مزارع شبعا هي أراض
لبنانية تاريخياً وجغرافياً
الحدود والإطار الجغرافي
مجلة معرفة وعطاء (تصدرها هيئة تكريم العطاء المميز)
العدد الثاني في كانون الثاني 2021 (صفحة 291-304).
الدكتور علي فاعور
أستاذ الجغرافيا، وخبير في شؤون السكان
والهجرة.
الإطار الجغرافي
الأطماع الإسرائيلية في حرمون
هناك إعتقاد سائد بأن
قمم جبل حرمون (أو جبل الشيخ)، تمثل في التاريخ الجيولوجي أول الأراضي اللبنانية
التي ظهرت فوق المياه، وذلك في أواخر الطور الجيولوجي الثاني وأوائل الطور الثالث،
يبلغ إرتفاعه حوالي 2839 متراً، وهو "يشرف على الشام وباديتها شرقاً، وعلى
البحر المتوسط وجميع جبل عامل غرباً، ومن جبل الكرمل حتى أقاصي حواران والجولان
جنوباً، وعلى أكثر لبنان والبقاع شمالاً، وهو يدعى أيضاً جبل حرمون الكبير، وقد
سماه الأشوريون "سانيرو Saniro " والعبرانيون " شانيرChenire "
والفينيقيون "سيريون Sirion"، وهذه الأسماء معناها راية أو علم وذلك لإرتفاعه عما حوله
من الجبال، كما دعاه العرب جبل الشيخ، لأن الثلج يغطي قممه، وقد كان هذا الجبل
مقدساً عند الأقدمين... وقد عبده الأقدمون لأنه مجتمع الغيوم بسبب علوه، فكانوا
يعتقدون أنه واهب الخيرات ومحيي البلاد..".
جبل الشيخ: أبو
المياه الحقيقي لفلسطين
"...إن جبل الشيخ (حرمون) هو ابو المياه
الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاسمة غلى جذور حياتها
الإقتصادية بالذات، وجبل الشيخ لا يحتاج فقط إلى إعادة تحريج وتشجير، بل وايضاً
إلى أعمال أخرى قبل أن يصبح مؤهلاً ليكون خزان مياه البلاد، لذلك يجب أن يخضع
كلياً لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة أو يملكون القوة الكافية لإستغلال
إمكاناته إلى اقصى الحدود...
كما يجب التوصل إلى
إتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي الليطاني (أي اليهود في
فلسطين الكبرى) حماية تامة"...
من مذكرة تقدم بها الوفد
الصهيوني إلى مؤتمر الصلح الذي إنعقد في باريس عام 1919.
موقع مزارع
شبعا
تقع مزارع شبعا في
السفوح الجنوبية الشرقية لجبال حرمون التي يصل إرتفاعها في قمة جبل الشيخ إلى
2814م، وهي تضم مجموعة هضاب تبدأ من قمة الزلقا، وهي ثاني أعلى قمة في جبل حرمون،
وتنتشر في منطقة جبلية يتراوح إرتفاعها بين 2000م في الشمال، و 250م في الجنوب،
حيث تطل في الشمال والغرب على جبل الروس وجبل السُماق، وتشرف في الجنوب على مجرى
نهر الوزاني ووادي الحاصباني، كما تتوزع في التخوم المشرفة على منخفض بحيرة الحولة
في فلسطين، ويحدها في الشرق والجنوب الشرقي وادي نهر العسل وذلك إبتداء من النقطة
39 (علامة على إرتفاع 320م) الواقعة في الجهة الغربية على الطريق المؤدية إلى بانياس
(قرب جسر بانياس)، وهو الطريق الوحيد الذي يصل لبنان بسوريا (من مزرعة المجيدية
اللبنانية حتى بانياس السورية)، والتي تلتقي فيها الحدود بين فلسطين وسوريا
ولبنان.
وهي تضم عدة مزارع يزيد
عددها على 15 مزرعة كبرى، كانت تسكنها أكثر من 1000 عائلة، يبلغ عدد المنازل فيها
1200، ويُقدر عدد سكانها بحوالي 15 الف نسمة، وهي تشكل إمتداداً طبيعياً للقرى المنتشرة
في إقليم العرقوب، وذلك إبتداءً من بدة شبعا الواقعة على إرتفاع نحو 1300 متراً،
تليها كفرشوبا وكفر حمام، ثم مزارع حلتا والدحيرجات، وخربة الدوير، والمجيدية،
والوزاني.
