Monday, January 11, 2021

مزارع شبعا هي أراض لبنانية تاريخياً وجغرافياً

 

مزارع شبعا هي أراض لبنانية تاريخياً وجغرافياً

الحدود والإطار الجغرافي

 

مجلة معرفة وعطاء (تصدرها هيئة تكريم العطاء المميز)

العدد الثاني في كانون الثاني 2021 (صفحة 291-304).

الدكتور علي فاعور

أستاذ الجغرافيا، وخبير في شؤون السكان والهجرة.

الإطار الجغرافي

الأطماع الإسرائيلية في حرمون

هناك إعتقاد سائد بأن قمم جبل حرمون (أو جبل الشيخ)، تمثل في التاريخ الجيولوجي أول الأراضي اللبنانية التي ظهرت فوق المياه، وذلك في أواخر الطور الجيولوجي الثاني وأوائل الطور الثالث، يبلغ إرتفاعه حوالي 2839 متراً، وهو "يشرف على الشام وباديتها شرقاً، وعلى البحر المتوسط وجميع جبل عامل غرباً، ومن جبل الكرمل حتى أقاصي حواران والجولان جنوباً، وعلى أكثر لبنان والبقاع شمالاً، وهو يدعى أيضاً جبل حرمون الكبير، وقد سماه الأشوريون "سانيرو Saniro " والعبرانيون " شانيرChenire " والفينيقيون "سيريون Sirion"، وهذه الأسماء معناها راية أو علم وذلك لإرتفاعه عما حوله من الجبال، كما دعاه العرب جبل الشيخ، لأن الثلج يغطي قممه، وقد كان هذا الجبل مقدساً عند الأقدمين... وقد عبده الأقدمون لأنه مجتمع الغيوم بسبب علوه، فكانوا يعتقدون أنه واهب الخيرات ومحيي البلاد..".

 


جبل الشيخ: أبو المياه الحقيقي لفلسطين

  "...إن جبل الشيخ (حرمون) هو ابو المياه الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاسمة غلى جذور حياتها الإقتصادية بالذات، وجبل الشيخ لا يحتاج فقط إلى إعادة تحريج وتشجير، بل وايضاً إلى أعمال أخرى قبل أن يصبح مؤهلاً ليكون خزان مياه البلاد، لذلك يجب أن يخضع كلياً لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة أو يملكون القوة الكافية لإستغلال إمكاناته إلى اقصى الحدود...

كما يجب التوصل إلى إتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي الليطاني (أي اليهود في فلسطين الكبرى) حماية تامة"...

من مذكرة تقدم بها الوفد الصهيوني إلى مؤتمر الصلح الذي إنعقد في باريس عام 1919.

 

موقع مزارع شبعا

تقع مزارع شبعا في السفوح الجنوبية الشرقية لجبال حرمون التي يصل إرتفاعها في قمة جبل الشيخ إلى 2814م، وهي تضم مجموعة هضاب تبدأ من قمة الزلقا، وهي ثاني أعلى قمة في جبل حرمون، وتنتشر في منطقة جبلية يتراوح إرتفاعها بين 2000م في الشمال، و 250م في الجنوب، حيث تطل في الشمال والغرب على جبل الروس وجبل السُماق، وتشرف في الجنوب على مجرى نهر الوزاني ووادي الحاصباني، كما تتوزع في التخوم المشرفة على منخفض بحيرة الحولة في فلسطين، ويحدها في الشرق والجنوب الشرقي وادي نهر العسل وذلك إبتداء من النقطة 39 (علامة على إرتفاع 320م) الواقعة في الجهة الغربية على الطريق المؤدية إلى بانياس (قرب جسر بانياس)، وهو الطريق الوحيد الذي يصل لبنان بسوريا (من مزرعة المجيدية اللبنانية حتى بانياس السورية)، والتي تلتقي فيها الحدود بين فلسطين وسوريا ولبنان.

وهي تضم عدة مزارع يزيد عددها على 15 مزرعة كبرى، كانت تسكنها أكثر من 1000 عائلة، يبلغ عدد المنازل فيها 1200، ويُقدر عدد سكانها بحوالي 15 الف نسمة، وهي تشكل إمتداداً طبيعياً للقرى المنتشرة في إقليم العرقوب، وذلك إبتداءً من بدة شبعا الواقعة على إرتفاع نحو 1300 متراً، تليها كفرشوبا وكفر حمام، ثم مزارع حلتا والدحيرجات، وخربة الدوير، والمجيدية، والوزاني.

كما ,انها تتوزع في منطقة هضاب واودية تمتد بطول يبلغ 25 كم، على طول وادي النهر المسمى وادي العسل بين الشمال والجنوب، وعرض يتراوح بين 13 و14كم، بحيث تزيد مساحتها على 250 كم2، وهي تشمل عدة مزارع، أهمها: مزرعة النخيلة: وتقع على إرتفاع 220م، يليها مغر شبعا (300م) في الجنوب، ثم خلة غزالة (600م)، ومزرعة فشكول (650م)، ومزرعة قفوة (850م)، ومزرعة زبدين (900م)، والرمتا (1000م)، ثم مزرعة برختا (1200م)،هذا بالإضافة إلى مزارع أخرى في الشمال، مثل: كفر دورة وبيت البراق، وبسطرة ومراح الملول، والربعة، وجورة العقارب، وحربتا، وهي تضم أراض زراعية واسعة، خصوصاً في ضهر البيدر ومشهد الطير.

ترتبط هذه المزارع ببلدة شبعا حيث تقيم العائلات المالكة للأرض، والتي كانت تستخدم الجرود العالية، والتلال الجبلية لرعي قطعان الماعز، حيث تم بناء حظائر تحولت لاحقاً إلى منتجعات للإقامة الشتوية، ثم سرعان ما نشأت المزارع العائلية، مع توسع زراعة الحبوب والزيتون، حيث يؤكد الأهالي أن مزارعهم، تقع في أراض لبنانية منذ إنشاء دولة لبنان الكبير عام 1920م، وحتى عام 1958م كانت قوى الأمن الداخلي اللبناني تتولى مراقبة الأوضاع الأمنية وتسيير الدوريات مع مأموري الأحراج لضبط الأمن ومراقبة أعمال التهريب.

بعد ذلك، وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، فقد توسع العدوان الإسرائيلي ليشمل مساحات واسعة من الأراضي المتاخمة لسهل الحولة، كما إنتشرت مخافر الأمن السورية في هذه المزارع للحفاظ على الأمن، ومواجهة الأطماع الصهيونية والدفاع عن المناطق الحدودية المتاخمة لفلسطين المحتلة، وفي المقابل إنقطعت دوريات قوى الأمن الداخلي اللبناني عن تأدية مهامها، ومع بداية الستينات بدأت علاقة أهالي شبعا تخف بأراضيهم، حيث إقتصرت العلاقة على مواسم قطاف الزيتون ورعي قطعان الماعز.

ويتبيّن من بعض المصادر أن هذه المزارع، وبنتيجة موقعها الإستراتيجي المشرف على منخفض الحولة ، قد جرى إستخدامها من قبل القوات السورية بموجب إتفاق تم في العام 1952، حيث أقامت فيها عدة مراكز لمراقبة التحركات الإسرائيلية وأعمال التسلل.

ومع إطلاق حرية العمل الفدائي الفلسطيني من أراضي العرقوب، ثم إنتشار المقاومة الفلسطينية وتمركزها في قرى المنطقة عام 1968، حيث بدأت القوات الإسرائيلية  بالإستيلاء على مزارع شبعا، كما إقتطعت مساحات واسعة من أراضي كفرشوبا، وهجرت أهاليها حتى وصلت إلى قمم جبل الشيخ (قصر شبيب 2814م)، فأقامت مراصد عسكرية (مثلاً في قمة الزلقا على إرتفاع 2969م) ومراكز أمنية ودفاعات ومنعت الأهالي من العودة إلى مزارعهم.

