هل يسير لبنان
على خطى تونس وقبرص
لرفع الحصار الأوروبي
الأميركي واعادة النازحين
مقالة منشورة في مجلة الحقائق.. ومجلة عالم الصناعة والاقتصاد عام 2023.
د. علي فاعور رئيس مركز السكان والتنمية.
منذ بداية عام 2023 بدأت تتكوّن معالم مرحلة ثانية من اللجوء السوري الى لبنان ، وهي تضم موجات نزوح ضخمة وتدفقات بشرية مكوّنة بغالبيتها من الشباب، دخلت الأراضي اللبنانية عبر الممرات البرية في الجبال والمعابر غير الشرعية المتواجدة على امتداد الحدود البرية بين لبنان وسوريا...
ترعاها
منظمات دولية تؤمن حماية اللاجئين عند وصولهم وتقدم المساعدات لهم (وتضم المفوضية
العليا للاجئين، مع اليونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي.. وغيرها الكثير)، وتمنع
عودتهم الى ديارهم لغايات سياسية، تديرها على الارض، وتؤمن تنقلاتها شبكات محلية
منظّمة وجمعيات تقوم بممارسة نشاطها دون تراخيص وبشكل مخالف للقانون دون علم وخبر، وتتاجر بالهجرة وتهريب النازحين، وهي تعمل مقابل مبالغ مالية ضخمة لتامين عبور السوريين بطرق
غير شرعية، وضمن خارطة طريق واضحة المعالم، حيث يتم نقل المئات من النساء
والأطفال، وبخاصة من الشباب الذين يتم ترحيلهم من بلدان أوروبا وتركيا الى مناطق
الشمال الغربي في سوريا، ثم يجري نقلهم الى لبنان للبحث عن مأوى في مواجهة الفقر
والبطالة وغلاء المعيشة في سوريا..
لماذا المرحلة الثانية من النزوح الى لبنان؟
لماذا
التدفقات الجديدة من النازحين الى لبنان، ما هو مصدرها؟ ولماذا تتزايد موجات
الهجرة غير الشرعية ؟
تشير تقديرات أولية أن معظم
تدفقات النازحين الأخيرة للمرحلة الثانية مصدرها المناطق المدمرة في شمال
غرب سوريا، وبحسب "مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" في سوريا، فان
"المساعدات عبر الحدود هي مسألة حياة أو موت لملايين الأشخاص في شمال غرب
سوريا".. كما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية مستمرة في التدهوّر في جميع
أنحاء سوريا، وقد أدى الانخفاض السريع في قيمة عملتها إلى ارتفاع كبير في أسعار
المواد الغذائية والوقود.
ويأتي توفير المأوى في
مقدمة الأولويات الأساسية للإغاثة، حيث تشير تقديرات إلى أن فصول الشتاء شديدة
البرودة وغير المتوقعة في شمال غرب سوريا، قد تسببت في معاناة حادة لمليوني شخص
يعيشون دون مأوى مناسب.
أزمة اللاجئين
في سوريا ماساة هذا العصر
تمثل الهجرة غير الشرعية للشباب مصدر أمل
لحياة جديدة، كما أنها مسالة حياة أو موت بالنسبة لغالبية السوريين.. ذلك أنه وبعد
مرور أكثر من 12 سنة على بداية الأزمة في سوريا، تستمر المعاناة الانسانية، فقد
كان ملايين الأشخاص في شمالي غربي سوريا يتلقون مساعدات منقذة للحياة، وذلك بعد انتشار وباء كورونا وبسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
لمواجهة الأزمة، ولا سيّما تداعيات وآثار الزلازل المدمرة في
شباط 2023، فقد قرر مجلس الأمن بالإجماع
(
بداية 2023) تقديم
المساعدات إلى شمال غرب سوريا، باستخدام معبر باب
الهوى الحدودي، ودعا الدول الأعضاء إلى تلبية
الاحتياجات العاجلة للشعب السوري في ضوء التأثير الاجتماعي والاقتصادي والإنساني
العميق، حيث تشير تقديرات المفوضية للاجئين أن نحو 15,3
مليون شخص في سوريا بحاجة للمساعدة الانسانية، وذلك بزيادة 5% عن عام 2022، كما
تقدر الامم المتحدة أن 8,8 مليون شخص في سوريا قد تضرروا من الزلزالين الأخيرين في
6 شباط و 20 شباط 2023، وبخاصة في محافظات حلب، حماه، ادلب، واللاذقية
وطرطوس...كما تبيّن أن 41% من المباني بحاجة للتدعيم والصيانة..