كما ,انها تتوزع في
منطقة هضاب واودية تمتد بطول يبلغ 25 كم، على طول وادي النهر المسمى وادي العسل
بين الشمال والجنوب، وعرض يتراوح بين 13 و14كم، بحيث تزيد مساحتها على 250 كم2،
وهي تشمل عدة مزارع، أهمها: مزرعة النخيلة: وتقع على إرتفاع 220م، يليها مغر شبعا
(300م) في الجنوب، ثم خلة غزالة (600م)، ومزرعة فشكول (650م)، ومزرعة قفوة (850م)،
ومزرعة زبدين (900م)، والرمتا (1000م)، ثم مزرعة برختا (1200م)،هذا بالإضافة إلى
مزارع أخرى في الشمال، مثل: كفر دورة وبيت البراق، وبسطرة ومراح الملول، والربعة،
وجورة العقارب، وحربتا، وهي تضم أراض زراعية واسعة، خصوصاً في ضهر البيدر ومشهد
الطير.
ترتبط هذه المزارع ببلدة
شبعا حيث تقيم العائلات المالكة للأرض، والتي كانت تستخدم الجرود العالية، والتلال
الجبلية لرعي قطعان الماعز، حيث تم بناء حظائر تحولت لاحقاً إلى منتجعات للإقامة
الشتوية، ثم سرعان ما نشأت المزارع العائلية، مع توسع زراعة الحبوب والزيتون، حيث
يؤكد الأهالي أن مزارعهم، تقع في أراض لبنانية منذ إنشاء دولة لبنان الكبير عام
1920م، وحتى عام 1958م كانت قوى الأمن الداخلي اللبناني تتولى مراقبة الأوضاع
الأمنية وتسيير الدوريات مع مأموري الأحراج لضبط الأمن ومراقبة أعمال التهريب.
بعد ذلك، وفي أعقاب الحرب
العربية الإسرائيلية عام 1948، فقد توسع العدوان الإسرائيلي ليشمل مساحات واسعة من
الأراضي المتاخمة لسهل الحولة، كما إنتشرت مخافر الأمن السورية في هذه المزارع
للحفاظ على الأمن، ومواجهة الأطماع الصهيونية والدفاع عن المناطق الحدودية
المتاخمة لفلسطين المحتلة، وفي المقابل إنقطعت دوريات قوى الأمن الداخلي اللبناني
عن تأدية مهامها، ومع بداية الستينات بدأت علاقة أهالي شبعا تخف بأراضيهم، حيث
إقتصرت العلاقة على مواسم قطاف الزيتون ورعي قطعان الماعز.
ويتبيّن من بعض المصادر
أن هذه المزارع، وبنتيجة موقعها الإستراتيجي المشرف على منخفض الحولة ، قد جرى
إستخدامها من قبل القوات السورية بموجب إتفاق تم في العام 1952، حيث أقامت فيها
عدة مراكز لمراقبة التحركات الإسرائيلية وأعمال التسلل.
ومع إطلاق حرية العمل
الفدائي الفلسطيني من أراضي العرقوب، ثم إنتشار المقاومة الفلسطينية وتمركزها في
قرى المنطقة عام 1968، حيث بدأت القوات الإسرائيلية بالإستيلاء على مزارع شبعا، كما إقتطعت مساحات
واسعة من أراضي كفرشوبا، وهجرت أهاليها حتى وصلت إلى قمم جبل الشيخ (قصر شبيب
2814م)، فأقامت مراصد عسكرية (مثلاً في قمة الزلقا على إرتفاع 2969م) ومراكز أمنية
ودفاعات ومنعت الأهالي من العودة إلى مزارعهم.
أما بالنسبة لأهمية
مزارع شبعا، فهي تعتبر الشريان الإقتصادي الحيوي لبلدة شبعا خاصة ولمنطقة العرقوب
عامة، وهي تشكل نحو 80 في المائة من خراج بلدة شبعا التي لا تملك أراضي إلا في هذه
المزارع، كما تعتبر إمتداداً طبيعياً لخزان المياه الجوفية في المثلث اللبناني-
السوري- الفلسطيني، ويصلح القسم الشمالي منها
لناحية السفح الغربي لجبل الشيخ للتزلج على الثلوج، ويؤكد أبناء البلدة أن
ترسيم الحدود العام 1923، لم يشمل المزارع بإعتبار أنها تقع في الجهة الشرقية بين
لبنان وسوريا، أي ضمن خط الإنتداب الفرنسي، وبالتالي لم تشملها إتفاقية
"بوليه نيوكومب"، التي رسمت حدوداً بين خطي الإنتداب الفرنسي والإنكليزي
(بين لبنان وفلسطين وبين سوريا وفلسطين)، لكن فقد تم إستدراك الأمر في الأربعينات،
وتكرس ذلك في إتفاقية الهدنة عام 949، وكذلك في سلسلة إتفاقيات لبنانية سورية وضعت
لاحقاً..