أما بالنسبة لأهمية مزارع شبعا، فهي تعتبر الشريان الإقتصادي الحيوي لبلدة شبعا خاصة ولمنطقة العرقوب عامة، وهي تشكل نحو 80 في المائة من خراج بلدة شبعا التي لا تملك أراضي إلا في هذه المزارع، كما تعتبر إمتداداً طبيعياً لخزان المياه الجوفية في المثلث اللبناني- السوري- الفلسطيني، ويصلح القسم الشمالي منها  لناحية السفح الغربي لجبل الشيخ للتزلج على الثلوج، ويؤكد أبناء البلدة أن ترسيم الحدود العام 1923، لم يشمل المزارع بإعتبار أنها تقع في الجهة الشرقية بين لبنان وسوريا، أي ضمن خط الإنتداب الفرنسي، وبالتالي لم تشملها إتفاقية "بوليه نيوكومب"، التي رسمت حدوداً بين خطي الإنتداب الفرنسي والإنكليزي (بين لبنان وفلسطين وبين سوريا وفلسطين)، لكن فقد تم إستدراك الأمر في الأربعينات، وتكرس ذلك في إتفاقية الهدنة عام 949، وكذلك في سلسلة إتفاقيات لبنانية سورية وضعت لاحقاً..

 

-          كما يؤكد أهالي المزارع رواية تعود إلى العام 1952، عندما "قام المواطن عبدالله ديب صعب بقتل اخويه الإثنين من غير أمه وخالته بتحريض من والدته، الجريمة وقعت في مزرعة قفوة وعلى الفور جاءت فرقة من الدرك اللبناني والقت القبض على القاتل، وكشفت على مكان الجريمة وجرت المحاكمة في مدينة صيدا، وأعدم القاتل في ساحة البرج، ويستند محمد ديب خطار إلى الرواية للقول مجدداً بأن المزارع لبنانية، والسلطات اللبنانية كانت تقوم بواجباتها على أكمل وجه فيها".

-          وبحسب رأي بلدية شبعا، فإن المزارع لبنانية وبلدية شبعا تدير شؤونها وتقوم بتعيين نواطير الأحراج وتتولى "الحسبة"، أي عمليات بيع وشراء أراضي أو منتوجات زراعية طيلة سنوات الخمسينات والستينات، كما كان العدادة يتولون إحصاء قطعان الماعز والماشية من أجل إلزام أصحابها بدفع الضرائب التي كانت تصب في خزينة الدولة اللبنانية. كما أن مخفر درك شبعا كان يتولى تنظيم مجاضر الضبط بقطع الأحراج وباقي المخالفات، وفي العام 1954 حضر أحد القضاة العقاريين من صيدا إلى المزارع وقام بمسح بعضها بناء لطلب أصحابها، لكن معظم المزارع لا مساحة فيها بل "طابو" إختياري، ومن جملة من قاموا بمسح أراضيهم يوسف عيسى الذي باع الأرض.

-          ويقول نائب رئيس بلدية شبعا المنحلة في العام 1968، أن بلدية شبعا قد تقدمت بطلب إلى وزارة الداخلية (الشعبة الثانية) عبر القائمقام والمحافظ للطلب من سلطات الإحتلال عبر لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، الحصول على إذن للسكان لقطف موسم الزيتون وكان الرد إيجابياً، وأعطونا مهلة ثلاثة اسابيع. بعدها طلبت السلطات اللبنانية من المزارعين عدم دخول المزارع بحجة الحفاظ على حياتهم، وبعد بضعة أشهر قدمت لنا  مساعدات رمزية لمدة شهرين، ثم فتح مخفر شبعا أبوابه على مدى ثلاثة شهور، بناء لأوامر وزارة الداخلية وسجل الأهالي ممتلكاتهم التي إحتلت في حزيران عام 1967.

 

 


الأطماع الإسرائيلية: قضم الأراضي وإحتلال مزارع شبعا

مع بداية حرب حزيران 1967، وبالرغم من عدم مشاركة لبنان فيها، فقد شملت الأطماع الإسرائلية  التوسعية الأراضي اللبنانية، حيث تم إحتلال مزارع شبعا وتهجير أهلها. وقد بدأت عملية الإحتلال على مراحل، كما يلي:

·        المرحلة الأولى: بدأت في الخامس عشر من شهر حزيران 1967، حيث تم إحتلال عدة مزارع، منها: مغر شبعا، خلة الغزالة، ضهر البيدر، رويسة القرن، جورة العقارب، وفشكول، وقد هجّرت قوات الإحتلال الإسرائيلي الأهالي وأجبرت المزارعين على إخلاء مزارعهم.

·        المرحلة الثانية: بدأت في 20 جزيران، حيث وسعت القوات الإسرائيلية إحتلالها ليصل إلى مزارع قفوة، زبدين، والرمتا، حيث تم طرد أصحاب هذه المزارع بعد مصادرة مواشيهم ومحاصيلهم.

·        المرحلة الثالثة: بدأت في 25 حزيران، حيث إجتاحت القوات الإسرائيلية ما تبقى من مزارع شبعا، أي الربعة وبيت البراق، وبرختا التحتا، وبرختا الفوقا، ومراح الملول، ولقي أهالي هذه المزارع نفس مصير إخوانهم المهجرين قبلهم.

·        المرحلة الرابعة: شملت الإعتداءات تدمير المنازل وإحراق المزارع، وذلك وفق الآتي:

-         بتاريخ 26 حزيران 1967، دمرت قوات الإحتلال الإسرائيلي جميع المنازل والآبار وزرائب المواشي في كل المزارع من مغر شبعا في الجنوب، إلى مراح الملول في الشمال.

-         وفي آب 1967، أحرقت قوات الإحتلال الحقول والبساتين وأجزاء واسعة من الغابات، ودمرت "مشهد الطير"، وهو يمثل مقام النبي إبراهيم عليه السلام.

-         في صيف 1972، أحاطت قوات الإحتلال هذه المزارع بالأسلاك الشائكة، وزرعت الألغام في المناطق الأخرى، مما أودى بحياة العشرات من أبناء شبعا وقتل الآلاف من رؤوس المواشي، كما أنشأت المراصد العسكرية في جبل الشيخ.

·        المرحلة الخامسة: في عام 1985، أنشأت قوات الإحتلال مستوطنتين خيث إستقدمت قوات الفالاشا وأسكنتهم في مزرعتي رويسة القرن وزبدين (600م عن سطح البحر)، حيث توجد تربة خصبة ومناخ دافئ لزراعة الحبوب والأشجار المثمرة، وقد وضع حجر الأساس لهاتين المستوطنتين الحاخام الإسرائيلي مائير كوهونا، كما أنشأت مجتمعاً سياحياً للتزلج في منطقة مقاصر الدود، ثم أقامت شبكات طرق جديدة، وحوّلت المنطقة إلى إستراحات سياحية للتزلج والترفيه في منطقة تمتد بطول خمسة كيلومترات، وهي تعتبر اليوم من اهم مراكز التزلج الإسرائيلية في سفوح جبل حرمون الغربية.

وفي نيسان 1989، أنذرت قوات الإحتلال الإسرائيلي سكان مزرعة بسطرة (60 عائلة)، التي كانت لا زالت خارج شريط المزارع المحتلة، وطلبت منهم إخلاءها، فرفض الأهالي، إلاّ أن قوات الإحتلال ابعدتهم بالقوة وهدمت المنازل، وأحاطت هذه المنطقة بالشريط الشائك، وضمتها إلى المزارع الأربع عشرة المحتلة عام 1967.

-          في هذا الوقت، بقيت عائلة تسكن في مزرعة بسطرة هي عائلة "محمد عبدالله زهرة"، الذي توفيت زوجنه قبل حوالي عشرة أيام، وقام بدفنها في مدافن بلدة شبعا، حيث يقوم جنود الإحتلال بفتح الشريط الثالث لتأمين مروره إلى بسطرة. وفي خريف العام 1995، سمح الإسرائيليون لحوالي ثمانين مزارعاً بالدخول إلى المنطقة الواقعة بين الشريطين الثاني والثالث (قفوة، فشكول، جورة العقارب، ضهر البيدر، وخلة الغزالة)، وذلك بموجب تصريح من أجل قطف مواسم الزيتون، لكن الأغلبية وجدت الاشجار محروقة وإكتفت بالزيارة التفقدية، ولم تكررها منذ ذلك الحين.

