ إعلان دولة لبنان الكبير، وبالرغم من صغر مساحة هذه الدولة ( ١٠٤52 كلم ٢ )، فهي لم تنجح في الربط بين المناطق الجغرافية، خصوصاً بين الأطراف والمركز، مما أدى الى تفاوت شاسع إجتماعي إقتصادي أدى بدوره الى تفاقم التناقضات وتفجّر الصراع ثم إندلاع الحرب ( ١٩٧٥ – ۱۹۹۰).

       فما هي الخلاصة التي نستنتجها من قراءة التوزيعات السكانية وما هو مدى ارتباطها بالتركيب الطائفي في لبنان ؟

     إن قراءة دقيقة للتوزيعات المكانية للطوائف تبرز أهمية التمييز بين إحصاءات السكان المسجلين، وواقع توزيع السكان المقيمين في لبنان، خصوصاً وأن المباديء المعتمدة في تقسيم البلاد الى محافظات وأقضية ثم توزيع المراكز الادارية فيها على الطوائف، لازالت ترتكز الى سجلات المقيمين وفق التعداد السكاني الذي أجري عام ۱۹۳۲، حيث يتم حساب عدد السكان وتنظيم  وثائق القيد وتسجيل الولادات والوفيات في هذه السجلات رغم مرور أكثر من ٦٠ سنة على إنشائها.

      بل إن التوزيعات السكانية كما هي الآن على الأرض أو توزيعات السكان المقيمين، تبدو مغايرة كلياً لمثيلتها على الورق، في السجلات أو توزيعات السكان المسجلين، وهذا التفاوت يبرز من خلال التمركز السكاني في بيروت.

       فبينما تشير توزيعات السكان المُسجلين الى وجود 13 قي المائة من السكان في محافظة بيروت و ٢٧ في جبل لبنان، نجد أن توزيعات المقيمين تؤكد أن بيروت الكبرى وحدها تضم اليوم أكثر من نصف سكان لبنان، كذلك الحال بالنسبة للجنوب اللبناني والذي يضم اليوم فقط  16 في المائة من سكان لبنان المقيمين بينما يضم 23 في المائة من السكان المسجلين[20].

           تختلف التوزيعات المكانية للطوائف على الأرض عن مثيلاتها في سجلات المقيمين، وذلك نتيجة التحركات السكانية المتسارعة عبر موجات النزوح التي أدت الى نشوء المدن وتضخم عدد سكانها، بينما يتم إفراغ الأرياف والقرى الصغيرة. فالطوائف التي كانت متمركزة في الأرياف النائية ( وغالبية سكانها من الشيعة ) نزحت الى ضواحي المدن الكبرى، ( خصوصاً في بيروت) وغالبية سكانها من المسلمين السنة، والمسيحيين الأرثوذكس، حيث تكوّنت الضاحية الجنوبية كمدينة ثانية - للنازحين والمهاجرين - تجاور العاصمة وتكاد تضاهيها من حيث ثقلها الديموغرافي، والذي يُراقب النمو العمراني القائم وبوتيرة متصاعدة حالياً، يكاد يشهد ولادة ضاحية ثانية للفقراء في أطراف الضاحية ، مما سيؤدي الى إنفجار سكاني لا يمكن السيطرة عليه[21].

       يضاف الى هذه التغيرات التحولات الناجمة عن الحرب وما رافقها من تهجير بين المناطق وهجرة أدت الى إنحسار المجال الجغرافي لبعض الطوائف ( تهجير المسيحيين من الجبل الى ضاحية بيروت الشرقية مثلاً ) ثم إعادة تمركزها وفق خريطة سكانية جديدة ترتسم فيها الخطوط الكبرى للتحركات السكانية خلال الحرب.

----------------------------------

 خلاصة ومقترحات عامة :

             نستنتج أن قراءة مبسّطة وموجزة في نشأة الكيان السياسي، وتكوين الإطار الجغرافي، تُبرز وتُؤكد أن الصيغة اللبنانية في التاريخ والجغرافية تبدو حديثة النشأة، تأثرت ولازالت تتبلور في مواجهة الأخطار الخارجية والتحديات الداخلية المتلاحقة، التي أشعلت حرب الستة عشر عاماً، والتي تعتبر أطول وأخطر الأزمات التي واجهت لبنان عبر تاريخه.