-
كما يؤكد
أهالي المزارع رواية تعود إلى العام 1952، عندما "قام المواطن عبدالله ديب
صعب بقتل اخويه الإثنين من غير أمه وخالته بتحريض من والدته، الجريمة وقعت في
مزرعة قفوة وعلى الفور جاءت فرقة من الدرك اللبناني والقت القبض على القاتل، وكشفت
على مكان الجريمة وجرت المحاكمة في مدينة صيدا، وأعدم القاتل في ساحة البرج،
ويستند محمد ديب خطار إلى الرواية للقول مجدداً بأن المزارع لبنانية، والسلطات
اللبنانية كانت تقوم بواجباتها على أكمل وجه فيها".
-
وبحسب رأي
بلدية شبعا، فإن المزارع لبنانية وبلدية شبعا تدير شؤونها وتقوم بتعيين نواطير
الأحراج وتتولى "الحسبة"، أي عمليات بيع وشراء أراضي أو منتوجات زراعية
طيلة سنوات الخمسينات والستينات، كما كان العدادة يتولون إحصاء قطعان الماعز
والماشية من أجل إلزام أصحابها بدفع الضرائب التي كانت تصب في خزينة الدولة
اللبنانية. كما أن مخفر درك شبعا كان يتولى تنظيم مجاضر الضبط بقطع الأحراج وباقي
المخالفات، وفي العام 1954 حضر أحد القضاة العقاريين من صيدا إلى المزارع وقام
بمسح بعضها بناء لطلب أصحابها، لكن معظم المزارع لا مساحة فيها بل
"طابو" إختياري، ومن جملة من قاموا بمسح أراضيهم يوسف عيسى الذي باع
الأرض.
-
ويقول نائب
رئيس بلدية شبعا المنحلة في العام 1968، أن بلدية شبعا قد تقدمت بطلب إلى وزارة
الداخلية (الشعبة الثانية) عبر القائمقام والمحافظ للطلب من سلطات الإحتلال عبر
لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، الحصول على إذن للسكان لقطف موسم الزيتون
وكان الرد إيجابياً، وأعطونا مهلة ثلاثة اسابيع. بعدها طلبت السلطات اللبنانية من
المزارعين عدم دخول المزارع بحجة الحفاظ على حياتهم، وبعد بضعة أشهر قدمت لنا مساعدات رمزية لمدة شهرين، ثم فتح مخفر شبعا
أبوابه على مدى ثلاثة شهور، بناء لأوامر وزارة الداخلية وسجل الأهالي ممتلكاتهم
التي إحتلت في حزيران عام 1967.
الأطماع
الإسرائيلية: قضم الأراضي وإحتلال مزارع شبعا
مع بداية حرب حزيران
1967، وبالرغم من عدم مشاركة لبنان فيها، فقد شملت الأطماع الإسرائلية التوسعية الأراضي اللبنانية، حيث تم إحتلال
مزارع شبعا وتهجير أهلها. وقد بدأت عملية الإحتلال على مراحل، كما يلي:
·
المرحلة الأولى: بدأت في الخامس عشر من
شهر حزيران 1967، حيث تم إحتلال عدة مزارع، منها: مغر شبعا، خلة الغزالة، ضهر
البيدر، رويسة القرن، جورة العقارب، وفشكول، وقد هجّرت قوات الإحتلال الإسرائيلي
الأهالي وأجبرت المزارعين على إخلاء مزارعهم.
·
المرحلة الثانية: بدأت في 20 جزيران، حيث
وسعت القوات الإسرائيلية إحتلالها ليصل إلى مزارع قفوة، زبدين، والرمتا، حيث تم
طرد أصحاب هذه المزارع بعد مصادرة مواشيهم ومحاصيلهم.
·
المرحلة الثالثة: بدأت في 25 حزيران، حيث
إجتاحت القوات الإسرائيلية ما تبقى من مزارع شبعا، أي الربعة وبيت البراق، وبرختا
التحتا، وبرختا الفوقا، ومراح الملول، ولقي أهالي هذه المزارع نفس مصير إخوانهم
المهجرين قبلهم.
·
المرحلة الرابعة: شملت الإعتداءات تدمير
المنازل وإحراق المزارع، وذلك وفق الآتي:
-
بتاريخ 26 حزيران 1967،
دمرت قوات الإحتلال الإسرائيلي جميع المنازل والآبار وزرائب المواشي في كل المزارع
من مغر شبعا في الجنوب، إلى مراح الملول في الشمال.