-          ويشير البعض إلى إقدام الإحتلال الإسرائيلي على سرقة تربة ورمول المزارع، وخاصة من بسطرة، و"باب الحد" في كفر حمام، فضلاً عن إستمرار خطواتهم الإستيطانية في مزارع رويسة القرن، وزبدين ومراكز التزلج في مقاصر الدود.

-          ويقول أحد ابناء بلدة شبعا، بأن محمد علي سرحان قد زار المزارع في العام 1976، عن طريق دخوله الأراضي المحتلة بواسطة جواز سفر أميركي، وتبيّن له أن معظمها مزروعة بالأشجار المثمرة وخاصة كروم العنب، فضلاً عن الإستفادة من زيتونها الروماني المعمّر.

 

كذلك فقد إعتمدت دولة الإحتلال الإسرائيلي سياسة قضم الأراضي، حيث تابعت إحتلال مساحات واسعة من أراضي كفرشوبا، وتوسعت إلى وادي الخنسا، البحاصير، ورويسة السمّاق، الجبل الأحمر وجبل الروس، بالإضافة إلى منطقة مشهد الطير التابعة للأوقاف الإسلامية، وهذه المناطق تمتد من خراجات كفرشوبا، وكفر حمام، وشبعا، وفي غمرة المواجهة الإسرائيلية السورية عام 1973، فقد إقتطع الإحتلال الإسرائيلي من مرتفعات جبل الشيخ العديد من المواقع اللبنانية، أهمها في خراج بلدة شبعا: وتشمل جورة العليق، الشحل، بركة النقار، السواقي، وتلة السدانة الواقعة بين شبعا والهبارية، وتتميز بموقعها الإستراتيجي المهم الذي يطل على القطاع الشرقي كله، وصولاً إلى محيط قلعة الشقيف ومنطقة النبطية.

-          وتقدر مساحة الأراضي المقتطعة من العرقوب خارج مساحة المزراع بطول ثمانية كيلومترات وعرض بين ثلاثة وأربعة كيلومترات، وتمتد من تلة السمّاقة،  حنى مزرعة شانوح، مروراً بالبيادر جنوبي شرقي كفرشوبا.

مستندات ثبوتية: مزارع شبعا أراض لبنانية

يتبيّن بالرجوع إلى بعض الوثائق والمستندات، ثبات لبنان بملكية مزارع شبعا، وتؤكد لبنانية هذه المزارع سندات التمليك التي لا زالت بحوزة الأهالي، فضلاً عن وثائق وقيود لتصنيف الأراضي ودفع الضريبة وجواز المرور، وهي تضم محاضر ووثائق قيد صادرة عن الجمهورية اللبنانية في محافظة الجنوب، وتابعة لدائرة صيدا العقارية، كما أنها تابعة لبلدة شبعا في قضاء حاصبيا، ويمكن ذكر بعض هذه المستندات كعناوين لوثائق متعددة، وفق الآتي:

-          مستند رقم "1":  شهادة قيد ملكية للسيد "على حسين هاشم" في مزرعة برختا صادرة عن الجمهورية اللبنانية، ومسجلة في الدوائر العقارية في صيدا عام 1956.

-          مستند رقم "2": محضر تصنيف الأراضي للسيد "علي بنوت"، صادر عن الجمهورية اللبنانية في محافظة الجنوب من قرية شبعا في قضاء حاصبيا، حول ملكية أراضي في مزارع برختا وكفر دورة، وحاربية، عام 1954.

-          مستند رقم "3": سند تمليك للسيّد "قاسم حسين هاشم"، في مزرعة "خلّة الغزالة"، صادر عن الجمهورية اللبنانية، المكتب العقاري في صيدا، والمنطقة العقارية في شبعا، عام 1942.

-          مستند رقم "4":  شهادة قيد لملكية في مزرعة برختا، صادرة عن الدوائر العقارية في صيدا، للسيد "حسين قاسم الخطيب"، عام 1949.

-          مستند رقم "5": سند طابو للسيّد "إبراهيم حسين الخطيب"، حول ملكية أراضي في مزرعة برختا (التابعة لقرية شبعا في قضاء حاصبيا)، صادر عن الدوائر العقارية في صيدا عام 1922.

-          مستند رقم "6": سند تمليك في مزرعة قفوة، للسيد "إسماعيل مصطفى صادر"، عن السجل العقاري في صيدا، وتابع للمنطقة العقارية في شبعا، عام 1987.

-          مستند رقم "7": سند تمليك أراضي في خلّة الريحانية، في موقع زبدين في خراج بلدة شبعا، للسيد "مصطفى العبداالله".

-          مستند رقم "8": قرار قضائي صادر عن المحكمة الشرعية للطائفة السنية في بيروت، بتاريخ 31-3-1945، وذلك حول إمتلاك أراضي ومقام النبي إبراهيم علية السلام في المزارع، المسمّاة "مشهد الطير".

-          مستند رقم "9": قرار مجلس الوزراء اللبناني المنعقد في 16-1- 1948، والذي يبلغ فيه المحكمة الشرعية للطائفة السنية في بيروت، عدم صلاحيتها بامتلاك أراضي (بموجب حكم قضائي صادر عن المحكمة بتاريخ 31-3-1945)، وذلك في مزرعة "مشهد الطير" حيث يوجد مقام النبي إبراهيم عليه السلام، وذلك بإعتبار هذه الأراضي أملاكاً لبنانية تعود للدولة، ولا يحق لمحكمة دينية إمتلاكها دون ترخيص من الدولة.

وهذا كله يؤكد أن سيادة الدولة اللبنانية على هذه المزراع تعود  لما قبل العام 1945.

-          مستند رقم "10": سند خاقاني قديم حول ملكية أراضي في موقع مزرعة حربيا في قرية شبعا التابعة إلى قضاء حاصبيا، وباسم "علي بن وهبي"، وحدود قطعة الأرض السادة محمد منصور ومحمد أبو حويلة وأولاد حسين حمود... وهذا ما يؤكد أن مزرعة حربيا تابعة إدارياً وعقارياً إلى قرية شبعا في قضاء حاصبيا منذ القديم.

-          مستند رقم "11" و "12": وهي وثائق سندات قديمة "سند خاقاني"، وتؤكد بشكل قاطع تبعية المزارع العقارية والإدارية لقرية شبعا في قضاء حاصبيا.

يستدل من هذه المستندات بصورة مؤكدة، أن أراضي شبعا هي أراض لبنانية تاريخياً وجغرافياً، وهي تابعة من مختلف النواحي لأبناء العرقوب، وخصوصاً أهالي بلدة شبعا، بموجب قيود وسجلات قيد المقيمين، كما أن مزارع شبعا المذكورة تابعة من الناحية العقارية إلى بلدة شبعا، التابعة بدورها إدارياً إلى قضاء حاصبيا، والتابعة أيضاً للدائرة العقارية في صيدا (وذلك قبل استحداثمحافظة النبطية وفصلها، حيث أصبح القضاء يتبع لها). وهي ملكيات عقارية ممسوحة وثابتة بموجب سجلات مدوّنة في محاضر تصنيف أملاك وأحكام قضائية، وسندات طابو صادرة جميعها عن الجمهورية اللبنانية، والرسوم المالية المستوفاة عنها في مراحل تاريخية مختلفة، أثناء الإنتداب الفرنسي وبعد الإستقلال، وحتى ما قبل إحتلالها عام 1968، وهي تؤكد بوضوح الإنتماء الجغرافي والإداري والقانوني لهذه المزارع إلى الدولة اللبنانية بحدودها المعروفة والمعترف بها دولياً.

توزيع مزارع شبعا: عدد المنازل وأسماء العائلات المالكة

إسم المزرعة

عدد المنازل

عائلات مالكيها

المغر (مغر شبعا)

200 منزل

آل سرحان، ماضي، من شبعا

 

زبدين 0الفوقا والتحتا)

200 منزل

آل عبدالله، وحمدان، ونصار ، من شبعا

 

النخيلة

200 منزل

 آل شهاب، والأميوني من حاصبيا، وآل الزغبي من شبعا

فشكول

40 منزل

آل حمد من شبعا

البراق (أو بيت البراق)

15 منزل

آل السعدي وآل حمدان، من شبعا.