حيث يعيش حوالي 4.1 مليون شخص في فقر مدقع،
منهم ما يُقدر بنحو 2.7 مليون شخص في عداد
المفقودين، ولا يزال النازحون داخلياً بحاجة إلى المساعدة الحيوية المنقذة للحياة.
كما لا تزال المواقع التي تم إنشاؤها كحلول طوارئ وكملاذ أخير تستضيف 1.8
مليون نازح؛ حوالي 80% منهم من النساء والأطفال وهم معرضون بشكل خاص للعديد من المخاطر.
لكن وبعد انتهاء فترة السماح في تمديد استخدام معبري باب السلام والراعي، فقد
فشل مجلس الأمن في 11 تموز 2023، في تمديد فترة إيصال المساعدات الإنسانية عبر
الحدود إلى سوريا، ولم يتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن ابقاء شريان
الحياة الحيوي مفتوحًا لملايين الأشخاص.
ولمواجهة الأزمة الانسانية،
فقد اتفقت الحكومة السورية مع الأمم المتحدة، مع مكتب "تنسيق العمل
الإنساني" في إدلب، على صيغة لتفويض المنظمات الأممية
بإعادة استخدام معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى
محتاجيها، ولمدة ستة أشهر اضافية.
هجرات غير شرعية عند المعابر والممرات
يبدو من المستحيل منع التهريب وضبط التنقل
واقفال المعابر غير الشرعية عبر الحدود البرية بين لبنان وسوريا، فهي تمتد بطول
نحو 375 كيلومتراً، عند الحدود الشمالية والشرقية.. ويتواجد فيها 108 مراكز للجيش
و38 برجاً للمراقبة..
أما الحدود الشمالية فهي تمتد على
مسافة نحو 100 كلم، وتبدأ من معبر العريضة
الحدودي في الساحل، ثم على طول مجرى نهر الكبير الجنوبي، وصولاً إلى وادي خالد بإتجاه منطقة أكروم..
ثم تليها الحدود الشرقية الممتدة من الهرمل الى معبر المصنع،
وصولاً إلى قمة جبل الشيخ في جبال حرمون ..
وتضم هذه الحدود ستة معابر شرعية، تبدأ من
المعبر الرئيسي الرسمي في الحدود بين لبنان وسوريا، وهو معبر المصنع في لبنان الى
جديدة يابوس داخل سوريا، وبعدها معبر العبودية – الدبوسية، ثم معبر جوسية، ومعبر
وادي خالد – تل كلخ، ثم معبر العريضة الساحلي الذي يربط بين قرية العريضة في لبنان
وريف محافظة طرطوس، يُضاف اليها المعبر السادس الجديد (في قضاء الهرمل)، وقد تم
افتتاحه مؤخراً لتسهيل حركة تنقل المواطنين بين قضاء الهرمل في لبنان ومحافظة حمص
في سوريا..
كما يوجد على طول الحدود أكثر من 140 ممر
غير شرعي، وجميعها يصعب تأمينها كونها تقع في منطقة جبلية متداخلة ذات طبيعة
جغرافية صعبة المسالك ووعرة من الصعب اقفالها بالكامل، وبخاصة لوجود قرى لبنانية
داخل الحدود السورية، وهي تتوزع في قمم الجرود في سلسلة الجبال الشرقية، حيث يسيطر
الجيش اللبناني على معظمها..
ونتيجة تسارع الانهيار المالي وتردي الاوضاع
المعيشية، ما أدى الى تفشي البطالة، وبخاصة لدى فئة الشباب ما دفعهم للمخاطرة عبر البحر وفي قوارب غير آمنة نحو قبرص
واليونان، على امل التمكن من عبور الحدود الاوروبية لطلب اللجوء، حيث تزايدت عمليات
هجرة اللاجئين في القوارب من شواطئ الشمال بدءا من شاطئ عكار مرورا بطرابلس وصولا
الى شكا والبترون.
كما تضم منطقة شمال لبنان وعكار عدة
موانئ تمتد على طول الساحل، حيث يبلغ طول
الشاطئ العكاري بين العبدة والعريضة حوالي 16 كلم تقريبا .. وهي قد تحوّلت في
الفترة الاخيرة الى اماكن انطلاق لتهريب البشر عبر "قوارب الموت"،
وغالبيتهم من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين..