-
وفي آب 1967، أحرقت قوات
الإحتلال الحقول والبساتين وأجزاء واسعة من الغابات، ودمرت "مشهد
الطير"، وهو يمثل مقام النبي إبراهيم عليه السلام.
-
في صيف 1972، أحاطت قوات
الإحتلال هذه المزارع بالأسلاك الشائكة، وزرعت الألغام في المناطق الأخرى، مما
أودى بحياة العشرات من أبناء شبعا وقتل الآلاف من رؤوس المواشي، كما أنشأت المراصد
العسكرية في جبل الشيخ.
·
المرحلة الخامسة: في عام 1985، أنشأت
قوات الإحتلال مستوطنتين خيث إستقدمت قوات الفالاشا وأسكنتهم في مزرعتي رويسة
القرن وزبدين (600م عن سطح البحر)، حيث توجد تربة خصبة ومناخ دافئ لزراعة الحبوب
والأشجار المثمرة، وقد وضع حجر الأساس لهاتين المستوطنتين الحاخام الإسرائيلي
مائير كوهونا، كما أنشأت مجتمعاً سياحياً للتزلج في منطقة مقاصر الدود، ثم أقامت
شبكات طرق جديدة، وحوّلت المنطقة إلى إستراحات سياحية للتزلج والترفيه في منطقة
تمتد بطول خمسة كيلومترات، وهي تعتبر اليوم من اهم مراكز التزلج الإسرائيلية في
سفوح جبل حرمون الغربية.
وفي نيسان 1989، أنذرت
قوات الإحتلال الإسرائيلي سكان مزرعة بسطرة (60 عائلة)، التي كانت لا زالت خارج
شريط المزارع المحتلة، وطلبت منهم إخلاءها، فرفض الأهالي، إلاّ أن قوات الإحتلال
ابعدتهم بالقوة وهدمت المنازل، وأحاطت هذه المنطقة بالشريط الشائك، وضمتها إلى
المزارع الأربع عشرة المحتلة عام 1967.
-
في هذا الوقت،
بقيت عائلة تسكن في مزرعة بسطرة هي عائلة "محمد عبدالله زهرة"، الذي
توفيت زوجنه قبل حوالي عشرة أيام، وقام بدفنها في مدافن بلدة شبعا، حيث يقوم جنود
الإحتلال بفتح الشريط الثالث لتأمين مروره إلى بسطرة. وفي خريف العام 1995، سمح
الإسرائيليون لحوالي ثمانين مزارعاً بالدخول إلى المنطقة الواقعة بين الشريطين الثاني
والثالث (قفوة، فشكول، جورة العقارب، ضهر البيدر، وخلة الغزالة)، وذلك بموجب تصريح
من أجل قطف مواسم الزيتون، لكن الأغلبية وجدت الاشجار محروقة وإكتفت بالزيارة
التفقدية، ولم تكررها منذ ذلك الحين.
-
ويشير البعض
إلى إقدام الإحتلال الإسرائيلي على سرقة تربة ورمول المزارع، وخاصة من بسطرة،
و"باب الحد" في كفر حمام، فضلاً عن إستمرار خطواتهم الإستيطانية في
مزارع رويسة القرن، وزبدين ومراكز التزلج في مقاصر الدود.
-
ويقول أحد
ابناء بلدة شبعا، بأن محمد علي سرحان قد زار المزارع في العام 1976، عن طريق دخوله
الأراضي المحتلة بواسطة جواز سفر أميركي، وتبيّن له أن معظمها مزروعة بالأشجار
المثمرة وخاصة كروم العنب، فضلاً عن الإستفادة من زيتونها الروماني المعمّر.
كذلك فقد إعتمدت دولة الإحتلال الإسرائيلي سياسة قضم الأراضي، حيث تابعت
إحتلال مساحات واسعة من أراضي كفرشوبا، وتوسعت إلى وادي الخنسا، البحاصير، ورويسة
السمّاق، الجبل الأحمر وجبل الروس، بالإضافة إلى منطقة مشهد الطير التابعة للأوقاف
الإسلامية، وهذه المناطق تمتد من خراجات كفرشوبا، وكفر حمام، وشبعا، وفي غمرة
المواجهة الإسرائيلية السورية عام 1973، فقد إقتطع الإحتلال الإسرائيلي من مرتفعات
جبل الشيخ العديد من المواقع اللبنانية، أهمها في خراج بلدة شبعا: وتشمل جورة
العليق، الشحل، بركة النقار، السواقي، وتلة السدانة الواقعة بين شبعا والهبارية،
وتتميز بموقعها الإستراتيجي المهم الذي يطل على القطاع الشرقي كله، وصولاً إلى
محيط قلعة الشقيف ومنطقة النبطية.