 

رمتا

40 منزل

آل هاشم، من شبعا

بسطرا

15 منزل

آل الحناوي وآل ناصر من شبعا

برتعيا

30 منزل

عموم أهالي شبعا

كفردورة

20 منزل

آل صعب من شبعا

الربعة

15 منزل

آل الحناوي وآل ناصر من شبعا

 

خلة الغزالة

15 منزل

آل هاشم، وآل الخطيب، من شبعا

 

مراح الملول

20 منزل

آل صعب، وآل كنعان، من شبعا

 

برختا (الفوقا والتحتا)

60 منزل

آل منصور، وآل غادر،  من شبعا

 

قفوة

200 منزل

غموم أهالي شبعا

حربيا

أراض زراعية

عموم أهالي شبعا

هذا بالإضافة إلى مزارع اخرى ، منها الآتية:

 

 

النقار والمرج

أراض زراعية

عموم أهالي شبعا

رويسة القرن

90 منزل

 

جورة العقارب

78 منزل

 

ضهر البيدر

15 منزل

 

مشهد الطير

أراض زراعية

آل خيرالله من شبعا.

ملاحظة: نصّ القرار رقم 3066 الصادر في 9 نيسان (إبريل) 1925، والذي يختص بتنظيم دولة لبنان الكبير إدارياً، على ان محافظة مرجعيون تتألف من مركز المحافظة مرجعيون وفيها (32 قرية) ومديرية حاصبيا وفيها (26 قرية) ومنها قريتا شبعا والنخيلة، وكذلك المرسوم رقم 2489 لسنة 1944 الذي تمّ من خلاله إدخال منطقة شبعا ومزارعها والنخيلة ضمن حدود صلاحية حاكم صلح حاصبيا، والمرسوم رقم 152 لسنة 1939 الذي يذكر فيه خربة النخيلة وشبعا ومزارعها عن تقسيم قضاء مرجعيون من الوجهة الطبيعية الى منطقتين.

خلاصة عامة

يتبيّن من دراسة وضع مزارع شبعا وترسيم الحدود الدولية الجنوبية اللبنانية أن هذه المزارع لبنانية منذ القدم، ومن مختلف النواحي التاريخية والإدارية والسكانية والقانونية، وذلك إستناداً إلى المعطيات التي ذكرناها، والملاحظات الأتية:

الإتفاقات والمعاهدات الدولية:

إستند ترسيم الحدود الجنوبية في لبنان، إلى الحد الفاصل بين المنطقة الشمالية الواقعة تحت الإنتداب الفرنسي، والمنطقة الجنوبية الواقعة تحت الإنتداب الإنكليزي، ويمتد هذا الحد حسب إتفاق الحكومتين المنتدبتين (في 23 كانون الأول 1920) من "رأس الناقورة على البحر، حتى بانياس الباقية ضمن المنطقة الأولى".

ويتبيّن من هذا الإنفاق أن جبل حرمون قد اُبقي بكامله ضمن الأراضي اللبنانية والسورية.

وبموجب إتفاقية بوليه- نيوكومب (17 آذار 1923)، فقد تم ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا (الإنتداب الفرنسي) من حهة، وبين فلسطين (الإنتداب البريطاني) من جهة ثانية، وقد تم وضع العلامات الحدودية من الناقورة على البحر المتوسط حتى بانياس في الشرق، حيث تم وضع 39 علامة حدودية رئيسية بحيث تبدأ الحدود السورية – الفلسطينية من النقطة 40 على مجرى نهر بانياس.

وعند ترسيم الحدود لم توضع علامة رئيسية في نقطة الحدود عند "جسر الغجر"، على نهر الحاصباني، وهي تقع بين العلامتين الرئيسيتين "38" ، عند موقع المطلة، و "39" قرب بانياس، والتي تعتبر حط النهاية في الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة.

وبنتيجة الخلاف الذي وقع بين لبنان وكيان العدو في تطبيق إتفاقية بوليه- نيوكومب عند ترسيم مكان الحدود، خصوصاً بين النقطتين |38" و "39"، فقد حصل في كانون الأول عام 1949، ترسيم للحدود بين لبنان وأراضي قلسطين المحتلة بإشراف الأمم المتحدة، حيث تم إحياء وتمركز أماكن النقاط ال "39" على طول المنطقة الحدودية الجنوبية من الناقورة إلى بانياس بشكل واضح.

إتفاقية الهدنة بين لبنان وكيان العدو الإسرائيلي في 23 أذار 1949: بعد الموافقة على إنضمام دولة الإحتلال إلى الأمم المتحدة، وتعهدها تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالحدود، قامت لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية بعملية مسح جديدة لتثبيت نقاط الحدود على الخرائط، وذلك بعد إعلان دولة الإحتلال موافقتها على أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، وهي الحدود التي تم ترسيمها في الإتفاق السابق، وقد تم المسح الجغرافي على الأرض بين 5 و 15 كانون الأول عام 1949، حيث جرى تركيز العلامات المحددة على الخرائط.

وقد نصت إتفاقية الهدنة عام 1949 في المادة الخامسة، الفقرة الأولى منها، على التالي: يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، وقد كرست لجنة الهدنة في إجتماعاتها المتتالية نقاط الفصل الأساسية (وعددها 38)، وفق إتفاقية بولية – نيوكومب (7 آذار 1923)، بالإضافة إلى النقطة "39"  بين الحدود المشتركة السورية – اللبنانية – الفلسطينية، وإستحدثت نقاط ثانوية ما بين النقاط الأساسية، لتثبيت الخط الفاصل وتحديده بدقة، لا سيّما أن المسافة بين نقطتين أساسيتين كانت تتعدى مسافة 2 كيلومتراً أحياناً.

الحدود اللبنانية – السورية:

بموجب الإتفاقات الدولية السابق ذكرها، وبعد ترسيم الحدود اللبنانية السورية خلال عهد الإنتداب، فقد إعتبر المسؤولون اللبنانيون ومالكو الأرض آنذاك، أن خطأ فنياً حصل اثناء إصدار الخرائط، وترسيم الحدود الدولية القائمة على السفوح الجنوبية الغربية لجبل الشيخ، حيث وقعت غالبية هذه المزارع اللبنانية داخل الحدود السورية، بينما هي في الواقع كان يجب أن تكون داخل الأراضي اللبنانية، نظراً لثبوت ملكيتها من أصحابها اللبنانيين، من خلال المستندات والإفادات العقارية وأوراق الطابو التي يملكونها.

بموجب الإتفاقات الدولية السابق ذكرها، وفي عام 1946، أعلنت الخارجية السورية جواباً على مذكرة لبنانية في هذا الشأن، بأن ما حصل هو عمل فني بحث، لم يكن يُقصد منه تعديل حدود أو إدخال مزارع، وذلك بموجب مذكرة رقم ق. 574 (53/124)، تاريخ 29-9-1946.

زفي عام 1949، وبعد نيل سوريا ولبنان الإستقلال، فقد شُكلت لجنة لبنانية – سوريا لترسيم الحدود بين البلدين، وتألفت اللجنة من الجانب اللبناني، من: المير مجيد إرسلان، الرئيس تقي الدين الصلح، وعبد الحميد بيضون، وقد توصلت اللجنتان إلى الإتفاق حول ترسيم الحدود بين البلدين، فجاءت لتؤكد أن مزارع شبعا جزءًا من لبنان يحدها من الشرق الوادي المعروف بوادي العسل الذي يمتد بين أعالي جبل الشيخ في الشمال، أما في الجنوب فهو يمتد حتى نقظة إلتقاء وادي العسل بالطريق الدولية الممتدة بين بانياس ومزرعة المغر (حيث توجد العلامة رقم "39").

كما تؤكد لبنانية مزارع شبعا محاضر اجتماعات اللجان الحدودية اللبنانية – السورية، والتي تمت في عامي 1964 و 1967، وذلك بموجب محضر بتاريخ 27/2/1964، وآخر بتاريخ 20 و 21/2/1967، وهي تبيّن أن الحدود الدولية بين البلدين هي حدود المسح العقاري بينهما، مما يؤكد أن حدود الأملاك العقارية التابعة للقرى الممسوحة من الجمهورية اللبنانية هي الحدود الدولية بين لبنان وسوريا.