وعلى العموم تتحمل الفئات الضعيفة من اللبنانيين
وحدها نتائج هذه الادارة السياسية التي تخدم مصالح البلدان الغربية، حيث يتم
احتجاز الألاف من السوريين لرعايتهم على الاراضي اللبنانية، من خلال محاصرة
ومراقبة الحدود البحرية لمنع هجرة القوارب من الوصول الى بلدان أوروبا، وذلك على
الرغم من تفاقم الأزمات التي يعانيها لبنان وهو قد بات على حافة الانهيار الشامل.
البحر المتوسط مقبرة اللاجئين لحماية حدود أوروبا
لقد تحوّل لبنان خلال السنوات الاربع
الأخيرة، الى محطة جديدة ومركز انطلاق للهجرة غير الشرعية عبر القوارب في البحر..
وهي تضاف الى طريق "هجرة القوارب" في البحر المتوسط، انطلاقاً من سواحل تونس
وليبيا، والتي كانت تعتبر "أكثر طرق الهجرة فتكاً في العالم".
في المقابل نجد أن الدول الأوروبية التي
استضافت اللاجئين من أوكرانيا، تغلق اليوم أبوابها أمام اللاجئين من بلدان الشرق
الأوسط وشمالي أفريقيا، ومع ارتفاع أعداد اللاجئين الباحثين عن الأمان وسُبل
العيش، فقد تحوّل البحر المتوسط الى مقبرة اللاجئين لحماية حدود أوروبا.
لقد فرضت معظم الدول قيوداً على الدخول والحدود حيث
يتم احتجاز ملايين اللاجئين في البلدان المتوسطية المجاورة، والتي باتت عاجزة عن
تحمل أعباء اللجوء، ما أدى الى تزايد التوترات وتصاعد موجة العداء تجاه اللاجئين
في لبنان والاردن، وتونس وقبرص..
قبرص لمساعدة لبنان
وإعادة تقييم الوضع في سوريا.
تبعد قبرص نحو 80 كم عن الشواطئ
اللبنانية، وهي نتيجة موقعها الجغرافي كدولة أوروبية في خط المواجهة الأول عند
حدود أوروبا، فقد اعتمدت سياسة ترحيل اللاجئين اليها عبر البحر واعادتهم الى
لبنان. حيث أكد مكتب المفوضية السامية للأمم
المتحدة لشؤون اللاجئين في قبرص إن عمليات الترحيل والنقل بين الدول "دون
ضمانات قانونية وإجرائية للأشخاص الذين قد يحتاجون إلى حماية دولية"، تتعارض
مع القانون الدولي والأوروبي.
ولمواجهة ازمة الهجرة غير الشرعية، فقد طلبت قبرص من الاتحاد الأوروبي
مراجعة و"إعادة تقييم وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة اللاجئين
إليها "، ذلك لأن بعض المناطق في سوريا قد باتت آمنة، بحيث
يمكن ترحيل اللاجئين أو إعادتهم إلى ديارهم، وفق ما اقترح وزير الداخلية في قبرص
أيضًا على الاتحاد الاوروبي وضع "العوائق أمام تدفقات الهجرة في المنطقة"، وتقديم المساعدات والدعم
للدول المجاورة لسوريا، مثل تركيا ولبنان ومصر
والأردن ، لوقف موجة المهاجرين غير
الشرعيين الذين يغامرون في "قوارب الموت" لعبور البحر المتوسط نحو
أوروبا.
وقد عرضت
قبرص على لبنان مساعدات مالية وفنية، والتبرع بزوارق سريعة واجراء دوريات مشتركة
في البحر لوقف حركة التهريب عبر القوارب..
تونس تمنع دخول وفد البرلمان الأوروبي أراضيها
في سياق إدارة الحدود ومكافحة حركة الهجرة غير النظامية، فقد وقعت تونس في 16 حزيران
2023 ،اتفاقية تفاهم مع الاتحاد الاوروبي "حول شراكة استراتيجية وشاملة بين
الاتحاد الأوروبي وتونس"، وذلك بالنظر إلى أهمية تعزيز
التعاون لمكافحة موجات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر والإدارة
الفعّالة للحدود
للحدّ من تدفقات المهاجرين وتطوير نظام لتحديد
هوية المهاجرين غير الشرعيين وإنقاذ الأرواح
البشرية..