           ويكفي الاشارة الى ان هذه الحرب قد كلفت لبنان ما يزيد على ٢٠٠ الف قتيل، يُشكلون ٧ في المائة من مجموع السكان في لبنان، واصابة ٤٠٠ الف شخص بينهم مائة الف معاق، وتهجير حوالي مليون شخص يمثلون ثلث سكان لبنان ، أُجبروا على ترك مساكنهم لأسباب أمنية وسياسية ، مما أدى الى أوسع عملية فرز طائفي للسكان مما يهدد صيغة التعايش بين اللبنانيين.

      

     هذا بالاضافة الى تزايد عدد الأيتام والارامل والأسر المشردة، دون أن ننسى إنتشار تعاطي المخدرات والادمان بين الشباب الحائر الباحث عن مستقبله، ثم تدمير المؤسسات العامة والخاصة، ما أدى الى الإنهيار الاقتصادي الذي بلغ مرحلة المجاعة الحقيقية .

     يضاف الى هذا كله هجرة ما يزيد على نصف مليون نسمة، غادروا لبنان خلال سنوات الحرب، وتفرقوا في أربع رياح الأرض، غالبيتهم من الكفاءات الممتازة والشباب الباحثين عن وطن بديل يؤمن لهم المستقبل.

       ان إعادة الوحدة الجغرافية الى الوطن باتت مسألة مصيرية، وهي أصعب بكثير من ايصال الماء والكهرباء وتزفيت الطرقات، بل إن الخطر الكبير الذي نواجهه الآن يكمن في الانقطاع الجغرافي الذي كان سائداً طوال أعوام الحرب، حيث كانت خطوط التماس تفصل بين المناطق والكانتونات، مما يحتم علينا إيجاد الوسائل الكفيلة والفعّالة لخلق الانصهار الوطني والحقيقي بين ابنائنا الذين فصلت وباعدت بينهم الاحداث، علماً أن جيل الحرب (ممن هم دون ٢٠ سنة )، يمثل بالنسبة للحجم الديموغرافي أكثر من نصف سكان لبنان.

     

        كلها عوامل تبيّن أكلاف الحرب الباهظة التي دفعناها، والتي أسهمت في تفتت الكيان الذي يحاول متعباً النهوض الآن...

   كيف نستخلص من هذه المداخلة ؟

             ما هي العلامات البارزة في التكوين الجغرافي للبنان، وكيف يُمكن الربط في المجال الجغرافي بين المعالم الطبيعية المتمثلة بالأرض، والمكوّنات البشرية المتمثلة بالسكان والمجتمع، بل ما هي المفاصل التي يُمكن التوقف عندها لتركيز الأسس الطبيعية والبشرية للدولة ؟

      يتضمن العرض الذي قدمناه ملامح أولية للأزمة التي نعيشها ونواجهها في عملية بناء الدولة وتحصين الجغرافية السياسية ....

       ان قراءة دقيقة للجغرافيا ، بل إن وقفة تأمل في المجال الجغرافي اللبناني تبرز بوضوح أننا أمام الإمتحان التحدي، وهذا يستوجب تقديم بعض المقترحات الأساسية، نوجزها كما يأتي :

1 - إستصلاح واسع للأراضي في الأرياف، وذلك لمواجهة مشاكل انجراف التربة وانتشار التصحّر نتيجة بروز الأسطح الصخرية بعد تدهور الغطاء النباتي وتوسع المساحات الصخرية الجرداء.

    ألا تستحق الارياف "خطة اعمار" لاسترجاع السكان النازحين الى حزام البؤس في الداخل، والمهاجرين في الخارج؟..

      ان تحصين خطة اعمار المدينة والعاصمة يستوجب تنفيذ خطة موازية لها في الريف.

۲ - تنفيذ مشروعات الري في لبنان، خصوصاً المتعلقة منها بنهر الليطاني ، ذلك أن مساحة حوض الليطاني تمثل حوالي %۲1  من مساحة لبنان الإجمالية، مما يستوجب الإسراع بإستثمار الموارد المائية لتأمين الإستقرار السكاني ومواجهة عمليات الإفراغ التي تتعرض لها بعض المناطق خصوصاً في الجنوب اللبناني ، بل إن مشروعات التنمية الريفية يجب أن تحظى بالأولية في مواجهة الأطماع الإسرائيلية بالمياه، بينما نحن بأمس الحاجة إليها لتثبيت السكان في قراهم، وإسترجاع النازحين والمهجرين للعمل في الزراعة والإنتاج، بعد تحوّلهم عن الأرض الى البطالة وممارسة الأعمال المؤقتة في القطاع الهامشي الذي إستوعب العاطلين عن العمل خلال الحرب.