بعد ذلك،  وفي أيار من العام2000، فقد تم الإنسحاب الإسرائيلي  بطريقة أحادية من جنوب لبنان وبلدة شبعا، بينما بقيت مزارع شبعا تحت الإحتلال، بعد ذلك، فقد أعاد فريق أممي برعاية الأمم المتحدة، رسم خط الإنسحاب الذي سُمّي بالخط الأزرق، وأعلن أنه تم الإنسحاب  من كامل الأراضي اللبنانية وفقاً للقرار الدولي رقم 425 (الذي يُطالب دولة الإحتلال  بالإنسحاب من الأراضي اللبنانية)، وهكذا فقد أكّدت المنظمة الدولية بإعلانها هذا أن مزارع شبعا سورية، وخاضعة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالجولان المحتل (قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم 242)، لكن لبنان رفض ذلك وطالب بالإنسحاب الكامل من كافة الأراضي اللبنانية، بما فيها مزارع شبعا بإعتبار أنها أراض لبنانية لا زالت محتلة، وهذا ما دفع مجلس الأمن لاحقاً لإصدار القرار 1680، في جلسته المنعقدة بتاريخ 17 ايار 2006، مطالبة لبنان وسوريا بت الحالة القانونية للحدود بين الدولتين "بتحديد حدودهما المشتركة، وخاصة في المناطق التي تعتبر فيها الحدود غير مؤكدة أو محل نزاع"، وإيداع الأمم المتحدة الوثائق ذات الصلة.

حدود مزارع شبعا: الأرض والسكان والإدارة

تؤكد كافة المستندات التي ذكرناها، أن مزارع شبعا لبنانية وهي تضم الأراضي التابعة لآبناء العرقوب، وخصوصاً بلدة شبعا، وذلك بموجب المعطيات الآتية:

  1. السكان وسجلات النفوس: الثابت في سجلات القيد للمقيمين ، أن أهالي هذه المزارع هم لبنانيون، وغالبيتهم من بلدة شبعا التي تقع في قضاء حاصبيا، أي أن تعداد السكان في قضاء حاصبيا كان يشمل أهالي المزارع، حيث توجد عائلات (أكثر من 100 عائلة) معروفة منذ القدم.
  2. الأرض والسجلات العقارية: تؤكد ملكيات الأراضي بشكل ثابت، كما يتبين في المستندات المذكورة، أنها تابعة عقارياً لقرية شبعا وأبناء العرقوب في قضاء حاصبيا، ومسجلة لدى السجل العقاري في صيدا، وأن معاملات بيع وشراء ومسح الأراضي، كان يتم في الدوائر العقارية اللبنانية، مما يؤكد أن هذه المزارع تابعة للبنان.
  3. ممارسة السلطات الإدارية: إن ممارسة السلطات الإدارية والأمنية دورها وصلاحياتها في المزارع والأراضي التابعة لها، من قوى أمن، ونواطير أحراج، وجباية مالية، وأحكام قضائية، تؤكد ثبات سيادة الدولة اللبنانية على هذه المزارع، مما يؤكد لبنانيتها بشكل ثابت.

Saturday, December 19, 2020

،"أدمغةُ تبحث عن "حلم بديل..لبنان «يهجّر» أبناءه.. مقابلة مع الإعلامية زيزي أسطفان نشرت في صحيفة الرأي الكويتية بتاريخ 9 كانون الأول 2020

  ،"أدمغةُ تبحث عن "حلم بديل

 لبنان «يهجّر» أبناءه




مقابلة عبر صحيفة الرأي مع الصحافية زيزي أسطفان في 19 كانون أول عام 2020..

د. علي فاعور


بيروت - من زيزي اسطفان:

19 ديسمبر 2020   

في قلوبِ أمهاتِ لبنان سَيْفٌ مَغروزٌ يقطر دماً وألَماً وفي وجدان الآباء حرقةٌ مكبوتةٌ تلْتهم ما تبقّى من فرحة العمر. على ألسنة الجميع تَساؤلٌ واحِدٌ: لماذا يرحل أبناؤنا؟ لماذا يغادرون وطناً لم يعُد قادراً أن يكون لهم وطناً وملجأً وحاضراً ومستقبلاً؟ لماذا نُحرم من فلذات أكبادٍ دفعنا جهداً وشقاء وعمراً لنراهم يكبرون أمام عيوننا فإذ بهم يُهجّرون من وطنهم ويُدفعون عنوة للرحيل والهجرة؟ هل هذا هو قدَر الشباب في لبنان؟ أن ينتشروا في أصقاع الأرض بحثاً عن وطن؟ وهل هذا مصير العائلات أن تتشتّت وتنفطر قلوبها شوقاً لمَن غابوا ويأساً لمَن بقوا؟ إنها الهجرة تقرع باب اللبنانيين من جديد بدقّات أقوى وأشدّ وقعاً من أي وقت.

لطالما عرف لبنان موجاتٍ من الهجرة منذ أواخر القرن التاسع عشر كانت تشتد وتيرتُها أو تخفّ بحسب ظروف هذا البلد الأمنية والاقتصادية والسياسية. وعرفت الهجرةُ أوجها إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي شكلت عاملاً رئيسياً للهجرة المُغادِرة. واعتبرت مجلة الدفاع الوطني اللبناني في دراسة لها أن هجرةَ اللبنانيين إلى الخارج، التي لم تتجاوز عشرة آلاف نسمة في الأعوام الخمسة السابقة لاندلاع الحرب، وصلت إلى نحو خمسين الف نسمة سنوياً في الفترة الممتدة بين 1975 و 1980.

وأشارت الدراسة إلى أن حجم المهاجرين اللبنانيين وصل الى نحو 900 ألف نسمة عام 1990 ليبلغ مليوني مهاجر على الأقل خلال الربع الأخير من القرن العشرين وإن تكن الأرقام تختلف بعض الشيء بين دراسة وأخرى.

أزمات متراكمة وفقراء يستضيفون فقراء

ولكن هذه الأرقام على فداحتها تبقى مقبولة نسبياً بالمقارنة مع ما يشهده لبنان اليوم وما يُتوقّع له في السنوات المقبلة إذا استمرّت الحال على ما هي.

«الراي» التقتْ د. علي فاعور، وهو الخبير والمستشار والأستاذ الجامعي والمرجعية الموثوقة في ما يختص بالأرقام والحقائق حول سكان لبنان وممثل لبنان في العديد من المؤتمرات الدولية حول السكان والمدن والتنمية الاجتماعية، لتقف منه على ما وصلت إليه الحال الاجتماعية في لبنان ومسببات الهجرة المتزايدة.

يقول د. فاعور «إن 2020 من أسوأ السنوات التي مرّت على لبنان منذ الحرب الأهلية، فقد شهدت أسوأ الكوارث مع انفجار مرفأ بيروت (4 اغسطس) الذي تَرافَقَ مع انهيارٍ للعملة وانتشارٍ حاد للفقر بحيث تحدّثت الهيئات الدولية عن نسبة فقر راوحت بين 50 الى 60 في المئة قبل الانفجار، وارتفعت بعده الى نسبة تعدّت 70 في المئة. وأدّت أزمة»كورونا«وإقفال البلاد تكراراً الى تداعياتٍ ثقيلة لأن أكثر من 80 في المئة من سكان لبنان يعملون في قطاعات هامشية غير مستقرّة من دون راتب ثابت أو تغطية صحية، الأمر الذي أدى مع الإقفال الى ارتفاعِ نسبة الفقر».

ومع أزمة النازحين السوريين والتي بات يصح بإزائها القول إن فقراء يستضيفون فقراء، ازدادتْ الأعباء على كاهل الوطن الصغير، الذي انزلق تحت وطأة «العاصفة الكاملة»، مالياً واقتصادياً ونقدياً ومصرفياً واجتماعياً، إلى وضع أسوأ بكثير مما كان عليه خلال فترة الحرب الأهلية، وسط الوقوع بين «أنياب» التضخم المفرط وانهيار الليرة وفقدان 80 في المئة من القدرة الشرائية عند الناس وهو ما أدّى الى ارتفاع نسبة الهجرة وأعداد المهاجرين.