-
وتقدر
مساحة الأراضي المقتطعة من العرقوب خارج مساحة المزراع بطول ثمانية كيلومترات وعرض
بين ثلاثة وأربعة كيلومترات، وتمتد من تلة السمّاقة، حنى مزرعة شانوح، مروراً بالبيادر جنوبي شرقي
كفرشوبا.
مستندات ثبوتية: مزارع شبعا أراض لبنانية
يتبيّن بالرجوع إلى بعض الوثائق والمستندات، ثبات لبنان بملكية مزارع شبعا،
وتؤكد لبنانية هذه المزارع سندات التمليك التي لا زالت بحوزة الأهالي، فضلاً عن
وثائق وقيود لتصنيف الأراضي ودفع الضريبة وجواز المرور، وهي تضم محاضر ووثائق قيد
صادرة عن الجمهورية اللبنانية في محافظة الجنوب، وتابعة لدائرة صيدا العقارية، كما
أنها تابعة لبلدة شبعا في قضاء حاصبيا، ويمكن ذكر بعض هذه المستندات كعناوين
لوثائق متعددة، وفق الآتي:
-
مستند رقم
"1": شهادة قيد ملكية للسيد "على حسين هاشم"
في مزرعة برختا صادرة عن الجمهورية اللبنانية، ومسجلة في الدوائر العقارية في صيدا
عام 1956.
-
مستند رقم
"2": محضر تصنيف الأراضي للسيد "علي بنوت"،
صادر عن الجمهورية اللبنانية في محافظة الجنوب من قرية شبعا في قضاء حاصبيا، حول
ملكية أراضي في مزارع برختا وكفر دورة، وحاربية، عام 1954.
-
مستند رقم
"3": سند تمليك للسيّد "قاسم حسين هاشم"،
في مزرعة "خلّة الغزالة"، صادر عن الجمهورية اللبنانية، المكتب العقاري
في صيدا، والمنطقة العقارية في شبعا، عام 1942.
-
مستند رقم
"4":
شهادة قيد لملكية في مزرعة برختا، صادرة عن الدوائر العقارية في صيدا،
للسيد "حسين قاسم الخطيب"، عام 1949.
-
مستند رقم
"5": سند طابو للسيّد "إبراهيم حسين الخطيب"،
حول ملكية أراضي في مزرعة برختا (التابعة لقرية شبعا في قضاء حاصبيا)، صادر عن الدوائر
العقارية في صيدا عام 1922.
-
مستند رقم "6": سند تمليك
في مزرعة قفوة، للسيد "إسماعيل مصطفى صادر"، عن السجل العقاري في صيدا،
وتابع للمنطقة العقارية في شبعا، عام 1987.
-
مستند رقم
"7": سند تمليك أراضي في خلّة الريحانية، في موقع
زبدين في خراج بلدة شبعا، للسيد "مصطفى العبداالله".
-
مستند رقم
"8": قرار قضائي صادر عن المحكمة الشرعية للطائفة
السنية في بيروت، بتاريخ 31-3-1945، وذلك حول إمتلاك أراضي ومقام النبي إبراهيم علية
السلام في المزارع، المسمّاة "مشهد الطير".
-
مستند رقم
"9": قرار مجلس الوزراء اللبناني المنعقد في 16-1-
1948، والذي يبلغ فيه المحكمة الشرعية للطائفة السنية في بيروت، عدم صلاحيتها
بامتلاك أراضي (بموجب حكم قضائي صادر عن المحكمة بتاريخ 31-3-1945)، وذلك في مزرعة
"مشهد الطير" حيث يوجد مقام النبي إبراهيم عليه السلام، وذلك بإعتبار
هذه الأراضي أملاكاً لبنانية تعود للدولة، ولا يحق لمحكمة دينية إمتلاكها دون
ترخيص من الدولة.
وهذا كله يؤكد أن سيادة الدولة اللبنانية على
هذه المزراع تعود لما قبل العام 1945.
-
مستند رقم "10":
سند خاقاني قديم حول ملكية أراضي في موقع مزرعة حربيا في
قرية شبعا التابعة إلى قضاء حاصبيا، وباسم "علي بن وهبي"، وحدود قطعة
الأرض السادة محمد منصور ومحمد أبو حويلة وأولاد حسين حمود... وهذا ما يؤكد أن
مزرعة حربيا تابعة إدارياً وعقارياً إلى قرية شبعا في قضاء حاصبيا منذ القديم.
-
مستند رقم "11"
و "12": وهي وثائق سندات قديمة "سند
خاقاني"، وتؤكد بشكل قاطع تبعية المزارع العقارية والإدارية لقرية شبعا في
قضاء حاصبيا.