3- التوجه نحو تطبيق وسائل التنمية الإجتماعية لتأمين العدالة في توزيع الداخل، ثم تحقيق إستفادة واسعة للناس من و السلع الاجتماعية ، مثل التعليم والخدمات الصحية والإسكان المناسب والمرافق الاجتماعية لإحتواء آثار الحرب، وتوفير الرعايا للأيتام والمعوقين والأرامل الذين كانوا ضحايا الحرب .

٤ - إصلاح النظام التربوي وتطوير مناهج التعليم لتوحيد اللبنانيين، وإعادة تأكيد الإرتباط بين الإنسان والأرض، ثم إحداث تحوّل ثقافي باتجاه تدعيم مشاعر الإنتماء للوطن في مواجهة التبعية للخارج، وذلك على قاعدة المساواة بين المواطنين، مما يبدد مشاعر الإحساس بالغبن أو الخوف، أو حتى بالجنسية من الدرجة الثانية ....

ه - صياغة سياسة سكانية واضحة المعالم، واعتماد التخطيط المنظّم، مما يستوجب تنفيذ التعداد السكاني، ونشير هنا إلى أن لبنان سيصبح في نهاية ١٩٩٣، الدولة الوحيدة في العالم التي هي بدون تعداد السكانها ، علماً ان التعداد السكاني في لبنان قد نفٍذ عام ۱۹۳۲ ، مما يتطلب صياغة مباديء لسياسة سكانية واضحة المعالم تأخذ بالاعتبار توزيعات السكان المقيمين وعدد المهاجرين لمعرفة الإنتشار اللبناني في العالم، وذلك بهدف الإنتقال في تنظيم المجال الجغرافي، من العشوائية والإرتجال الحاصل الى التخطيط العقلاني المبرمج .

       الى متى تؤجل القرارات الحاسمة في إرساء قواعد الجغرافية السياسية، ألا يكفينا الأزمة - المحنة التي شردت أهلنا وأولادنا، وأصبحت إنموذجاً عالمياً في وصف الأزمات المعقدة ( باللبننة .... لقد خسٍرنا جيلاً بكامله من الشباب الذين تشردوا خارج بلدهم للبحث عن وطن بديل ؟

فهل ننجح في انقاذ لبنان والحفاظ عليه؟

 

د. علي فاعور، رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة اللبنانية

بيروت في 21 نيسان/أبريل 1993..



[1]  راجع حول هذا الموضوع كتاب كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة - الكيان اللبناني بين التصور والواقع. وهو يرى أن : البلدان يخلقها التاريخ أما أراضيها فتخص الجغرافيا حيث التاريخ ليس أكثر من طيف عابر ، صفحة 13.

[2]   هذا الإهمال دفع المؤلف لإنشاء "دار المؤسسة الجغرافية" ، كمحاولة وطنية للاهتمام بالكتاب الجغرافي، وإصدار أول أطلس جغرافي مبسّط في بداية هذا العام 1993، يحمل اسم : أطلس لبنان ، وهناك محاولة جارية الآن لإصدار :: موسوعة لبنان الجغرافية ..

 

[3]  راجع سعيد الصباغ : جغرافية سورية العمومية المفصّلة، الطبعة الثانية مطبعة العرفان صيدا عام ١٩٢٤م. صفحة ١٣

[4]   راجع أيضاً، لمزيد من التفاصيل

G. ZUMOFFEN – Geologie du liban, Paris 1926, p.2..

 

[5]  راجع حول هذا الموضوع كتاب كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة.. مرجع سابق ص (۹۲)...

 

[6]  أنظر كمال الصليبي، نفس المرجع السابق..

[7]  راجع عصام خليفة : الحدود الجنوبية للبنان - بين مواقف نخب الطوائف والصراع الدولي ( ١٩٠٨ - ١٩٣٦). صفحة ١٧

 

[8]  راجع أيضاً عصام خليفة : الحدود الجنوبية للبنان. نفس المرجع السابق ص ١٨.. وقد ورد هذا التحديد في كتاب البطريرك بولس مسعد الدار المظلوم، مطبعة طاميش، ١٨٦٣، ص۲۸۹ – ۲۸۸..

 

[9]  راجع الشيخ طنوس الشدياق كتاب أخبار الاعيان في جبل لبنان ، الجزء الأول، منشورات الجامعة اللبنانية بيروت ۱۹۷۰ ، ص ۱۹ - ۲۸ .