ويتعهد الاتحاد الأوروبي، بمساعدة تونس من خلال
دعم الميزانية لعام 2023، ما يؤدي الى رسم خارطة طريق تم وضعها
لتعزيز النمو الاقتصادي ودعم مشاريع البنية التحتية ذات
الأولوية لإنتاج الطاقات المتجددة (الاقتصاد والتجارة، الزراعة، التحوّل
الرقمي، النقل الجوي، الاستثمارات، تحوّل الطاقة الخضراء..)....
لكن
وبعد فترة قصيرة من توقيع الاتفاق، ونتيجة انتقادات من نوّاب أوروبين لمضمون
الاتفاق، والذي وعد بموجبه تونس بتوفير الدعم المالي بنحو 1.1 مليار يورو لتأمين
حدود الدولة، ولمنع دخول اللاجئين والمهاجرين إلى
أوروبا عبر تونس. وبشكل مفاجئ وغير عادي،
فقد منعت تونس
وفداً من النواب في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي
من دخول أراضيها
(14 ايلول 2023) لتقييم الوضع السياسي بعد انتقاد التراجع الديموقراطي فيها..
وأعلنت بأنه "لن
يُسمح لهم بدخول الأراضي الوطنية"....
ايطاليا تنتقد شركاءها الأوروبيين لعدم تقاسم المسؤولية
أما في ايطاليا، وهي تعتبر إحدى الدول
الرئيسية للمهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط بهدف الوصول إلى أوروبا، وبعد وصول
أكثر من 7,000 مهاجر في ثلاثة أيام (13 أيلول 2023) إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
، وهي البوابة المباشرة على بعد أقل من 150 كيلومترا من الساحل التونسي، حيث أعلنت
بلدية الجزيرة حالة الطوارئ لمواجهة تدفقات تساوي أكثر من عدد سكانها المقيمين..
هذا التطور ادى الى
احتجاج رئيسة الوزراء الإيطالية (أيلول
2023)، التي انتقدت شركاءها
الأوروبيين لعدم المشاركة في الدعم وتقاسم المسؤولية لمواجهة الأزمة، وذلك بعدما تجاوزت أعداد المهاجرين الوافدين إليها
القدرات الاستيعابيّة.
لبنان تحت الحصار
الأوروبي الأميركي
بالمقابل،
متى يبدأ لبنان بالسير على خطى قبرص وتونس وايطاليا، لرفع الحصار المفروض عليه منذ
بداية الأزمة السورية، حيث يتوجب على الحكومة اتخاذ تدابير استثنائية وعاجلة وعلى أعلى المستويات
لاعادة النازحين.. واقفال الحدود بالكامل، أمام حركة الهجرة غير الشرعية، لمواجهة أزمة النازحين واعادتهم الى ديارهم..
ذلك
أن سياسة الانقسامات القائمة، والتردد والخوف من المواجهة التي تعتمدها الحكومة،
والتي تم اعتمادها خلال السنوات الماضية، هي التي أدت الى تضييق الحصار القائم على
لبنان، حيث توجد سلطة عاجزة عن حماية السيادة الوطنية وضبط الحدود ، وذلك في غياب
موقف حكومي موحد، لجهة التواصل والتنسيق مع الحكومة السورية، وعلى أعلى المستويات،
وبما يضمن مصالح البلدين، لوضع خطة شاملة تضمن عودة اللاجئين الى المناطق الآمنة
في سوريا، وذلك قبل انفجار الأزمة وانتشار الفوضى في المخيّمات العشوائية، والتي
بات عددها يفوق ال 6500 عشوائية، منتشرة في كامل الأراضي اللبنانية، وبخاصة في
مناطق عكار والشمال، حتى كامل البلدات في اقضية الهرمل وبعلبك، وزحلة، والبقاع
الغربي، وراشيا.. وكذلك في قضاء الشوف..
ما أدى الى تلوّث المياه والتربة وانتشار الأمراض في مختلف مناطق حوض
الليطاني، والذي يمثل نحو خمس مساحة لبنان (على امتداد نحو 2000 كم2)، حيث يزيد
عدد النازحين السوريين على عدد اللبنانيين المقيمين فيها، ويُدخل البلاد في مواجهات
غير محسوبة العواقب، مع انتقال تناقضات الأزمة السورية السياسية والاقتصادية
والاجتماعية الى داخل لبنان، ثم عدم القدرة في السيطرة عليها، وحدوث تداعيات كبيرة
وخطيرة خلال السنوات القادمة.