الهجرة خطر وجودي على لبنان

ويؤكد د. فاعور «أن أعداد المهاجرين العام 2018 كانت في حدود 40000 مهاجر لترتفع في 2019 الى أكثر من 60000 وتتفاقم أكثر في 2020 رغم عدم وضوح الأرقام بعد. ولكن بحسب حركة المطار فإن الأرقام خطيرة جداً ويمكن للرقم السابق أن يتضاعف حتى نهاية السنة. ويُتوقع لعامي 2021 و 2022 أن يهاجر تقريباً 4 في المئة من سكان لبنان أي ما يعادل 150000 شخص سنوياً وخصوصاً أن أبواب العمل شبه مقفلة وسوق العمل لا يستوعب اكثر من أربع الى خمسة آلاف من الخرّيجين الذين يبلغ عددهم سنوياً نحو 35000 طالب. وهذه الأرقام شبيهة بموجات الهجرة التي شهدها لبنان بعد الحرب الأهلية خلال الأعوام بين 1991 و 1993، حين كان اللبنانيون يهاجرون حينها بحثاً عن وطن».

وكأنه مكتوبٌ على لبنان الذي خسر جيلاً بأكمله بعد الحرب أن يعود ليخسر جيلاً جديداً في هذه الأزمة. فالرغبة في الهجرة مع نهاية هذا العام المشؤوم على أشدها وكذلك طلبات الهجرة تملأ السفارات، ولكن ما يحدّ منها هو عدم قدرة الراغبين بالمغادرة على تأمين الأموال الكافية للحصول على بطاقة سفر أو المتطلبات المالية الكافية للرحيل، وهذا ما يفسر من جهة أخرى زيادة نسبة الهجرة غير الشرعية من المناطق الفقيرة عبر قوارب الموت. وتزداد طلبات الهجرة مع فتح كندا أبوابها للمهاجرين وكذلك ألمانيا وفرنسا واستراليا. وقد تبيّن أن فرنسا تتقدّم في لائحة طلبات الهجرة وتليها السويد وإيطاليا.

وما يحزّ في القلب ويرسم صورة مأسوية للوضع أن النسبة الأعلى للمهاجرين هم بين 20 و 44 من عمرهم أي فئة الشباب المنتجة. وتتجلى فظاعة الصورة حين ندرك أن ما بين 300 و 350 طبيباً لبنانياً من أصحاب الكفاءات العالية هاجروا الى الخارج ليرتفع عدد الأطباء اللبنانيين الذين يعملون خارج وطنهم الى نحو 5000 طبيب، ولا سيما أن غالبيتهم يحملون جنسيات البلدان التي درسوا فيها، تاركين القطاع الصحي في لبنان في أزمة حقيقية. وإليهم تضاف هجرة المهندسين وأساتذة الجامعات والإعلاميين، أو ما يعرف بهجرة الأدمغة، التي ستكون لها انعكاسات قاسية جداً على الوضع الاقتصادي وعلى دور لبنان الصحي والتعليمي.

ويؤكد د. فاعور عبر دراساته أن الهجرة المستجدة ستترك خللاً كبيراً على التركيبة السكانية في لبنان تكون له انعكاسات كارثية. فتراجُع النمو السكاني الى 3.6 في القرى و 3.5 في بيروت مع زيادة نسبة الهجرة الى معدّلات غير مسبوقة وتَوَقُّع رحيل 4 الى 5 في المئة من سكانه، بات يهدّد بتغييرِ وجه لبنان ويضعه في خطر وجودي حقيقي وخصوصاً بوجود أعداد هائلة من غير اللبنانيين المستعدّين للحلول محلهم، وقد بدأوا ذلك بالفعل لتصبح غالبية سكان لبنان من غير اللبنانيين. وما يزيد من طين الأزمة بلة أن لبنان يفتقر الى الاحصاءات الصحيحة حول تعداد سكانه والمقيمين فيه، في غياب مقصود للأرقام يجعله خزاناً بشرياً يضمّ خليطاً غير متجانس من السكان مع فشلٍ شبه تام للسلطة السياسة في إدارة موارده الإنسانية والبيئية.

أرقام صارخة ولا مَن يسمع

أرقامٌ تقرع ناقوس الخطر وهي كفيلة بإحداث خضة في جسم الدولة اللبنانية المتهالكة، ولكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي وان الطبقة السياسية ومسؤوليها باتوا في حالة موت سريري، و إلا لكانوا بادروا الى البحث عن حلول تقي لبنان من براثن الخطر الداهم الذي يتهدد وجوده وكيانه كدولة ويلتهم أحلام أبنائه ويحولهم موتى أحياء ينتظرون فقط أن تدق ساعة الرحيل التي تحملهم إما الى بلدان أخرى أو تعبّد طريقهم نحو... جهنم.

ولكن بعد هذه الصورة الداكنة الشديدة السواد يبقى التساؤل الأهم: هل يمكن عكس هذا الواقع واستعادة لبنان لأهله وشبابه؟ الإجابة بسيطة وسهلة تتلخص باستعادة الثقة المفقودة بين الناس ودولتهم. فمتى عادت الثقة عادوا... و بنوا ورمموا ما دُمّر. وحدها صحوة ضمير عند المسؤولين ودراسات جدية للواقع السكاني في لبنان كفيلة بحفظ كيانه وصون وجوده.

وداع الأحبة خبز لبنان اليومي

بعيداً عن جمود الأرقام و تعبيرها الجاف تبقى دموع الأمهات وغصة الآباء أصدق تعبير عن مشاعر الألم والخوف والغضب التي تعتمل داخلهم، فهم يودّعون يومياً شاباً أو صبية سدّت أبواب المستقبل في وجوههم فوجدوا في الانسلاخ عن أهلهم وأحبّائهم وذكرياتهم ووطنهم الحلَّ الوحيد نحو مستقبل واعد.

دموع تحترق في مقلة الأهل من دون أن يتركوا لها العنان لتسيل على الخدود حتى لا تكون عائقاً أمام رحلة البحث عن مستقبل أفضل لمن يفضّلونهم على أنفسهم، يتركونها تحفر في كيانهم أخاديد عميقة لا يزيدها الوقت إلا عمقاً وألماً. فوداع الأحبة بات خبزاً يومياً عند العائلات اللبنانية على اختلاف أطيافها مقتدرة وفقيرة، مسلمة أو مسيحية، من المدينة أو الأطراف. وقد عبّرت الفنانة نانسي عجرم في الفيديو كليب الأخير الذي أطلقته لأغنية «الى بيروت الأنثى» من كلمات الشاعر الكبير نزار قباني عن هذا الوجع الذي يفتك بأفراد العائلة ويفتت قلبها مع وصول التاكسي الذي يحمل الابن الى المطار ليقلب صفحة الوطن ويبدأ رحلة البحث عن وطنٍ جديد و... «حلم بديل»

https://www.alraimedia.com/article/1513032/أخيرة/أخبار-منوعة/-لبنان-يهجر-أبناءه?fbclid=IwAR2aKbo1vonF-vq2_Jt54NYfDcSvz3s1T-7-wJ-CQ5tyaEfWGkq6zt7xEDYa


Tuesday, November 24, 2020

نسبة النمو السكاني في بعض المناطق المسيحية صفر.. وعدد سكان لبنان يلامس عدد غير اللبنانيين على أرضه

 