 

[10]  راجع المزيد من التفاصيل د. عصام خليفة : الحدود الجنوبية للبنان، مرجع سابق ، ص 45.

 

[11]  راجع عصام خليفة، نفس المرجع السابق من مذكرة أوردها أسعد رزوق : إسرائيل الكبرى ، بيروت ١٩٦٨، ص ٤٠٣..

[12]  وقد اقترن اعلان غورو بعدة قرارات منها : القرار ۳۱۸ حول انشاء لبنان الكبير، والقرار ٣٢٠ حول الغاء ولاية بيروت والقرار ۳۲۱ الذي يلغي عدة قوانين .

 

[13]  راجع سعيد الصباغ : جغرافية سوريا العمومية المفصّلة مطبعة العرفان، صيدا ١٩٢٤، ص ٧٣٠ .

[14]  راجع المزيد من التفاصيل: د. عصام خليفة - المفاوضات والحدود مع اسرائيل جريدة السفير في 11 كانون الثاني 1992..

[15]  تعتبر مزارع شبعا منطقة تابعة عقارياً لبلدة شبعا، وهي تشكل والبلدة نطاقاً جغرافياً واحداً يدعى خراج مزارع شبعا. تضاف اليها، أيضاً بلدة النخيلة وبلدة خربة الدوير اللبنانيتين المذكورتين في جميع القرارات الإدارية والتنظيمية للبنان، منذ إعلان دولة لبنان الكبير إلى يومنا هذا.

[16]  راجع المزيد من التفاصيل على فاعور : جنوب لبنان - الطبيعة والانسان، ص . ١٨٥، توزيع المؤسسة الجغرافية، بيروت ١٩٨٤..

 

[17]  راجع لمزيد من التفاصيل حول موضوع المياه دراسة البروفسور طوماس ناف :

Pr. Thomas Naff: Watter in the Middle East, conflict or cooperation? Published in cooperation with the Middle East Research Institute, University of Pennsylvania. pp.63-81.

 

[18]  بالنسبة لمزارع شبعا، فقد تضمن بيان القمة اللبنانية – السورية التي انعقدت بتاريخ 13 أيلول 2008، التأكيد على لبنانية مزارع شبعا، "حيث أكد الجانبان على ضرورة انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا اللبنانية وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من الغجر، كما تقضي قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

 

[19]  اتفاق الطائف هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي وضعت بين الأطراف اللبنانية المتحاربة، وذلك في 30 أيلول / سبتمبر 1989 في مدينة الطائف، ثم أقره لبنان بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول / أكتوبر 1989 منهياً الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها.

[20]   راجع المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع على فاعور : تمركز السكان وتوزيع الطوائف في لبنان وتأثيرها على اللامركزية، بحث ( مع خرائط لتوزيع الطوائف ) قّدم في ندوة "اللامركزية في لبنان ، الإشكالية والتطبيق"، التي نظمها المركز اللبناني للدراسات، فندق الكارلتون، الجمعة 8 كانون الثاني ١٩٩٢...

 

[21]    راجع أيضاً بالنسبة لتوزيع الطوائف، على فاعور : نفس المرجع السابق.



















































Monday, April 5, 2021

إعمار الجنوب لبناني وآفاق التنمية السياحية بعد التحرير .. عام 2001.

 

إعمار الجنوب لبناني وآفاق التنمية السياحية بعد التحرير

دراسة قدمت إلى المؤتمر الثاني لمنتدى حرمون الثقافي، جديدة مرجعيون، نادي شبيبة المرج في 19020 ايار 2001.


مقدمة

تراجع دور السياحة في لبنان نتيجة الأحداث الماضية التي شهدتها البلاد بين ۱۹۷۰ و ۱۹۹۰ ، كما خسر لبنان مركزه وفقد موقعه في خريطة السياحة الدولية ، وذلك برغم مناخه المعتدل و موارده الطبيعية من جبال وأنهار وينابيع وأودية خلابة ينفرد بها عن غيره من الدول ، ثم كونه مع ضيق مساحته ، يشبه متحفا تاريخيا هو الأغني في العالم ، لما يتضمنه من معالم حضارية وآثار ومدن تاريخية ، وقلاع وحصون تكوّنت عبر الحقب التاريخية ومضت عليها آلاف السنين ..