يستدل من هذه المستندات بصورة مؤكدة، أن أراضي شبعا هي
أراض لبنانية تاريخياً وجغرافياً، وهي تابعة من مختلف النواحي لأبناء العرقوب،
وخصوصاً أهالي بلدة شبعا، بموجب قيود وسجلات قيد المقيمين، كما أن مزارع شبعا
المذكورة تابعة من الناحية العقارية إلى بلدة شبعا، التابعة بدورها إدارياً إلى
قضاء حاصبيا، والتابعة أيضاً للدائرة العقارية في صيدا (وذلك قبل استحداث محافظة النبطية وفصلها، حيث أصبح القضاء يتبع لها). وهي ملكيات عقارية ممسوحة وثابتة بموجب سجلات
مدوّنة في محاضر تصنيف أملاك وأحكام قضائية، وسندات طابو صادرة جميعها
عن الجمهورية اللبنانية، والرسوم المالية المستوفاة عنها في مراحل تاريخية مختلفة،
أثناء الإنتداب الفرنسي وبعد الإستقلال، وحتى ما قبل إحتلالها عام 1968، وهي تؤكد
بوضوح الإنتماء الجغرافي والإداري والقانوني لهذه المزارع إلى الدولة اللبنانية
بحدودها المعروفة والمعترف بها دولياً.
توزيع مزارع شبعا: عدد المنازل
وأسماء العائلات المالكة
إسم المزرعة |
عدد المنازل |
عائلات مالكيها |
المغر (مغر
شبعا) |
200 منزل |
آل سرحان، ماضي،
من شبعا |
زبدين 0الفوقا
والتحتا) |
200 منزل |
آل عبدالله،
وحمدان، ونصار ، من شبعا |
النخيلة |
200 منزل |
آل شهاب، والأميوني من حاصبيا، وآل الزغبي من
شبعا |
فشكول |
40 منزل |
آل حمد من شبعا |
البراق (أو بيت
البراق) |
15 منزل |
آل السعدي وآل
حمدان، من شبعا. |
رمتا |
40 منزل |
آل هاشم، من
شبعا |
بسطرا |
15 منزل |
آل الحناوي وآل
ناصر من شبعا |
برتعيا |
30 منزل |
عموم أهالي شبعا |
كفردورة |
20 منزل |
آل صعب من شبعا |
الربعة |
15 منزل |
آل الحناوي وآل
ناصر من شبعا |
خلة الغزالة |
15 منزل |
آل هاشم، وآل الخطيب،
من شبعا |
مراح الملول |
20 منزل |
آل صعب، وآل
كنعان، من شبعا |
برختا (الفوقا
والتحتا) |
60 منزل |
آل منصور، وآل
غادر، من شبعا |
قفوة |
200 منزل |
غموم أهالي شبعا |
حربيا |
أراض زراعية |
عموم أهالي شبعا |
هذا
بالإضافة إلى مزارع اخرى ، منها الآتية: |
|
|
النقار والمرج |
أراض زراعية |
عموم أهالي شبعا |
رويسة القرن |
90 منزل |
|
جورة العقارب |
78 منزل |
|
ضهر البيدر |
15 منزل |
|
مشهد الطير |
أراض زراعية |
آل خيرالله من
شبعا. |
ملاحظة: نصّ القرار رقم 3066 الصادر في
9 نيسان (إبريل) 1925، والذي يختص بتنظيم دولة لبنان الكبير إدارياً، على ان
محافظة مرجعيون تتألف من مركز المحافظة مرجعيون وفيها (32 قرية) ومديرية حاصبيا
وفيها (26 قرية) ومنها قريتا شبعا والنخيلة، وكذلك المرسوم رقم 2489 لسنة 1944 الذي تمّ من خلاله إدخال
منطقة شبعا ومزارعها والنخيلة ضمن حدود صلاحية حاكم صلح حاصبيا، والمرسوم رقم 152
لسنة 1939 الذي يذكر فيه خربة النخيلة وشبعا ومزارعها عن تقسيم قضاء مرجعيون من
الوجهة الطبيعية الى منطقتين.
خلاصة عامة
يتبيّن من دراسة وضع مزارع شبعا وترسيم الحدود الدولية الجنوبية اللبنانية
أن هذه المزارع لبنانية منذ القدم، ومن مختلف النواحي التاريخية والإدارية
والسكانية والقانونية، وذلك إستناداً إلى المعطيات التي ذكرناها، والملاحظات
الأتية:
الإتفاقات والمعاهدات الدولية:
إستند ترسيم الحدود الجنوبية في لبنان، إلى الحد الفاصل بين المنطقة
الشمالية الواقعة تحت الإنتداب الفرنسي، والمنطقة الجنوبية الواقعة تحت الإنتداب
الإنكليزي، ويمتد هذا الحد حسب إتفاق الحكومتين المنتدبتين (في 23 كانون الأول
1920) من "رأس الناقورة على البحر، حتى بانياس الباقية ضمن المنطقة
الأولى".