نسبة النمو السكاني في بعض المناطق المسيحية صفر

عدد سكان لبنان يلامس عدد غير اللبنانيين على أرضه

24 تشرين الثاني 2020









زيزي إسطفان

نسبة النمو السكاني في بعض المناطق المسيحية صفر

عدد سكان لبنان يلامس عدد غير اللبنانيين على أرضه

هل يبقى لبنان بعد عشر سنوات بلداً للبنانيين؟ هل يكون سكانه من اللبنانيين الأصيلين أباً عن جد، أم يصبح مخيماً كبيراً يأوي من ضاقت به اوطانه فوجد في البلد الصغير بديلاََ متاحاً مشرع الأبواب بلا حسيب او رقيب؟ الواقع مخيف، والأرقام على ضبابيتها ترسم للمستقبل صورة قاتمة يغمض المسؤولون أعينهم عمداً عنها. الهجرة، اللجوء، التجنيس وشيخوخة السكان عناوين تهدد بتغيير وجه لبنان الى الأبد ونسف ديموغرافيته وتوازنه الهش. فهل من يسمع ويعي نواقيس الخطر؟

زمات تتراكب فوق بعضها البعض وتتداخل مفاعيلها ملقية بظلالها الثقيلة على الواقع اللبناني، الذي لا يكاد يهضم أزمة حتى تعاجلهااا أخرى. تقهقر سكاني بدأ مع الحرب اللبنانية وتغير وجهه مع انتهائها وارتدى قناع الازدهار المزيف (من دون ان تنتهي تداعياته)، ليشتد من جديد مع الحرب السورية واللجوء السوري الى لبنان، ولتكتمل فصوله مع انهيار العملة الوطنية وارتفاع التضخم وبلوغ الفقر مستويات غير مسبوقة في لبنان. مع د. علي فاعور الخبير في شؤون السكان والهجرة نلقي الضوء على تداعيات هذه العوامل مجتمعة على الواقع الديموغرافي الجديد لسكان لبنان وما يعنيه ذلك من مخاطر على مستقبل هذا الوطن.


لبنان مخيم كبير ومستقبله مهدد
لبنان يضم اليوم حوالى 8 ملايين ساكن بحسب د. فاعور،( أو سبعة ملايين ونصف بحسب تقديرات أخرى) ووفق آخر إحصاء لمديرية الاحصاء المركزي نشر بداية العام 2020 فإن عدد اللبنانيين المسجلين في سجلات النفوس اللبنانية والمقيمين في لبنان بلغ3,800,000 نسمة، فيما بلغ عدد أبنائه الموجودين في الخارج حوالى 2,200,000 لبناني. وبحساب بسيط يتضح لنا أن أعداد غير اللبنانيين توازي أو تفوق أعداد ابناء هذا الوطن. فالى الفلسطينيين الموجودين في لبنان منذ 1948 اضيف اللجوء السوري وقبله العراقي، ومعه عدد كبير من مكتومي القيد الذين لا يحملون الجنسية اللبنانية يعيشون على أرض لبنان. هذا من دون إغفال وجود أعداد كبيرة من العمال والمهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة كالسودانيين والمصريين والآسيويين. وبعض المناطق في الأطراف ولا سيما الفقيرة منها مثل طرابلس وعكار والبقاع باتت أعداد النازحين وغير اللبنانيين فيها من الفقراء تفوق اعداد سكانها من اللبنانيين، والدليل على ذلك إعادة تكوّن أحزمة الفقر حول المدن.
واللافت في الأمر ان المخيمات الفلسطينية باتت تضم اليوم اعداداً كبيرة من غير الفلسطينيين من الفئات الضعيفة، الفقيرة والمهمشة من اللاجئين والمهاجرين. ومن يتابع احوال هؤلاء يجد أنهم تأثروا بالأزمة الاقتصادية وانهيار العملة مثلهم مثل اللبنانيين وباتوا يعيشون أزمة حياتية حادة، بحيث يمكن رؤية عمال سودانيين مثلاً ينامون في الشارع في منطقة الحمرا.
وكأن لبنان صار كله مخيماً كبيراً على مرأى ومسمع من مسؤوليه ومن دول العالم أجمع التي وجدت في تحويله الى خزان للاجئين والمهجرين والمهاجرين مصلحة لها، وسعت جاهدة لدمج اللاجئين في المجتمعات اللبنانية تجنباً لهجرتهم نحوها. وقد اضحى هؤلاء يهددون كيان لبنان ويزاحمون اهله في ما يعرف بالنزوح الإحلالي اي الحلول محل السكان الأصليين، مع كل ما يعنيه ذلك من تبعات ديموغرافية تغير وجه لبنان وتركيبته السكانية. والدليل على ذلك ما أوردته دراسة للمفوضية العليا للنازحين تبين أنه في السنة العاشرة للنزوح السوري الى لبنان 80% من النازحين هم من الأطفال والنساء، اي من الفئات الضعيفة التي تشكل عبئاً كبيراً على المناطق اللبنانية التي تأويهم بدءاً من البنى التحتية وصولاً الى البيئة والاقتصاد.

الدكتور علي فاعور

تراجع النمو السكاني
مشكلة النزوح والاعداد المخيفة لغير اللبنانيين على أرض لبنان ليست مصدر الخطر الوحيد، وإليها يضاف عامل ديموغرافي خطر يهدد بإحداث خلل كبير في البنية السكانية للبنان ويضع البلد أمام خطر وجودي حقيقي، يتمثل في تضاؤل نسبة النمو السكاني بحيث بات يطرح سؤال جدي: هل يكون لبنان في العام 2040 بلد الطفل الواحد؟

تؤكد الدراسات السكانية أن المحافظة على النمو السكاني تتطلب ان تكون نسبة النمو 4,1 ولكن بحسب د. فاعور فإن النسبة في لبنان وفق آخر دراسة سكانية نشرت في العام 2019 بلغت 3,6 في القرى و3,5 في بيروت، ومن المتوقع أن تنزل هذه النسب ولا سيما مع إرتفاع كبير لموجة الهجرة بين الشباب التي تمنع تكوين اسر جديدة. وقد تصل نسبة الولادات وفق التوقعات في حال استمرار الهجرة والأزمة الاقتصادية الى 1,6 للمرأة الواحدة، في حين ان المعدل الذي يؤمن الاستمرارية هو 2,1 طفل لكل امراة، الأمر الذي يؤدي الى تغيير البنية السكانية للبنان وتعريض مستقبله للخطر. وفي نظرة الى الأرقام يمكن أن نفهم بشكل أوضح مكامن الخطر. فعدد الولادات في لبنان عام 2019 بلغ 85000 ولادة وعدد الوفيات 30000 اي ان النمو هو 50000 نسمة، ولكن مع توقع عدد مهاجرين يقارب 100000 شخص وتوقّع هجرة ما بين 4 و5% من سكان لبنان، يمكن ان نفهم بوضوح كيف ان سكان لبنان يتناقصون بشكل مرعب. وتشير بعض الدراسات الى ان عدد اللبنانيين دون الخمس سنوات يبلغ 5% من مجمل السكان، بينما يبلغ ما بين 18 الى 20% وسط النازحين السوريين!

من كتاب "الإنفجار السكاني" للدكتور فاعور


المسيحيون في خطر!
هل المسيحيون هم الأكثر عرضة لهذا التبدل الديموغرافي؟ ام ان التغيير السكاني يطال كل الطوائف؟ الإجابة عن هذا السؤال دقيقة، ويؤكد د. فاعور ان الهجرة تشمل كل الطوائف لكنها تؤثر على المسيحيين بشكل أوضح وذلك لأن عددهم أقل من المسلمين، حيث تراجعت نسبتهم الى 30% من عدد سكان لبنان وبعضهم يقول الى 28% وأي خلل في النمو ينعكس عليهم بشكل اوضح. وثمة مناطق لبنانية مسيحية اليوم تلامس فيها نسبة النمو الصفر مثل بشري وجزين والمتن وكسروان.

من هنا سعي البطريركية المارونية والمرجعيات والهيئات المسيحية الى العمل على الحد من الهجرة وذلك خوفاً من تراجع أعداد المسيحيين بشكل، كبير خصوصاً مع فتح كندا أبواب الهجرة واسعة وطلبها لأكثر من مليون مهاجروتسهيلها الدخول الى أراضيها لمن يتقنون اللغات، وتسهيلات للدول الأوروبية لا سيما فرنسا والمانيا والسويد للهجرة. وثمة تحرك من الفاتيكان وبعض الدول الغربية لفك الحصار المفروض على لبنان لتخوفها من الهجرة التي بدأت تفرغ الوطن الصغير من الوجود المسيحي.