وهكذا طوال العقود الثلاثة الماضي ، تراجعت وتيرة السياحة الدولية والعربية إلى لبنان حيث إنخفض عدد السياح إلى حوالي نصف مليون سائح ، كما انخفضت العائدات السياحية إلى مستواها الأدنى ، مما

أدى إلى تراجع مساهمة القطاع السياحي في الدخل القومي من أكثر من ۲۰ ٪ عام 1970 إلى مادون 5 ٪ في السنوات الأخيرة.

ومنذ  إعلان دولة لبنان الكبير عام ۱۹۲۰، ورسم الحدود الجغرافية في الجنوب ، لم تعرف منطقة الشريط الحدودي الاستقرار،  بل لقد شكلت منطقة طاردة للسكان تتجاذبها الأطماع الإسرائيلية في الأرض والمياه ، وخلال مرحلة امتدت أكثر من نصف قرن بين ۱۹۲۰ و ۱۹۷۵ بداية الحرب اللبنانية ، عانت مناطق الجنوب اللبناني من الحرمان والهجرة والتهجير ، وتكبدت خسائر جسيمة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة مشاهدة بلغت مداها أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأول عام ۱۹۷۸ ، والثاني عام ۱۹۸۲ .

واليوم بعد التحرير الذي شمل معظم المناطق الحدودية منذ انسحاب إسرائيل في 25 أيار من عام ۲۰۰۰، يشكل إنماء الجنوب المدخل الأساسي لإعادة بناء الدولة وتشجيع  عودة السكان النازحين في ضواحي بيروت والمهاجرین إلى الخارج[1] ، والتعويض على الخسائر التي أصابت القرى والمدن ، ثم العمل لاستصلاح الأراضي التي أهملت عشرات السنين ، مشاهدة تحولت اليوم إلى أسطح صخرية جرداء

محاصرة بالألغام التي خلفها الاحتلال (أكثر من 100 ألف لغم) لمنع عودة الحياة إلى الجنوب ، خصوصا في قرى وبلدات حاصبيا ومرجعيون والنبطية وبنت جبيل وصور وجزين. . وما يسترعي الانتباه هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمناطق واسعة  في سفوح جبل حرمون ومزارع شبعا ، بحيث أن أكثر من ثلاثين سنة قد مرت على احتلال إسرائيل لهذه المناطق منذ عام ۱۹۹۷ ، م ما يؤكد الأطماع الإسرائيلية  للسيطرة على قمم جبل حرمون ومياه حوض الحاصانبي.

إنماء المناطق الجنوبية: الإستثمارات وبرامج التنمية

ترتكز خطة إعمار الجنوب إلى مقومات أساسية تأتي في مقدمتها دراسة الوضع الديموغرافي وتحديد المؤشرات السكانية التي بدونها لا يمكن وضع استراتيجية لتنفيذ البرامج الإنمائية ، خصوصا وأن المناطق الجنوبية قد تعرضت لإستنزاف مواردها البشرية طوال فترة الاحتلال نتيجة التهجير الداخلي والهجرة وبدون المعطيات السكانية لا يمكن تنفيذ مشاريع البنية التحتية،  وتوزيع الخدمات العامة: مثل

الكهرباء ، والطرق والأوتوسترادات ، والتعليم والصحة العامة ، والزراعة والري والسياحة ، والمياه  المبتذلة والنفايات الصلبة ..

وسوف نعرض بإيجاز للوضع السكاني والتوزيعات السكانية في الجنوب ، من حيث عدد السكان المقيمين، وتوزيعاهم وحركة الهجرة الداخلية والهجرة الصافية في الأقضية الجنوبية. فقد بلغ عد د السكان المقيمين في محافظتي الجنوب والنبطية حوالي 588466 ساكن، يمثلون 16 ٪ تقريبا من مجمل سكان لبنان عام 1996.




[1]  راجع لمزيد من التفاصيل ، علي فاعور: "الحرب والتهجير في لبنان "، مجلة المستقبل العربي ، العدد 114 ، رقم ۱۹۸۸/ ، ص.ص. ۹۵ - ۱۲۰. راجع أيضا ، علي فاعور: "هجرة القوى البشرية اللبنانية ، دراسة ميدانية في اليونان وقبرص ( 1986 ) "، جمعية تنظيم الأسرة في لبنان ، مجلة الأسرة ، عدد تموز ۱۹۸۷ ، ص ص. ۳۷-45 . كذلك راجع کتاب: جغرافية التهجير ، المؤسسة الجغرافية، بيروت لبنان1993.