ويتبيّن من هذا الإنفاق أن جبل حرمون قد اُبقي بكامله ضمن الأراضي
اللبنانية والسورية.
وبموجب إتفاقية بوليه- نيوكومب (17 آذار 1923)، فقد تم ترسيم الحدود بين
لبنان وسوريا (الإنتداب الفرنسي) من حهة، وبين فلسطين (الإنتداب البريطاني) من جهة
ثانية، وقد تم وضع العلامات الحدودية من الناقورة على البحر المتوسط حتى بانياس في
الشرق، حيث تم وضع 39 علامة حدودية رئيسية بحيث تبدأ الحدود السورية – الفلسطينية
من النقطة 40 على مجرى نهر بانياس.
وعند ترسيم الحدود لم توضع علامة رئيسية في نقطة الحدود عند "جسر
الغجر"، على نهر الحاصباني، وهي تقع بين العلامتين الرئيسيتين "38"
، عند موقع المطلة، و "39" قرب بانياس، والتي تعتبر حط النهاية في
الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وبنتيجة الخلاف الذي وقع بين لبنان وكيان العدو في تطبيق إتفاقية بوليه-
نيوكومب عند ترسيم مكان الحدود، خصوصاً بين النقطتين |38" و "39"،
فقد حصل في كانون الأول عام 1949، ترسيم للحدود بين لبنان وأراضي قلسطين المحتلة
بإشراف الأمم المتحدة، حيث تم إحياء وتمركز أماكن النقاط ال "39" على
طول المنطقة الحدودية الجنوبية من الناقورة إلى بانياس بشكل واضح.
إتفاقية الهدنة بين لبنان وكيان العدو الإسرائيلي في 23 أذار 1949: بعد
الموافقة على إنضمام دولة الإحتلال إلى الأمم المتحدة، وتعهدها تنفيذ القرارات
الدولية المتعلقة بالحدود، قامت لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية بعملية مسح
جديدة لتثبيت نقاط الحدود على الخرائط، وذلك بعد إعلان دولة الإحتلال موافقتها على
أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، وهي الحدود التي تم
ترسيمها في الإتفاق السابق، وقد تم المسح الجغرافي على الأرض بين 5 و 15 كانون
الأول عام 1949، حيث جرى تركيز العلامات المحددة على الخرائط.
وقد نصت إتفاقية الهدنة عام 1949 في المادة الخامسة، الفقرة الأولى منها،
على التالي: يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، وقد كرست لجنة
الهدنة في إجتماعاتها المتتالية نقاط الفصل الأساسية (وعددها 38)، وفق إتفاقية
بولية – نيوكومب (7 آذار 1923)، بالإضافة إلى النقطة "39" بين الحدود المشتركة السورية – اللبنانية –
الفلسطينية، وإستحدثت نقاط ثانوية ما بين النقاط الأساسية، لتثبيت الخط الفاصل
وتحديده بدقة، لا سيّما أن المسافة بين نقطتين أساسيتين كانت تتعدى مسافة 2
كيلومتراً أحياناً.
الحدود اللبنانية – السورية:
بموجب الإتفاقات الدولية السابق ذكرها، وبعد ترسيم الحدود اللبنانية
السورية خلال عهد الإنتداب، فقد إعتبر المسؤولون اللبنانيون ومالكو الأرض آنذاك،
أن خطأ فنياً حصل اثناء إصدار الخرائط، وترسيم الحدود الدولية القائمة على السفوح
الجنوبية الغربية لجبل الشيخ، حيث وقعت غالبية هذه المزارع اللبنانية داخل الحدود
السورية، بينما هي في الواقع كان يجب أن تكون داخل الأراضي اللبنانية، نظراً لثبوت
ملكيتها من أصحابها اللبنانيين، من خلال المستندات والإفادات العقارية وأوراق
الطابو التي يملكونها.
بموجب الإتفاقات الدولية السابق ذكرها، وفي عام 1946، أعلنت الخارجية
السورية جواباً على مذكرة لبنانية في هذا الشأن، بأن ما حصل هو عمل فني بحث، لم
يكن يُقصد منه تعديل حدود أو إدخال مزارع، وذلك بموجب مذكرة رقم ق. 574 (53/124)،
تاريخ 29-9-1946.