أما الخطر الآخر على الصعيد الديموغرافي بالنسبة للمسيحيين فناتج عن مفاعيل مرسوم التجنيس المشؤوم، الذي صدر عام 1994 وحمل الرقم 5247 ومنح الجنسية اللبنانية لحوالى 200000 شخص توزعوا الى أربع فئات مختلفة: أشخاص مكتومو القيد، يحملون بطاقات "قيد الدرس"، أهالي القرى السبع، وأجانب يحملون جنسيات من أكثر من 80 دولة مختلفة. ولكن تبين في ما بعد وجود خلفيات سياسية وطائفية وانتخابية لهذا المرسوم ما دفع بالرابطة المارونية للطعن فيه، مستندة في ذلك على مخالفته لمبدأ المساواة بين المواطنين وخلقه خللاً جسيماً في التوازن الطائفي والعيش المشترك، نظراً لتجنيسه عدداً من المسيحيين أقل بكثير مقارنة مع المسلمين. وقد أوصت اللجنة العليا المشكّلة من قبل وزارة الداخلية للتحقيق بملفات المجنسين عام 2004 بسحب الجنسية عما يقارب 1940 شخصاً من أصل أكثر من 150 ألفاً، وبعدها في العام 2011 تمت دراسة حوالى 200 ملف وسحب الجنسية من عدد محدود من المجنسين. ولكن مهما يكن الجدل حول هذا المرسوم فإن مفاعيله ما زالت تتردد حتى اليوم حيث يُتوقع أن يكون عدد المجنسين قد قارب 700000 شخص، مسبباً بذلك خللاً واضحاً في التركيبة السكانية والفرق بين اعداد المسيحيين والمسلمين.


مهاجرون

رغم المخاطر التي تتهدد كيانه ووجوده، فان لبنان، هذا البلد الغريب العجيب، هو البلد الوحيد في العالم الذي يعيش بلا أرقام رسمية ويخشى تعداد سكانه ومقيميه. ومعروف ان آخر تعداد يعود الى العام 1932. وكأن إخفاء الأرقام هو إخفاء للحقائق وهروب منها. ويرى د. فاعور مثله مثل كل الباحثين في شؤون السكان أن تعدادنا هو مستقبلنا ولا يمكن بناء دولة بلا أرقام رسمية ترصد عدد السكان وتوزّعهم الطائفي وعدد المقيمين في البلد وخلفياتهم.
مديرية الإحصاء المركزي تقوم من وقت الى آخر بإحصاء بالعينة يعطي لمحة عن عدد السكان، وقد تبين وفق ارقامها ان عدد سكان لبنان حالياً بحدود 8 ملايين ساكن، بينهم وفق المفوضية العامة للاجئين مليونان ونصف مليون لاجئ سوري، وثمة من يؤكد أن 62% من اللاجئين الموجودين على أرض لبنان غير مسجلين في المفوضية. يضاف الى هؤلاء حوالى 450,000 لاجئ فلسطيني و300,000 عامل أجنبي و300,000 من مكتومي القيد والأطفال غير المسجلين.
بالعودة الى عام 1960 قامت بعثة أرفد بإجراء مسح لسكان لبنان وتبين حينها أن العدد 1,626,000 مقيم وحوالى مليون مهاجر يعيشون خارج لبنان. وفي إحصاء للقوى العاملة عام 1970 وصل عدد السكان الى 2,150,000 نسمة. وفي العام 1996 اجرت وزارة الشؤون الاجتماعية مسحاً وصل فيه العدد الى 3,150,000 ليرتفع الى 3,500,000 عام 2004 ويصل الى3,800,000 عام 2019، في مؤشر واضح الى تباطؤ مخيف في النمو السكاني.
وبعد، هل يقرأ المسؤولون هذه الأرقام؟ هل يعرفون ما تعنيه وهل يدركون ان أبناءهم ربما لن يجدوا مكاناً لهم في لبنان الذي يتنازعون اليوم على مناصبه؟ هل يدركون أنهم صاروا اشبه بنواطير المفاتيح لبيوت خالية؟


24 تشرين الثاني 2020

Monday, December 30, 2019

كيف سيكون لبنان عام 2020 بعد دخوله دائرة الخطر بالأرقام؟

 

كيف سيكون لبنان عام 2020 بعد دخوله دائرة الخطر بالأرقام؟


                         

اللغز الكبير برأي وكالات التصنيف الدولية هو:كيف سيخرج  من دائرة الخطر؟
التقصير غير المنضبط من جانب السلطة الحاكمة، والسياسة المالية الفاشلة، المستمرة منذ ثلاثة عقود، هي التي دفعت لبنان ليكون  إحدى أكثر الدول  مديونية في العالم ، وبعد دخول الاقتصاد اللبناني مرحلة الانكماش.. يتّجه الاقتصاد والوضعان المالي والنّقدي، إلى الإنحدار الشديد نتيجة شل مرافق الاقتصاد، إضافة إلى تعطيل منظومة العمل المالي والنّقدي مع إقفال المصارف لبعض الوقت، وهو الأمر الذي يحصل للمرة الأولى في تاريخ لبنان، إذا ما استثنينا بعض سنوات الحرب الأهلية. وذلك من دون حصول أيّ جهد من قبل السلطة الحاكمة لإعداد خطّة إصلاح أو وقف التدهور.

• أما اليوم وقد دخل الحَراك الشّعبي شهره االثالث ومع استمرار فشل المسؤولين في تشكيل حكومة جديدة توحي بالثّقة، كما تعرّض لبنان خلال الأشهر الماضية لأقسى عملية تقييم من مؤسسات التّصنيف الدّولية، التي أجمعت على تخفيض تصنيف لبنان، ولا سيّما تخفيض تصنيف أكبر ثلاثة مصارف، بعد أن تم فرض قيود على التّحاويل المصرفية وعلى عملية السّحب، من خلال اللّجوء إلى نظام الـ Capital Control"". مما بات يهدد النّظام المصرفي بالإنهيار

لكن وحتى الآن ، تتمتع البلاد على الصعيد الدولي، بسجل لا يشوبه شائبة في سداد السندات المتوجبة من خلال الحرب والصراع السياسي، وستكون كل الأنظار  مصوبة على سندات الحكومة البالغة 1.2 مليار دولار والتي ستستحق في 9 آذار/مارس 2020. وكان لدى لبنان  1.5 مليار دولار من سندات اليورو استحقت وتم تسديدها سابقا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

لغز المستثمر؟. الوضع كارثي..والتخلف اللبناني عن السداد يمكن أن يهز المنطقة
ويتساءل الجميع مع تقلص تلك الاحتياطيات ، فإن فرصة مواجهة المستثمرين لبعض أنواع التخلف عن سداد الديون ، كما في قص الشعر أو إعادة تصفيفه ، أصبحت مرجحة على نحو متزايد وإلى أي مدى يمكن الصمود ما لم تتشكل الحكومة للمواجهة،  وإسترجاع الأموال الهاربة والمهربة.
الوقت داهم وعام 2020 ينكشف اللغز... لمعرفة هل  يمكن احتواء أسوأ أزمة عملة مثقلة بالديون اللبنانية منذ أكثر من عقدين والتي باتت تقارب 87 مليار دولار.
تضاف إليها تداعيات الإنفجار الإجتماعي، حيث الأرقام أصبحت مخيفة وتؤشر إلى حدوث كوارث معيشية ومالية آتية، ذلك أن نصف اللبنانيين اليوم يرزحون تحت خطّ الفقر. في وقت لا يملك 52% من اللبنانيين تأميناً صحياً مناسباً بحسب تقرير البنك الدولي عام 2016، أمّا صندوق النقد الدولي فيرى أنّ الدين الخارجي للبنان (حكومة ومصارف وشركات)،  إرتفع إلى نحو 195% من الناتج المحلي، او 107 مليارات دولار اي بمعدل 15,500 دولار أميركي لكلّ مواطن لبناني.
عسى أن تحمل الأيام القادمة بداية حلول لتفادي الإنهيار الشامل.
وكل عام وأنتم بخير
*عميد سابق في الجامعة اللبنانية وباحث في الشؤون السكانية