زفي عام 1949، وبعد نيل سوريا ولبنان الإستقلال، فقد شُكلت لجنة لبنانية –
سوريا لترسيم الحدود بين البلدين، وتألفت اللجنة من الجانب اللبناني، من: المير مجيد
إرسلان، الرئيس تقي الدين الصلح، وعبد الحميد بيضون، وقد توصلت اللجنتان إلى
الإتفاق حول ترسيم الحدود بين البلدين، فجاءت لتؤكد أن مزارع شبعا جزءًا من لبنان
يحدها من الشرق الوادي المعروف بوادي العسل الذي يمتد بين أعالي جبل الشيخ في
الشمال، أما في الجنوب فهو يمتد حتى نقظة إلتقاء وادي العسل بالطريق الدولية
الممتدة بين بانياس ومزرعة المغر (حيث توجد العلامة رقم "39").
كما تؤكد لبنانية مزارع شبعا محاضر اجتماعات اللجان الحدودية اللبنانية –
السورية، والتي تمت في عامي 1964 و 1967، وذلك بموجب محضر بتاريخ 27/2/1964، وآخر
بتاريخ 20 و 21/2/1967، وهي تبيّن أن الحدود الدولية بين البلدين هي حدود المسح
العقاري بينهما، مما يؤكد أن حدود الأملاك العقارية التابعة للقرى الممسوحة من
الجمهورية اللبنانية هي الحدود الدولية بين لبنان وسوريا.
بعد ذلك، وفي
أيار من العام2000، فقد تم الإنسحاب الإسرائيلي بطريقة أحادية من جنوب لبنان وبلدة شبعا، بينما
بقيت مزارع شبعا تحت الإحتلال، بعد ذلك، فقد أعاد فريق أممي برعاية الأمم المتحدة،
رسم خط الإنسحاب الذي سُمّي بالخط الأزرق، وأعلن أنه تم الإنسحاب من كامل الأراضي اللبنانية وفقاً للقرار الدولي
رقم 425 (الذي يُطالب دولة الإحتلال بالإنسحاب
من الأراضي اللبنانية)، وهكذا فقد أكّدت المنظمة الدولية بإعلانها هذا أن مزارع
شبعا سورية، وخاضعة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالجولان المحتل (قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم 242)،
لكن لبنان رفض ذلك وطالب بالإنسحاب الكامل من كافة الأراضي اللبنانية، بما فيها
مزارع شبعا بإعتبار أنها أراض لبنانية لا زالت محتلة، وهذا ما دفع مجلس الأمن
لاحقاً لإصدار القرار 1680، في جلسته المنعقدة بتاريخ 17 ايار 2006، مطالبة لبنان
وسوريا بت الحالة القانونية للحدود بين الدولتين "بتحديد حدودهما المشتركة، وخاصة في المناطق التي تعتبر فيها الحدود
غير مؤكدة أو محل نزاع"، وإيداع الأمم المتحدة
الوثائق ذات الصلة.
حدود مزارع شبعا: الأرض والسكان والإدارة
تؤكد كافة المستندات التي ذكرناها، أن مزارع شبعا لبنانية وهي تضم الأراضي
التابعة لآبناء العرقوب، وخصوصاً بلدة شبعا، وذلك بموجب المعطيات الآتية:
- السكان وسجلات النفوس: الثابت في سجلات
القيد للمقيمين ، أن أهالي هذه المزارع هم لبنانيون، وغالبيتهم من بلدة شبعا
التي تقع في قضاء حاصبيا، أي أن تعداد السكان في قضاء حاصبيا كان يشمل أهالي
المزارع، حيث توجد عائلات (أكثر من 100 عائلة) معروفة منذ القدم.
- الأرض والسجلات العقارية: تؤكد ملكيات الأراضي
بشكل ثابت، كما يتبين في المستندات المذكورة، أنها تابعة عقارياً لقرية شبعا
وأبناء العرقوب في قضاء حاصبيا، ومسجلة لدى السجل العقاري في صيدا، وأن
معاملات بيع وشراء ومسح الأراضي، كان يتم في الدوائر
العقارية اللبنانية، مما يؤكد أن هذه المزارع تابعة للبنان.
- ممارسة السلطات الإدارية: إن ممارسة السلطات
الإدارية والأمنية دورها وصلاحياتها في المزارع والأراضي التابعة لها، من قوى
أمن، ونواطير أحراج، وجباية مالية، وأحكام قضائية، تؤكد ثبات سيادة الدولة
اللبنانية على هذه المزارع، مما يؤكد لبنانيتها بشكل ثابت.
No comments:
Post a Comment